25/11/2020
ضمن برنامج "تجربتي" بغرفة الشرقية:
البواردي: منحني والدي العلم ولم أولد في فمي ملعقة ذهب
أكد عضو مجلس الشورى، وعضو مجلس إدارة غرفة الشرقية سابقا رجل الأعمال خالد بن محمد البواردي على أهمية العلم، وتحكيم العقل، والعمل وفق القدرات، والتواضع بالإضافة إلى مراعاة الله جل شأنه في كل شيء لضمان النجاح في عالم الأعمال.. منوها بأن المستقبل يختلف عن الحاضر، والماضي لن يعود، فعلينا العمل وفق القدرات الذاتية.
وأضاف البواردي خلال برنامج "تجربتي" الذي نظمه مجلس شباب الأعمال بغرفة الشرقية مساء أمس الأول (الثلاثاء 24/11/2020) بأنه كواحد من البشر، يحب العلم والتعلّم، لم يخلق وفي فمه ملعقة ذهب، وإنما هي تجربة كان والده المعلم الأول له، فقد ورّثه "التدين، والعلم والسمعة".. مضيفا بأن حياته العملية بدأت فور تخرّجه من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن (البترول والمعادن سابقا) في العام 1980 وقد كان تخرّجه في الساعة الثامنة ليلا، ليبدأ دوامه في اليوم الثاني الساعة السابعة صباحا، فلم يأخذ إجازة، وكان موقع عمله مع والده فعمل مترجما له إبان دخول الشركات الكورية للعمل في المشاريع في البلاد.
ومضى البواردي ــ في اللقاء الذي أداره عضو المجلس تركي الراجحي ــ قائلا بأن أول وظيفة عمل بها هي الترجمة، إذ عمل على التلكس، والتي هي تقنية للإرسال سابقة على الفاكس، وهي عملية جديدة بالنسبة له في تلك الأزمنة، وكانت خطوة تم بعدها إدخال الحاسب الآلي في الشركة، وكان هو المتابع لهذه الخطوة، التي أدت إلى نقل الشركة إلى عالم أوسع، ولكن بصورة متدرجة.
وفي هذا المجال، يقول البواردي:"إذا تكلمنا عن المشقة، فأنا ـ وأبناء جيلي ـ لم نعرف المشقة التي عانى منها الأوائل مثل الوالد وجيله، فلهم السبق والرفعة في كل شيء، يكفي في تلك المعاناة التي شهدت وسمعت بعض فصولها، أن التنقل من شقراء إلى المراكز التجارية في مكة المكرمة و الأحساء، إذ لم تكن حينها موانيء ولا حافلات وإنما يتم النقل بالأبل، وكل رحلة تستغرق 18 يوما، كان الوالد فيها تاجرا في العديد من المجالات منها المواد الغذائية كالتمور والحبوب، والملابس، ولم يكن أحد ينظر إلى بداية أو نهاية الدوام، الذي يبدأ من الصباح الباكر إلى غروب الشمس، ولا أحد يشكو من ضيق الوقت، وهذا ما عاصرته وسرت عليه طوال مسيرتي العملية".
واستعرض بعض معالم المعاناة التي عاشها والده، وانتقلت نتائجها إليه، قائلا بأن والده عمل في التجارة في الأربعينيات وبعد دخول الحافلات، تخلّى عن الأبل وصار ينقل الركاب من خارج الرياض إلى داخله، ولم يكن الطرق معبدة، فتكسّرت الحافلات واقفلت الشركة، وفي الخمسينيات تم تأسيس مؤسسة "كندا دراي" للمرطبات، وهي الشركة التي ضمت أبرز الأسماء التجارية المعروفة منها "الراجحي، المعجل، القصيبي، السبيعي وغيرهم"، شكلوا مجلس إدارة لم يجتمع مرة واحدة، احترقت الشركة واحترق مصنعها، دعوا للتصفية، ولم يجتمعوا إلا بعد 36 عاما، فالأرض التي تم شراؤها بــ 4 ريالات بيعت 350 ريالا".
ويذكر بأنه في الستينيات بدأت الشركة تستورد المواد المنزلية من إيطاليا من قبيل الثلاجات والمكيفات (منها مكيف عنتر)، والتلفزيونات (وكان سعرها 2000 ريال، يتجمع خمسة أشخاص لشرائه)، واستمر هذا الأمر حتى السبعينيات حين دخلت السلع اليابانية كمنافس للعسر ، فتوقفت تجارتنا في هذا الشأن، يضاف إلى ذلك تجارة الحديد والأخشاب، فالحديد من الهند، والخشب من النمسا عن طريق بيروت يتم إفراغها بمرفأ الخبر (إذ لم يكن في المنطقة ميناء بمعنى الكلمة)، وكان يتم افراغها يدويا، تزداد التكلفة حسب المد والجزر،
وبعد أن التحق عمليا مع والده، والأنشطة المذكورة، وجد نفسه في أفضل نشاط اعتبره الأقرب إلى قلبه وهو "مصهر الالمونيوم" الذي اشرف عليه بنفسه خلال حقبة التسيعنيات، لكنه عدّه من التجارب الناجحة والفاشلة في آن واحد، إذ يقول عنه :"إن هذا المصهر كان يعمل بالكهرباء وكان التعرفة بخمس هللات ارتفعت إلى 15 هللة فأدى إلى زيادة التكاليف، فتم التحوّل إلى الديزل الذي ارتفعت كلفته فالليتر بات بــ 15 هللة بعد أن كان بـ 12 هللة، فلم نستسلم فتم التحوّل إلى الاعتماد على الزيت المحروق اعتمادا على تقنية ألمانيا تجعل منه صديقا للبيئة، ثم توجهنا للزيت الخام، فسار المصنع على أفضل ما يكون، وكان 98.5 % من إنتاجه للتصدير للأسواق الخارجية، وابرز زبائنه مرسيدس وفليكس فاجن، ومازدا ، استمر العمل حتى توقف بسبب الظروف، وصعوبة استيراد رجيع الألمينوم".
الحوار انتقل إلى الحديث عن التجارب الشخصية، ونقلها إلى الأجيال الجديدة من رواد ورائدات الأعمال ليقول البواردي:" ينبغي أن نركز كلّنا على نقاط القوة التي لدينا، فليس لدينا عمالة رخيصة، ولا تقنية عالية، ولكن لدينا معادن وبتروكيماويات، ولدينا موقع جغرافي مميز، فعلى كل واحد منّا أن ينبى نجاحه على مقوّمات بلاده".. موضحا بأن الأزمات والتحديات مستمرة لدى كل واحد على الأرض، فقد مرّت الشركة بأزمات في 83، و87، و92، و2001، 2016 ولكل أزمة ظروف خاصة بها، والنتائج التي يمكن الخلوص منها، فلا ينبغي لأحد أن يجزع، وفي الوقت نفسه لا يتوقع أن أزمة ما سوف تحل نفسها بنفسها، فالمطلوب من كل رجل أعمال أن يدرك المشكلة ويبحث عن الحلول اللازمة لها".
وأكد البواردي بأن النجاح في الوقت الحاضر هو اتباع برامج رؤية المملكة 2030 وعدم التغريد خارج السرب، فالماضي لن يعود، والسوق اليوم يختلف عن السوق بالأمس، فنحن اليوم لا نتطلع إلى حماية والعمل دون منافسة، فهذه اللغة انتهت.
وفي هذا الصدد، لفت إلى أن المشاكل والتحديات هي قدر الحياة، وعلينا أن نقرأ ونزيد مساحة الاطلاع ونتعلم من التجارب، على أساس أن القواعد الاقتصادية المتعارف عليها الآن، هي نفسها موجودة لدى السابقين، ولكن صياغاتها قد تغيّرت، فما تغيّر هو المصطلح ولكن الأساس باق كما هو، وقد شاهدنا الكثير من المستثمرين عملوا في التجارة، ثم انتقلوا إلى العقار، ثم الأسهم، ثم عادوا للعقار بصورة مختلفة، فمن يملك القدرة على التنوع يتجنّب الكثير من المشاكل، فكل قطاع يرفع الآخر، ومع الوقت يزداد الطموح، ويحدث التسرع والجموح، فالمطلوب هنا هو التخطيط، والتعلم الدائم، وعلى حد تعبير الوالد بأنه كان يتمنى لو أن لديه عمران، الأول يعمل فيه، والثاني يتعلم خلاله".. منوها بضرورة أن يكون نمط القراءة والاطلاع بسير بطريقة القراءة المقارنة، فعلينا أن نقرأ شركاتنا ونقارنها بغيرها، ليس في النطاق المحلي فقط، بل في النطاقات الخليجية والعربية والعالمية،
ويشير البواردي إلى أنه وضمن مشاركاته العديدة في عدد من مجالس الإدارة رأى بعض الاختلافات بين الأعضاء، إذ يوجد الطامح والصامت والحالم والمشاكس، وكل واحد يقدّم خبرته، وكل عضو ينبغي أن يستفيد من تجارب غيره، وكل القرارات الخاطئة لم تأت إلا نتيجة عدم التنسيق بين الأعضاء.
وعلى ذكر العضوية ذكر بأنه عضو في 164 جهة، ما بين لجنة ومجلس إدارة وغير ذلك، وكلّها ذات طبائع وتوجهات مختلفة، وقال بأن التنسيق فيما بينها يتطلب التفرغ، فهو لا يأخذ إجازة، ولا يحب السفر، حتى أنه في رحلة عمل إلى اليابان لم تستغرق أكثر من يومين وعاد إلى المملكة وباشر عمله اليومي، وكل يرجع إلى إدارة الوقت.
وحول مبدأ الشراكة مع المستثمرين الأجانب قال البواردي هو:"خطوة جيدة إذا تحقق من خلالها نقل الخبرة والتقنية، ولنا في تجربة منطقة الإيداع بميناء الملك عبدالعزيز بالدمام، حيث استوردنا أجهزة من 4 شركات عالمية واستطعنا ان ننجح بصورة لافتة، على أن مسألة النقل لا ينبغي أن تتم وتتوقف بل ينبغي أن تتطوّر العملية، ولا تتوقف، مثال ذلك اعتمادنا على الحواسب الآلية، هل من السليم أن نبقى على أنظمة الثمانينات والتسعينيات؟!".
وحول إدارة الموارد البشرية في الشركة قال أنا ابحث عن العطاء والحماس، فلا تستطيع ان تستغني عن الموظفين، حتى لو استوردت أحدث الأنظمة، لعلّي هنا أتذكر قصة حارس أمن رأيته في غرفة الشرقية، طلب منّي أن اتوسط له لتغيير دوامه اليومي لكي يواصل دراسته فهو في المرحلة المتوسطة، فسألت إدارة الموارد في الشركة إذا كان لديهم وظيفة له، فتم الاتصال به فجاء على وظيفة عامل فني، ترأس خمسة عمال، وأنهى المرحلة المتوسطة والثانوية والجامعية، وصار مسؤولا في الشركة، ثم استقال وهو يعمل الآن لدى إحدى الشركات المرموقة في الرياض، وهذا يقودنا إلى القول بأن السعودة ليست مشكلة، وإنما المشكلة عندنا، فالسعودة سوف تتم إذا واصلنا النمو الاقتصادي وتعددت المشاريع والأعمال.
وعن القيم التي يحتاجه رائد الأعمال قال بأن عليه أن يراعي الله في كل شيء، وان يؤدي الحقوق التي تترتب عليه، وأن يعرف قدراته ويعمل وفقها، وتحكيم العقل في كل شيء، وعدم المكابرة، والتواضع والعمل في كل شيء مادام يمنحه الخبرة.