16/03/2009
«اتحاد الغرف» يؤكد أن تداعيات «الأزمة» بدأت تظهر في مفاصل الاقتصاد الخليجي... 30 بليون دولار عجز متوقّع في دول الخليج... وإيرادات النفط تتراجع إلى 200 بليون في 2009
توقّع تقرير اقتصادي متخصص أن تتحول الحسابات الجارية في البلدان المصدّرة للنفط من فائض بلغ 400 بليون دولار تقريباً عام 2008 إلى عجز مقداره 30 بليون دولار في 2009، مشيراً إلى أنه يمكن احتواء هذا التراجع ضمن حدود مريحة بالنظر إلى مخزون الاحتياطات الكبير الذي تمكّنت هذه الاقتصادات من تكوينه، كما رجح انخفاض إيرادات دول الخليج من صادرات النفط والغاز بنسبة 60 في المئة خلال عام 2009 لتصل إلى 200 بليون دولار إذا سجل متوسّط أسعار النفط العام الحالي 40 دولاراً للبرميل، متوقعاً أن تتراجع معدلات التضخم.
وأظهر التقرير أن تداعيات وآثار الأزمة المالية العالمية وجدت طريقها للتأثير في دول مجلس التعاون الخليجي عبر خمس قنوات رئيسية، تتمثل في انخفاض أسعار النفط الخام، وتقلّص تدفق رؤوس الأموال الخارجية، وتراجع الطلب على مواد البناء والصناعة، وهو ما سيخلق تحديات حقيقية لدول المجلس، خصوصاً في تراجع معدل النمو عام 2009.
وقال تقرير أعدته الأمانة العامة لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي بالتعاون مع عدد من المراكز الاقتصادية المتخصصة، إنه ومع استمرار تفاقم آثار وتداعيات الأزمة المالية والركود الاقتصادي العالميين، يتوقع أن تحقق البلدان المصدّرة للنفط، بما فيها الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، نمواً بمعدل 3.6 في المئة في عام 2009، في مقابل 5.6 في المئة حققتها في عام 2008، معتبراً أن مواصلة الإنفاق الاستثماري في هذه الدول يسهم في تخفيف حدة الأزمة المالية العالمية على المنطقة بأسرها. وكشف التقرير الذي قدّم قراءة مستفيضة للوضع الاقتصادي الخليجي خلال العام 2009، أن هناك عدداً من التداعيات الناجمة عن الأزمة المالية بدأت تظهر خلال الشهرين الماضيين، أبرزها الانخفاضات الحادة في أسواق المال الخليجية، وإعلان عدد من المؤسسات المالية الخليجية عن تكبّد خسائر فادحة، وانخفاض أسعار الموجودات والعقارات، تتزامن معها التقلبات الحادة التي تشهدها أسواق المال والائتمان العالمية.
وأشار إلى أنه ومع تصاعد حدة تأثيرات الأزمة العالمية بدأت أنشطة القطاع الخاص بالتأثر على أكثر من صعيد، سواء بتراجع فرص الأعمال والمشاريع الحكومية أم بتقلّص فرص الصادرات، علاوة على تراجع حجم التمويلات الحكومية. وأوضح أن اقتصادات دول المجلس تعاني من تداعيات الأزمة المالية ومن آثار تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي على أسعار النفط. مبرزاً أن الاستجابة السياسية للسلطات والاحتياطات الدولية الضخمة واستمرار الإنفاق الحكومي الاستثماري أسهمت في تعزيز مناعة اقتصادات المنطقة ضد آثار الأزمة المالية والاقتصادية العالمية.
وأبرز التقرير أن مواصلة الإنفاق ستمكّن دول المجلس من دعم الطلب العالمي بنسبة كبيرة ومتنامية، كما تقوم بدور المحفز على تحقيق الاستقرار خلال مرحلة الهبوط العالمي. وأكد أن دول مجلس التعاون في وضع اقتصادي ومالي جيد، يؤهلها لمواصلة النمو والتطور الاقتصادي في الأجل المتوسط ولو بمعدلات أقل مما كان مقدراً في بداية العام.
ويتوقع أن يعتدل النشاط الاقتصادي خلال العام المقبل ويسجل نسبة نمو تقدر ما بين 3 و 4 في المئة. وأوضح التقرير أن تداعيات الأزمة المالية والركود الاقتصادي العالميين انعكسا على الصناعات الخليجية وأديا إلى تأجيل عدد من المشاريع الأساسية في صناعات النفط والغاز والبتروكيماويات والألومنيوم، بحيث بدأت آثارهما واضحة ومؤثرة في القطاع المصرفي الخليجي.
وتوقّع أن تنخفض التدفقات الاستثمارية العالمية المصدرة من دول مجلس التعاون الخليجي بشكل كبير خلال عام 2009، وذلك نتيجة لانخفاض العوائد المالية لدول المجلس، وسينعكس هذا الانخفاض بصورة واضحة في تقلص الاستثمارات الخارجية للصناديق السيادية، بسبب تحفّظها على الاستثمار في أسواق الدول الصناعية، في المقابل ستنخفض التدفقات الاستثمارية الواردة لهذه الدول، خصوصاً تلك الآتية من خلال النظام المصرفي.
ودعا التقرير دول المجلس إلى ضرورة تقديم خطة تحفيز اقتصادي تهدف إلى مساعدة القطاع الخاص في مواجهة التحديات الراهنة، بحيث تركز هذه الخطة على توفير ضمانات جزئية للبنك في مقابل توفير التسهيلات للقطاع الخاص، مؤكداً أن الحكومات يمكنها أن تدعم الشركات التي تواجه مشكلات صعبة بسبب نقص فرص الحصول على التمويل اللازم بسبب طبيعة الأوضاع السائدة في القطاع المالي، بشرط التأكد من احتمال استمرار تلك الشركات على المدى الطويل، من خلال جهود إعادة هيكلتها لضمان استمرارها، ومن خلال تقديم الضمانات الحكومية للائتمان الممنوح لتلك الشركات، وهو ما يساعد في جهود إعادة الهيكلة.
وأفاد التقرير بأن حكومات دول المجلس طالبت بعدم خفض برامج الإنفاق الحالية بسبب التراجع المتوقع في الإيرادات النفطية، وشدّد على ضرورة اتباع سياسات معاكسة للدورة الاقتصادية، من خلال زيادة الإنفاق في وقت ميل النشاط الاقتصادي نحو الانحسار، أي أن الإبقاء على مستوى الإنفاق مرتفعاً يعد أمراً أساسياً في هذه المرحلة.
وأوضح أن القطاع الخاص لعب دوراً رئيسياً في النمو الاقتصادي لدول المجلس، وأن ذلك يتضح من تناقص حصة الإنفاق الحكومي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، ففي عام 2002 وهو تاريخ بداية الانتعاش النفطي كان متوسط الإنفاق الحكومي يعادل 34.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أما في عام 2008 فيعادل 29.4 في المئة، في المقابل زاد القطاع الخاص من استثماراته، مستفيداً من تدفّقات التسهيلات القوية، وتطور الأسواق المالية المحلية لما قبل نشوب الأزمة المالية.
وأبرز التقرير أن الإنفاق على البنية التحتية كتوسيع الإنفاق على الصحة وإنشاء المزيد من المدارس والطرق ومشاريع البنية الأساسية، يمكن أن يكون محفزاً جيداً للاقتصاد، إذ يؤدي هذا الإنفاق إلى رفع مستويات السيولة وزيادة مستويات الدخول، ومن ثم رفع مستويات الطلب الكلي ومستويات التوظيف، كذلك على حكومات دول الخليج أن تقدم الدعم لمشاريع القطاع الخاص التي تعمل في القطاعات الحيوية في الاقتصاد لتفادي حالات الإفلاس. وأوضح أنه يجب على الحكومات ألا تهمل خطط مراقبة برامج الإنفاق لقطاع الأعمال الخاص إذا ما تعثرت تلك البرامج، فمن الممكن أن تقوم الحكومات بالتوقيع على عقود مشاركة للمشاريع الجوهرية التي ينفذها القطاع الخاص التي تعثرت نتيجة نقص رؤوس الأموال الخاصة بسبب الأزمة، لتتحول تلك المشاريع من مشاريع خاصة إلى مشاريع مشتركة.
دعوة لإصلاحات هيكلية جذرية
قال التقرير إن نموذج التنمية الاقتصادية الراهن لدول المجلس يجب تطويره من خلال إصلاحات هيكلية جذرية، تركز على تجسيد مضامين التنمية المستدامة، وتشجيع الأنشطة الإنتاجية والخدمية المولدة للقيمة المضافة الاقتصادية والاجتماعية، وبخاصة توفير فرص عمل مجزية للمواطنين، وجعلها أقل اعتماداً وحساسية للاستثمارت المضاربية، وبخاصة أنشطة العقارات والأوراق المالية. واعتبر أن كبح الإنفاق قد يصطدم بالحاجة إلى مواصلة الإنفاق الاستثماري، وبخاصة إزالة الاختناقات في جانب العرض على الخدمات، خصوصاً الإسكانية الموجهة للقطاعات الأوسع من المواطنين، وكذلك تحسين القطاعات الإنتاجية ومستويات الأجور، إذ من المتوقع أن تؤدي هذه الجهود في المدى المتوسط إلى التخفيف من التأثيرات الاجتماعية الضارة لارتفاع معدلات التضخم، وبخاصة مع التوقعات بتراجعها، وعلى دول المجلس توسيع طاقتها الاستيعابية، وبالذات في مشاريع البنية التحتية والمشاريع الاجتماعية، لكي لا يؤدي التوسع في الإنفاق إلى ارتفاع مباشر في الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين.
وطالب التقرير دول المجلس بالاستمرار في برامجها الرامية لتأسيس الاتحاد النقدي، ومعالجة معوقات الاتحاد الجمركي كافة، والسوق الخليجية المشتركة، نظراً إلى تأثيراتها البالغة في مستقبل تكاملها الاقتصادي، واستمرار برامج التنمية ومواجهة التحديات العالمية. وأضاف أن النمو الاقتصادي يعطي قوة دفع للقطاع الخاص، وعلى دول المجلس تبني خطط إنقاذ اقتصادي محفزة، وكذلك إحداث استقرار أكبر في سياساتها الاقتصادية الكلية، وبخاصة على صعيد الأسعار من خلال مرونة سعر الصرف، ما سيمنح القطاع الخاص ثقة أكبر في تنمية حصته من الناتج الإجمالي غير النفطي، غير أن القطاع الخاص يحتاج أيضاً إلى إضفاء مرونة أكبر على أسواق العمل، وتوفير العمالة الماهرة من خلال جملة إصلاحات سوق العمل الآخذ بتنفيذها في عدد من دول المجلس، الرامية إلى الاستثمار بمبالغ كبيرة في التنمية البشرية، وهي خطـــوة مهمة ومطلوبة لاعتماد القطاع الخاص بصورة أكبـــر على العمالة الوطنية وتخفيف اعتماده على العمالة الوافدة.