30/01/2016
"الأمريكية" تكبّدت بمفردها 2.5 تريليون دولار و"الصينية" 6 تريليونات
10 تريليونات دولار خسائر البورصات العالمية في يناير
جاء متوسط خسائر مؤشر داو جونز الأمريكي في كانون الثاني (يناير) الجاري عند 5.5 في المائة. "إ ب أ"
هشام محمود من لندن
هل ينعكس الأداء السيئ للبورصات العالمية خلال كانون الثاني (يناير) الجاري على باقي أشهر العام؟ يهيمن هذا السؤال على المتعاملين في الأسواق العالمية. وتختلف التحليلات بينهم بشأن التوقعات. لكن الاتفاق بينهم يتمثل في أن أداء الأسواق الدولية في كانون الثاني (يناير) كان الأسوأ منذ عام 2009. فخسائر البورصات بلغت عشرة تريليونات دولار، وإغلاق أسواق الأسهم الدولية في آخر أيام كانون الثاني (يناير) مرتفعة، لا ينفي أن أداءها خلال الشهر اتصف بالتراجع، بل بلغ حد الانهيار في البورصة الصينية. فما الذي يحدث للأسواق الدولية وما الدروس المستفادة منه وهل يمكن تجنب تكرارها هذا العام أم أن حتمية وقوعها مرة أخرى لا مفر منها؟
وتشير التقديرات إلى أن إجمالي خسائر البورصات العالمية بلغ نحو سبعة تريليونات دولار على الأقل خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من الشهر، فيما ذهب البعض في تقديراته إلى أن الخسائر تتجاوز عشرة تريليونات دولار. وتعلق لـ"الاقتصادية" يندي جون مختصة التحليل المالي في بورصة لندن قائلة: لا يوجد حتى الآن رقم نهائي بشأن إجمالي خسائر البورصات العالمية في شهر كانون الثاني (يناير)، ومؤشر ستاندرد آند بورز الذي يقيس أداء الأسهم العالمية ارتفع خلال الأسبوعين الماضيين، لكن هذا لم يكن كافيا لتعويض خسائر الأسبوعين الأولين من شهر كانون الثاني (يناير) الجاري، التي بلغت في البورصة الأمريكية بمفردها 2.5 تريليون دولار عندما وصلت قيمة الأسهم لأدنى مستوى لها".
وأضافت "لكن يجب الأخذ في الاعتبار أن معايير حساب الخسائر ليست موحدة في كل البورصات الدولية، ففي أسواق الأسهم التي تتسم بالشفافية مثل لندن والولايات المتحدة واليابان وأوروبا فإنه يصعب التلاعب في إعلان قيمة الخسائر، أما البورصات الحديثة ومن بينها البورصة الصينية فهناك شكوك في دقة المعلومات الواردة منها، التي أشارت المصادر الرسمية إلى أن حجم الخسائر خلال الأسبوعين الأولين من الشهر بلغت ثلاثة تريليونات دولار، فإذا أخذنا في الاعتبار عدم دقة تلك الأرقام، وإلى أن الأسبوعين الأخيرين من كانون الثاني (يناير) شهدت البورصة الصينية حالة من التذبذب بين الخسارة والزيادة الطفيفة، فأتوقع أن يبلغ إجمالي الخسائر الصينية بين خمسة وستة تريليونات دولار، ولذلك أعتقد أن شهر كانون الثاني (يناير) كان شديد الوطأة على أسواق الأسهم العالمية وأن إجمالي الخسائر قد يتجاوز عشرة تريليونات دولار".
واعتبر مختصون آخرون أن رقم العشرة تريليونات دولار قد يكون مبالغا فيه، وأن إجمالي الخسائر ليس هو المعيار أو المشكلة وإنما ما سينجم عنه من تداعيات.
من جانبه، قال لـ "الاقتصادية" الدكتور توم نيلسون المختص في مجال تحليل أداء البورصات: قد أتفق مع منطق صعوبة وضع رقم قاطع ودقيق بشأن خسائر أسواق الأسهم العالمية، خاصة أن جزءا كبيرا من تلك الخسائر يعد ورقيا أكثر منه خسائر مادية ملموسة. كما أن الاتهامات بعدم الشفافية في البورصة الصينية تكاد تختفي في ظل إدراج اليوان في سلة حقوق السحب الخاصة التابعة لصندوق النقد الدولي، وتزايد أعداد المستثمرين الدوليين في سوق الأسهم الصينية، فإذا كانت لدينا قناعة بأن الرقم الذي أعلنته الصين رسميا بأن خسائرها في شهر كانون الثاني (يناير) بلغت نحو 1.8 تريليون دولار - وهو على الأرجح صحيح – فإن إجمالي الخسائر في البورصات العالمية لن يزيد على أربعة تريليونات دولار، لأن معظم التراجعات الضخمة وقعت في الصين وتحديدا في النصف الأول من هذا الشهر، بينما شهد النصف الثاني حالة من التذبذب بين الارتفاع والانخفاض في أسعار الأسهم، وأعتقد أن الارتفاعات عوضت نسبيا الخسائر وإن لم تلغها".
ويستدرك قائلا: "قيمة الخسائر في سوق الأسهم ليست المشكلة الحقيق، إنما خطورتها تكمن في أنها أدت إلى تآكل شعور التفاؤل الذي بدأ في النمو في الأسواق العالمية في الأشهر الأخيرة. وتزايد قناعة كبار المستثمرين بأن الاقتصاد العالمي يكاد يخرج من النفق المظلم للنمو البطيء، هذا ما تجب استعادته عبر تركيز القادة والمسؤولين الاقتصاديين، على دعم البورصات بقوة لاستعادة شعور التفاؤل الاقتصادي المستقبلي".
ولكن بعيدا عن أرقام خسائر البورصات العالمية، فان الإغلاقات في آخر أيام شهر كانون الثاني (يناير) الجاري شهدت تحسنا ملحوظا – إذ أغلق عديد من البورصات الدولية على أعلى ارتفاع لها خلال خمسة أشهر - ويعود الفضل فيه إلى مجموعة من العوامل يأتي في مقدمتها تبنى البنك المركزي الياباني أسعار فائدة سلبية، وهو ما بعث برسالة إيجابية إلى الأسواق الدولية خاصة الآسيوية بأن ثالث اقتصاد في العالم يسعى بكل جهد ممكن للخروج من أزمة الركود التي تلاحقه منذ سنوات.
ويشير مؤشر ستاندرد آند بور 500 بشأن أداء البورصات العالمية إلى مجموعة أخرى من العوامل التي سمحت بإغلاق آخر أيام الشهر على ارتفاع من بينها التحسن الطفيف في أسعار النفط لليوم الرابع على التوالي، وتحقيق موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي أرباحا وكذلك عديد من المصارف، وشركتا مايكرسوفت وفيزا اللتان شهد أداؤهما الاقتصادي في الربع الأخير من العام الماضي ارتفاعا ملحوظا.
وأغلق مؤشر داو جونز على ارتفاع 2.47 في المائة محققا إجمالي 16466.30 نقطة، أما مؤشر ستاندرد آند بور 500 فحقق زيادة 2.5 في المائة، أي ما يعادل 46.88 نقطة، مؤشر ناسداك للتكنولوجيا بلغ معدل الارتفاع فيه 2.38 في المائة وأغلق على 4.613.95 نقطة، وبلغ عدد الأسهم التي تم تداولها في البورصة الأمريكية 8.8 مليار سهم.
ولم تكن البورصات الأوروبية بعيدة عن تلك الزيادة، فمؤشر فوستي 100 لبورصة لندن أغلق على ارتفاع 2.56 في المائة، أما مؤشر فوستي 350 الذي يرصد أداء أهم 350 شركة بريطانية فقد أغلق أيضا على ارتفاع بنحو 2.43 في المائة محققا 3387.97 نقطة، مؤشرات البورصات الألمانية أغلقت جميعها أيضا على ارتفاع بلغ 1.64 لمؤشر DAX، وزيادة بقيمة 2.42 في المائة لمؤشر MDAX، أما مؤشر نيكاي الياباني فارتفع بنسبة 2.80 في المائة وكذلك مؤشر هونج كونج بنسبة 2.54 في المائة، أما البورصة الأسترالية فقد حققت زيادة طفيفة بنحو 0.57 في المائة، بينما كان أداء بورصة بومباي في اتجاه تصاعدي وأغلقت بزيادة 1.54 في المائة، والاستثناء الوحيد كان لبورصة لاهور، التي أغلقت بخسارة بلغت 0.84 في المائة.
وتحسن اليوم الأخير لإغلاق البورصات الدولية لهذا الشهر، لا ينفي أن معدلات الخسائر كانت مريرة، إذ بلغ متوسط الخسائر في البورصات الأوروبية طوال شهر كانون الثاني (يناير) الجاري أكثر من 6 في المائة أما بورصة طوكيو فقد بلغ متوسط خسائرها أكثر من 7 في المائة، وبالنسبة لمؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية فجاء متوسط خسائر مؤشر داو جونز في كانون الثاني (يناير) الجاري عند 5.5 في المائة، أما مؤشر ناسداك فكان الأسوأ، إذ خسر نحو 8 في المائة خلال شهر واحد، أما الصين فإن الطامة كانت فيها هي الكبرى بين البورصات العالمية، فمؤشر شنغهاي المركب فقد نحو 22.6 في المائة من قيمته خلال شهر واحد، وهذا أسوأ أداء له منذ عام 2008، أما مؤشر CSI300 الذي يضم أكبر الشركات المسجلة في بورصتي شنغهاي وشينزون الصينيتين فقد فقد 21 في المائة من قيمته في أكبر خسارة له منذ آب (أغسطس) 2009.
ولكن إذا كانت تلك هي الصورة التفصيلية لوضع سوق الأسهم العالمية منذ بداية العام وحتى الآن، فإن السؤال لا يزال قائما، هل سينعكس هذا على الأشهر الباقية من العام الجاري؟
تتباين الآراء بهذا الشأن. فالدكتور جيرالد وات أستاذ السلوك الاقتصادي في جامعة وليز يعلق لـ "الاقتصادية" قائلا: "تشير الدراسات الأكاديمية إلى أنه منذ عام 1927 فإن الـ 11 شهرا المتبقية من العام تتواكب بنحو 68 في المائة مع أداء الشهر الأول من العام الجاري، ومن ثم فإن أداء اقتصاديا ضعيفا في شهر كانون الثاني (يناير) الجاري يعني أداء اقتصاديا سيئا للعام في مجمله".
ووجهة النظر تلك لا تجد قبولا لدى كيفن اسميث الاستشاري في البنك المركزي الأوروبي، حيث علق لـ "الاقتصادية قائلا: "الأمر مرتبط بطبيعة القرارات الاقتصادية التي ستتخذ لعلاج جوانب القصور التي كشف عنها أداء البورصات الدولية في شهر كانون الثاني (يناير) الجاري، فإذا نجحت البنوك المركزية في تبني حزمة من السياسات الاقتصادية المحفزة للنمو الاقتصادي، ووسعت من رقعة الإقراض المالي، فإن باقي العام يمكن أن يسير في اتجاه معاكس لشهر كانون الثاني (يناير) الجاري، أما إذا لم يحدث تحول حقيقي يسهم في إيجاد مناخ تفاؤلي تجاه المستقبل، فلا شك أن باقي العام يمكن أن يكون أسوأ أداء من شهر كانون الثاني (يناير) الجاري.