مالت أسعار النفط أمس للانخفاض المحدود في الأسواق العالمية بسبب زيادة المخزونات وتحركات ليبية لزيادة الإنتاج، وعلى الرغم من ذلك ما زالت الأجواء الإيجابية تسيطر على السوق بفعل قرب تطبيق اتفاق خفض الإنتاج مطلع العام الجديد وسط مؤشرات جيدة عن التزام واسع من قبل المنتجين بتطبيق خفض الإنتاج.
وتماسكت أسعار النفط بفعل تراجع الدولار، الذي يرتبط بعلاقة عكسية مع أسعار النفط، ومن المتوقع أن تشهد السوق قفزات سعرية في بداية العام الجديد مع البدء الفعلي في السيطرة على تخمة المعروض من خلال تقييد الإنتاج وفق اتفاق فيينا، الذي تشارك فيه 22 دولة منتجة للنفط الخام نصفها أعضاء في منظمة "أوبك"، وتبلغ قيمة الخفض 1.8 مليون برميل يوميا منها 1.2 مليون برميل حصة دول "أوبك" مجتمعة.
وقلل مختصون من احتمال انتعاش النفط الصخري الأمريكي بعد نمو الأسعار، على الرغم من تزايد الحفارات بشكل سريع، مؤكدين أن إنتاج النفط الصخري ما زال عالي التكلفة، ويحتاج إلى مستويات سعرية مرتفعة للنفط الخام، علاوة على أن معدل نضوب الحقول يصل إلى 70 في المائة سنويا، مقارنة بـ 9 في المائة سنويا في الحقول التقليدية، مشددين على أن الولايات المتحدة ستبقى مستوردا رئيسا للنفط الخام وستزداد حجم وارداتها من النفط الخام في السنوات المقبلة، وتبلغ حاليا سبعة ملايين برميل يوميا.
من جانبه، أوضح لـ "الاقتصادية"، أرورو تاكاهاشي مدير شركة طوكيو للغاز في فرنسا، أن اتفاق خفض الإنتاج خطوة مهمة وكانت مطلوبة منذ بدء انهيار الأسعار في منتصف عام 2014 وسيكون لها نتائج إيجابية، فيما يخص الأسعار في العام الجديد، ولكن يجب أن ندرك أن المنتجين قبل إبرام الاتفاق كانوا ينتجون بأقصى طاقاتهم خاصة روسيا ودول "أوبك"، وبالتالي فإن خفض الإنتاج وحده ليس كفيلا بتوازن السوق.
وأشار تاكاهاشي إلى أن الأهم من خفض الإنتاج هو إيجاد حلول عاجلة للتباطؤ الاقتصادي الواسع الذي حدث في الاقتصادات الكبرى خلال العام الجاري 2016، خاصة في الصين التي تمثل العنصر الرئيس والأبرز في منظومة الطلب العالمي، منوها إلى أن حجم الاقتصاد الصيني حاليا هو 1.50 تريليون دولار وهو يمثل ثلاثة أضعاف عما كان عليه في عام 2007 ورغم ذلك تشهد الصين الكثير من التباطؤ، ولكنها ستبقى المستورد والمستهلك الأول للنفط الخام في العالم إلى جانب بعض الاقتصادات الصاعدة الرئيسة مثل الهند وباكستان.
من جانبه، قال لـ "الاقتصادية"، روبين نوبل مدير شركة "أوكسيرا" للاستشارات المالية، إن البنك الدولي قدر خسائر الدول المنتجة للنفط بـ 390 مليار دولار خلال عامين بسبب تراجع الأسعار، مشيرا إلى أن دستور "أوبك" يؤكد ضرورة حماية مصالح المنتجين والمستهلكين على السواء والإبقاء على السوق متوازنة بما يمكن من زيادة القدرات التنقيبية والإنتاجية، ومن هذا المنطق جاء اتفاق فيينا ليوقف نزيف الأسعار وخسائر الاستثمارات ويفعل العمل المشترك انطلاقا من المسؤولية المشتركة للمنتجين.
ونوه نوبل إلى أن كبار المنتجين يتجهون حاليا إلى تقليص صادرات النفط الخام وزيادة النفط المكرر وإنتاج البتروكيماويات، وهي السياسة التي تتبعها روسيا حاليا بنجاح لتعظيم الموارد والتغلب على صعوبات تراجع الأسعار، وهو الأمر الذي يجب أن تركز عليه دول "أوبك" في المرحلة المقبلة مع تقليص الدعم الموجه للوقود الذي يكلف ميزانيات تلك الدول أعباء كبيرة.
من ناحيته، يؤكد لـ "الاقتصادية"، رالف فالتمان المحلل بشركة "إكسبرو" للخدمات النفطية، أن التقارب السعودي الروسي سهل كثيرا من الإسراع في التوافق على خطة خفض الإنتاج، معتبرا أن الدوليتن وحدهما ينتجان 21 مليون برميل يوميا من أصل 95 مليون برميل يوميا هو حجم المعروض النفطي العالمي بنسبة نحو 23 في المائة، معتبرا أن المنافسة على الحصص السوقية بين الدولتين، خاصة في الأسواق الآسيوية ستتقلص كثيرا بعد التفاهمات الجديدة المشتركة.
من جهة أخرى، وعلى صعيد الأسعار، تراجعت أسعار النفط في معاملات آسيوية ضعيفة أمس متأثرة بزيادة غير متوقعة في مخزونات الخام الأمريكية في الأسبوع الماضي وتحركات من جانب ليبيا لزيادة الإنتاج خلال الشهور القليلة المقبلة.
لكن تراجع الأسعار كان محدودا بفعل ضعف الدولار والتفاؤل بأن منتجي الخام سيلتزمون باتفاق تقييد الإنتاج لإنعاش الأسواق.
وبحسب "رويترز"، فقد نزل خام القياس العالمي مزيج برنت أربعة سنتات إلى 54.42 دولار للبرميل بعدما أنهى الجلسة السابقة على انخفاض قدره 89 سنتا، وصعدت الأسعار إلى 54.69 دولار للبرميل في وقت سابق من جلسة الأمس.
وانخفض خام غرب تكساس الوسيط خمسة سنتات إلى 52.44 دولار للبرميل بعد انخفاضه 81 سنتا عند الإغلاق في الجلسة السابقة، وكان الخام الأمريكي قد صعد إلى 52.71 دولار للبرميل في التعاملات المبكرة.
وانخفض مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من ست عملات رئيسة مع جني المستثمرين الأرباح بعد صعوده لأعلى مستوى في 14 عاما إلى 103.65 في وقت سابق من الأسبوع.
وقالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن المخزونات حققت زيادة غير متوقعة في الأسبوع الماضي، حيث قفزت بمقدار 2.3 مليون برميل مقابل توقعات بانخفاضها 2.5 مليون برميل.
وأفادت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا بأنها تأمل في إضافة 270 ألف برميل يوميا إلى إنتاج البلاد، بعدما أكدت الثلاثاء إعادة افتتاح خطوط الأنابيب الواصلة إلى حقلي الشرارة والفيل، مشيرة إلى أن إنتاج حقل الشرارة بلغ 58 ألف برميل يوميا أمس الأول.