أكدت وكالة بلاتس الدولية للمعلومات النفطية، أن استمرار حالة القلق في سوق النفط في ضوء عدم اليقين وتصاعد تأثير العوامل الجيوسياسية، تسبب في انخفاض العقود الآجلة للنفط الخام إلى أدنى مستوياتها في 17 شهرا يوم الإثنين قبل الماضي، وسط مخاوف من حدوث عمليات بيع واسعة نتيجة التراجع الحاد في أسواق الأسهم.
وقالت الوكالة "إن هذا التراجع يأتي على الرغم من تأكيد وزراء "أوبك" أنهم ملتزمون بخفض الإنتاج الذي سيبدأ في كانون الثاني (يناير) المقبل".
وأشار تقرير حديث للوكالة إلى أن الانخفاض المستمر في أسعار النفط خلال الأسابيع القليلة الماضية قد يتسبب في إثارة قلق عديد من وزراء "أوبك"، حيث أكد البعض مجددا أن تخفيضات إنتاج المجموعة قد تمتد إلى ما بعد حزيران (يونيو) من العام المقبل إذا لزم الأمر.
ونقل التقرير عن سهيل المزروعي وزير الطاقة الإماراتي قوله "إنه إذا لم تنجح خطة منظمة "أوبك" والدول المنتجة من خارج "أوبك" في سحب 1.2 مليون برميل يوميا من السوق فسيكون هناك دائما خيار يدعو إلى عقد اجتماع استثنائي للمنتجين"، مشيرا إلى أنه إذا تم التوافق على تمديد فترة الخفض فلن تكون هناك مشكلة في ذلك.
كما سلط التقرير الضوء على تأكيد محللين على التعليقات المتكررة من أعضاء "أوبك" بأنهم جادون بشأن خفض العرض وأنه يمكنهم التفكير في إجراء تخفيضات إضافية إذا لم يتحسن توازن السوق، معتبرين الأمر قد يطمئن السوق بشأن إنهاء الدورة الهبوطية الحالية.
وأشار التقرير إلى دور التخفيضات الإنتاجية المفاجئة في علاج تخمة المعروض في الأسواق، لافتا إلى أن إنتاج النفط الخام الليبي انخفض أخيرا، بمقدار 400 ألف برميل يوميا نظرا لأن أكبر حقل في البلاد شرارة لا يزال مغلقا.
ولفت التقرير إلى إيجابية بيانات الصين النفطية الأخيرة التي كشفت عن ارتفاع بنسبة 6 في المائة في وارداتها النفطية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي الذي يعد ارتفاعا كبيرا في واردات النفط الخام وهو ما يدعم بدوره توقعات نمو الطلب بشكل عام، حيث ارتفعت واردات الصين من النفط الخام بنسبة 17.7 في المائة على أساس سنوي بفضل ارتفاع عمليات الشراء.
وذكر التقرير أن الأسواق المالية الأمريكية لا تزال تعاني الخسائر الكبيرة التي شوهدت في مؤشر ستاندرد آند بورز في الأسبوع الماضي، إذ توجد جهود لطمأنة المستثمرين وحثهم على التزام الهدوء وسط موجة انخفاض كبيرة في أسعار الأسهم الأمريكية على مدى الأسبوع الماضي.
وقال التقرير "إن الإنتاج الليبي يعاني الهشاشة على خلفية عدم الاستقرار السياسي وتفاقم الوضع الأمني"، موضحا أن متوسط الإنتاج سيصل إلى ما يزيد قليلا على مليون برميل يوميا في العام المقبل، إلا أنه من غير المرجح أن ينخفض خطر الصراع المدني في أي وقت قريب، حيث تقع حقول شرارة والفيل النفطية عرضة بشكل خاص لانقطاع الإمدادات بسبب نقص الوقود المزمن والمشكلات الأمنية.
ونقل التقرير عن فرناندو فيريرا المحلل البارز في مجموعة رابيدان للطاقة أن هناك محاولات لحث شركات النفط الدولية على زيادة استثماراتها في قطاع النفط الليبي، مرجحا أن يكون هناك اهتمام متزايد بالمشاريع الليبية في عام 2019.
وفي هذا الإطار، قال لـ "الاقتصادية" جون هال مدير شركة ألفا إنرجي الدولية للطاقة، "إن العام الجاري شهد تطورات حادة في أسعار النفط الخام صعودا وهبوطا، حيث ارتفعت من منتصف الـ 60 دولارا لسعر البرميل في أوائل العام إلى منتصف الـ 80 دولارا في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ثم عادت الأسعار إلى الهبوط المتوالي لتسجل مستوى 50 دولارا قبل حلول إجازة نهاية العام".
وأشار إلى أن المخاطر الجيوسياسية حركت أسعار النفط الخام بشكل كبير على مدار العام كما تأثرت السوق بارتفاع مستوى المخزونات النفطية التي أدت إلى حدوث موجة هبوطية واسعة، حيث كانت تفاعلات العرض والطلب أقل تأثيرا في الأسعار على مدار العام قبل أن تتجدد تخمة المعروض بفعل الإنتاج الأمريكي في الشهور الأخيرة من العام.
من جانبه، أكد لـ "الاقتصادية" مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف "النمساوية للطاقة، أن الأسواق يتم تزويدها بشكل جيد، إذ لم تحدث أي فجوات بين العرض والطلب وهو ما دفع المنتجين في "أوبك" وخارجها إلى تشديد المعروض عبر خفض الإنتاج لتعزيز نمو الأسعار، لافتا إلى أهمية استمرار التنسيق بين المنتجين والمستهلكين لبقاء الأسعار في مستويات ملائمة للجانبين وبما يعزز نشاط الاستثمار.
وأشار إلى أن الأسعار شهدت بعض التماسك في الأيام القليلة الماضية قبل بدء العطلة ويعود ذلك في الأساس إلى مخاوف المضاربين من احتمال تعثر الطلب في العام الجديد، مبينا أن كثيرا من الدول المنتجة تنفذ إصلاحات اقتصادية جيدة وتعمل على تنويع موارد الطاقة ولذا تقود السعودية وروسيا السوق نحو استعادة التوازن وصعود الأسعار إلى مستويات ملائمة بما يعزز القدرات المالية وموازنات الدول المنتجة.
من ناحيته، قال لـ "الاقتصادية" الدكتور يوسف الشمري مدير شركة يونيفرسال كلين لتحليلات الطاقة، "إن "أوبك" تبذل جهودا متميزة وتقود منظومة العمل الجماعي للمنتجين بالتعاون مع المنتجين المستقلين لضمان النمو المستدام في السوق ومنع حدوث خلل بين العرض والطلب وهو ما قد يقود تعافي السوق ومنع حدوث ارتفاعات أو انخفاضات حادة ليست في مصلحة أي من أطراف الصناعة".
وذكر أن الشراكة السعودية - الروسية ستتطور ويتعاظم تأثيرها في السوق خاصة خلال العام الجديد 2019، حيث سيتم تدشين شراكة استراتيجية تقوم على التكامل والتعاون بما يدعم الصناعة ويكفل علاج أزمات السوق خاصة الطارئة منها وتعويض الانخفاضات الحادة في بعض دول الإنتاج التي تعاني غياب الاستقرار السياسي.
وفيما يخص الأسعار، أدى توقف الأسواق بسبب عطلة نهاية العام خاصة في أوروبا وأمريكا إلى حجب الأسعار التي سبقتها تعاملات هادئة قبل بدء أطول إجازة سنوية للأسواق على مدار العام.