03/03/2014
200 مليار استرليني عوائد إصلاح صناعتها
قطاع النفط والغاز البريطاني أمام أصعب تحد منذ 50 عاما
عديد من العاملين مقتنعون بأن صناعة النفط والغاز البريطانية يمكنها تحقيق نتائج باهرة إذا أعيد تنظيمها. "رويترز"
تواجه صناعة النفط والغاز البريطانية وضعاً صعباً للغاية. فهي تقف الآن أمام أكبر تحد لها خلال الخمسين عاما الماضية.
التحدي يكمن في المستويات المنخفضة من الاكتشافات الجديدة لآبار النفط أو الغاز، في الوقت الذي بلغت فيه الاستثمارات البريطانية في هذا المجال مستويات غير مسبوقة. فخلال العام الماضي بلغت القيمة الإجمالية للاستثمار في هذا القطاع 14.4 مليار جنيه استرليني، ورغم توقع تراجع طفيف هذا العام إلى 13 مليار استرليني، وتركز الاستثمارات في أربعة حقول كبرى، فإن صناعة الغاز والنفط في بريطانيا لم تفلح سوى في حفر 15 بئراً فقط عام 2013، مقابل 44 بئرا قبل ست سنوات.
ويترافق هذا التراجع في عدد الآبار التي يتم حفرها مع زيادة سريعة في تكلفة الإنتاج التي زادت العام الماضي بنحو 15 في المائة. كما بلغ ارتفاع متوسط تكلفة استخراج البرميل النفطي 27 في المائة في العام، لتصل إلى 17 جنيها استرلينيا للبرميل.
وخلال الـ12 شهراً الماضية تضاعف عدد الآبار النفطية التي تتجاوز فيها تكلفة إنتاج البرميل 30 جنيها استرلينيا، وبطبيعة الحال فإن ارتفاع التكلفة انعكس على موقف الشركات من التنقيب عن النفط والغاز في المملكة المتحدة، إذ قررت شركة Centrica البريطانية أن تركز استثماراتها المستقبلية في النرويج وأمريكا الشمالية بدلاً من المملكة المتحدة. وتخشى لندن من الانعكاسات السلبية على خزينة الدولة جراء هذا الارتفاع في التكلفة، إذ يتوقع أن تتراجع المدفوعات الضريبية للإنتاج من 6.5 مليار جنيه استرليني لعام 2013-2012 إلى خمسة مليارات جنيه استرليني في العام المالي الجاري.
رغم هذه التحديات فإن العديد من العاملين في تلك الصناعة لا يزالون عند يقينهم بأن صناعة النفط والغاز البريطانية يمكنها أن تحقق نتائج باهرة إذا أعيد تنظيمها. ولـ"الاقتصادية" يعلق الدكتور أوليفر بيرن الخبير النفطي وعضو مجلس صناعة النفط والغاز قائلاً: "ضخامة التحديات التي نواجهها تتناسب مع حجم المكاسب والأرباح التي يمكن أن نحققها من هذه الصناعة، فالتقرير الذي وضعه السير أيان وود بطلب من الحكومة البريطانية حول آفاق صناعة النفط والغاز، أشار بشكل علمي إلى إمكانية أن تضيف 200 مليار جنيه استرليني للاقتصاد الوطني خلال الـ20 عاماً القادمة، وأن تمد بريطانيا بما يراوح بين ثلاثة إلى أربعة مليار برميل خلال هذه المدة شريطة أن يتم إعادة تنظيم هذه الصناعة" ويضيف: "الحكومة البريطانية ملتزمة بدعمها فحالياً يعمل بها 450 ألف شخص، وتحسين مستوى الأداء وزيادة كفاءة العاملين يمكن أن يؤدي إلى زيادة النفط والغاز لدينا بما يوازي ثلث الإنتاج الراهن" ويؤكد: "ليس أمام بريطانيا غير العمل في هذا الاتجاه فزيادة الإنتاج المحلي من النفط والغاز قضية مرتبطة بالأمن القومي لبريطانيا".
وجهة النظر المتفائلة تلك تصطدم بأخرى تعتقد أن المستقبل يحمل أنباء سيئة لصناعة النفط البريطانية. الخبيرة النفطية السابقة في شركة شل مونيكا كاديت تعتقد أن هناك شكوكا حول قدرة صناعة النفط والغاز في بريطانيا على البقاء.. لـ"الاقتصادية" تعلق قائلة: "أغلب النفط والغاز البريطاني يأتي حالياً من بحر الشمال، وإذا انفصلت اسكوتلندا فإنه سيكون من الصعب القول إن هناك صناعة نفط بريطانية، ولندن تدرك ذلك تماما، وإذا كانت لندن تعول على النفط والغاز الصخريين فهذا محل جدل وكثير من الشكوك تحيط به وبقدرته على تلبية الاحتياجات البريطانية من الطاقة" وتضيف: "النزاع بين اسكوتلندا والحكومة البريطانية حول مستقبل نفط الشمال واضح وصريح. رئيس وزراء اسكوتلندا ألكس سالموند يروج للنموذج النرويجي للتعامل مع نفط بحر الشمال، بينما يرفض رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ذلك، فسالموند يسعى لادخار مليار جنيه استرليني سنوياً من عائدات النفط في صندوق سيادي للمستقبل على غرار النرويج، وهو ما سيمكنها من توفير مبلغ 30 مليار استرليني للمستقبل، وسواء استقلت اسكوتلندا أم لا فإن التقديرات تشير إلى أن نفط بحر الشمال سيبقى لنحو 30-40 عاما فقط، والحكومة الاسكتلندية تتوقع أن يعود عليها ذلك بنحو 57 مليار جنيه استرليني في شكل عائدات ضريبية بحلول عام 2018".
وكان الصراع على نفط وغاز بحر الشمال بين كاميرون وسالموند قد دفع الأول إلى عقد اجتماع رئاسة الوزراء البريطاني على الأراضي الاسكتلندية، وذلك لأول مرة منذ عام 1920 ليبعث برسالة إلى خصمه الاسكتلندي فحواها أن لندن لن تتخلى عن حقول نفط بحر الشمال بسهولة.
عدد من الدراسات عن صناعة النفط والغاز في بريطانيا تشير إلى أن الاستثمارات ربما تتراجع بنحو النصف خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهناك تراجع سريع لكميات النفط والغاز المنتج من المياه البريطانية في السنوات الماضية، وعلى الرغم من أن هذا الانخفاض تراجعت حدته العام الماضي بشكل طفيف إذ بلغت 8 في المائة ليصل إجمالي النفط المنتج نحو 1.43 مليون برميل يوميا إلا أن الاتجاه العام هو الانخفاض.
في ظل هذه الصورة المستقبلية التي يعلوها كثير من السوداوية، فإن الحكومة البريطانية طلبت من السير أيان وود وهو رجل أعمال بارز في مجال النفط إعداد تقرير يوضح الاستراتيجية الواجب اتباعها لإنقاذ تلك الصناعة الحيوية.
فنحو 70 في المائة من احتياجات الطاقة البريطانية ستلبى من قطاعي النفط والغاز على الأقل حتى عام 2040، عندما يبدأ اعتماد بريطانيا على مصادر الطاقة البديلة في التزايد. كما أن الصناعة تعد الأكبر في مجال الاستثمار في المملكة المتحدة، وتلبي حتى الآن نحو نصف احتياجات بريطانيا من الطاقة، وتضخ 50 مليار جنيه استرليني في ميزان المدفوعات سنويا، وعبر سلسلة من الموردين المحللين تضم 1100 شركة فإنها تحقق عوائد مالية بلغت 27 مليار استرليني عام 2011.
ويعلق أدوارد بايكر أستاذ مادة اقتصاديات النفط في مدرسة لندن للاقتصاد قائلاً: "الأهمية الراهنة والمستقبلية للنفط والغاز في الاقتصاد البريطاني والتحديات التي يواجهها هذا القطاع دفعت بلندن إلى تشكيل مجلس صناعة النفط والغاز بهدف التنسيق بين السياسات الحكومية من جانب وقدرات صناعة النفط والغاز من جانب آخر، ولكن هذه الخطوة لا تكفي فنهوض صناعة النفط يتطلب إجراءات محددة تعمل على تشجيع الاستثمارات المحلية والدولية، وإذا كان النزاع المحتمل بين لندن وادنبرا على نفط وغاز بحر الشمال قد يعيق الاستثمار والتوسع في الإنتاج فعلى لندن أن تتوسع في مجال النفط والغاز الصخري فهذا يفتح نافذة من الأمل إذا فقدت لندن نفوذها على نفط بحر الشمال".