18/04/2009
السياسات المالية التوسعية تقود للتعافي.. والنقدية تقلص فترة الركودصندوق النقد يحذر من انكماش طويل الأمد ونهوض بطيء للاقتصاد العالمي
توقع صندوق النقد الدولي أن تستمر الأزمة الاقتصادية الحالية مدة أطول وأن تكون أكثر شدة من سابقاتها وأن يلي ذلك انتعاش بطيء خلافا لعدد كبير من خبراء الاقتصاد الذين يأملون نهوضا قويا بعد الانكماش الحاد في الاقتصاد العالمي.
وتأتي استنتاجات صندوق النقد العالمي من مقارنة تاريخية مع أكثر من 120 أزمة أخرى وقعت في العالم منذ الستينيات. والنتيجة الرئيسية لهذه الدراسة الواردة في تقرير الصندوق حول "الأفاق الاقتصادية العالمية"، تتلخص في أن "مصادفة حصول أزمة مالية وانكماش عالمي في الوقت نفسه سيؤدي على الأرجح إلى تراجع في الإنتاج خطير وطويل الأمد بصورة غير اعتيادية".
وقال الخبير الاقتصادي ماركو تيرونس أحد المشاركين في الدراسة "إنه حدث نادر جدا" يجب أن يحث على توخي الحذر في التوقعات. وفي الولايات المتحدة كما كتب صندوق النقد الدولي "توجد أدلة على حلقة سلبية بين أسعار الأصول والتسليف والاستثمار (...) وتعتبر عادية أثناء فترات انكماش خطيرة مصحوبة بأزمات مالية".
وفي بقية أنحاء العالم "تتزامن فترات الانكماش بقوة أيضا ما يؤدي إلى مزيد من الصعوبات حيال آفاق تسجيل نهوض طبيعي". ولا يجازف معدو هذه المقارنات في تحديد أي موعد لبدء النهوض الاقتصادي.
لكن تيرونس يرى "إنه أثناء فترة انكماش ناجمة من أزمة مالية ومصحوبة بأزمة متزامنة عالميا، فإن المقارنات التاريخية تدل أنه يتعين قرابة ثلاثة أعوام ونصف العام للعودة إلى مستوى الإنتاج السابق".
ومع انكماش بدأ في كانون الأول (ديسمبر) 2007 في الولايات المتحدة، وفي أوقات مختلفة من العام 2008 في بقية أنحاء العالم، تحمل إعادة إنتاج هذه الصورة صعوبات دائمة للاقتصاد العالمي.
وسينشر صندوق النقد الدولي في 22 نيسان (أبريل) توقعاته المفصلة للاقتصاد العالمي والدول الكبرى. وفي آذار (مارس)، توقع نسبة تقلص تراوح بين 0.5 في المائة و1 في المائة لهذه السنة في إجمالي الناتج الداخلي العالمي، ونسبة تراوح بين 3 في المائة و3.5 في المائة في إجمالي الناتج الداخلي للدول المتقدمة. واعتبر الخبير الاقتصادي ستيفان دانينغر "أن النهوض العالمي لن يحصل دون تحسن الاقتصاديات المتقدمة". ولا تزال المؤسسة المتعددة الأطراف قلقة بشأن وضع الدول الناشئة.
ويرى الصندوق "أن تراجع تدفق الرساميل الموجهة إلى الدول الناشئة قد يدوم" إلى ما بعد الأزمة الحالية "بالنظر إلى مشاكل الملاءة التي تواجهها البنوك في الدول المتقدمة التي تقدم لها تمويلات ضخمة".
والخطر مرتفع للغاية بالنسبة إلى أوروبا الشرقية حيث تثير مشاكل بنوك أوروبا الغربية التي تسيطر على المشهد المصرفي المحلي، تهديدات خطيرة على القطاع المالي والاقتصاد.
وأبدى صندوق النقد الدولي قلقه حيال الوضع بالقول "إن الدول الناشئة في أوروبا وبالنظر إلى قوة تعرضها، قد تواجه انهيار ثقة بشكل كبير".
وأطلق صندوق النقد الدولي "مؤشر التوترات المالية في الدول الناشئة"، وأعاده إلى 1996. وقد بلغ هذا المؤشر أوجه في الفصل الرابع من العام 2008 قبل أن يتراجع بشكل طفيف في الفصل الأول من 2009. وانتقل هكذا "من مستوى توترات شديدة إلى مستوى أكثر ارتفاعا"، بحسب دانينغر.
وشدد الخبير الاقتصادي في صندوق النقد الدولي أوليفيه بلانشار على "أن الأمر سيتطلب وقتا قبل أن تعود المصارف الغربية في الأسواق الناشئة إلى المستوى الذي كانت عليه قبل هذه الأزمة".
ويؤكد صندوق النقد أن طابع الحدة يغلب على الركود الذي يصاحب الأزمة العالمية الحالية، وعادة ما يكون التعافي في هذه الحالة بطيئا، وحين تتزامن حالات الركود على مستوى العالم، يلاحظ أنها تستمر في الغالب لفترة أطول وتنتهي بتعافي أكثر ضعفا. لكن الصندوق لا يستبعد أن تفيد السياسات المضادة للاتجاهات الدورية في وضع نهاية للركود ودعم التعافي منه، وفي هذا السياق تبدو سياسات المالية العامة التوسعية بالغة الفعالية بوجه خاص. أما السياسات النقدية فيمكن أن تؤدي إلى تقصير المدة التي يستغرقها الركود لكن فعاليتها دون المستوى المعتاد. لكن الصندوق يؤكد أن التعامل مع الركود العالمي الراهن يتطلب تنسيق السياسات النقدية والضريبية والمالية، فمن الضروري اتخاذ تدابير قوية وحازمة على مستوى السياسة النقدية والسياسة المالية العامة لدعم الطلب الكلي على المدى القصير. وحتى مع اتخاذ هذه التدابير تشير أهم الدروس المستخلصة من حالات الأزمة المالية الحالية إلى أن استعادة الثقة في القطاع المالي تحوز أهمية قصوى لترسيخ التعافي الاقتصادي.
ويقول الصندوق في تقريره إن مدة انخفاض التدفقات الرأسمالية الداخلة إلى الاقتصادات الناشئة قد تطول عقب الأزمة نظرا لمشكلات الملاءة في بنوك الاقتصادات الصاعدة التي تتيح قدرا كبيرا من التمويل لهذه الاقتصادات. وهنا يوصي الصندوق بأن تعمل الاقتصادات المتقدمة والصاعدة على تنسيق ردود الأفعال الصادرة عنها، حيث لا يكفي الحد من مكامن الضعف في كل بلد منفردا لتحصين الاقتصادات الصاعدة من الصدمات المالية الكبيرة التي تصيب الاقتصادات المتقدمة.