03/12/2011
الإنفاق يفوق 700 مليار .. والأولوية لتطوير الموارد البشرية توقعات بتجاوز عائدات السعودية سقف التريليون ريال
لقطة علوية لمصفاة رأس تنورة. ويشكل النفط ركيزة أساسية في إيرادات السعودية وهو الذي يحدد حجم الإنفاق الحكومي.
توقع مختصان في المالية والاقتصاد أن تكون ميزانية المملكة للعام المقبل قياسية على مستوى الإيرادات والإنفاق، وألمحا إلى أن إيرادات الدولة تتجاوز تريليون ريال، كما سيتجاوز الإنفاق 700 مليار ريال، وتوقعوا زيادة في مخصصات جميع القطاعات واستمرار أوجه الصرف في القطاعات التنموية حسب الأولويات المعتادة للدولة.
وأشار المختص إلى أن قطاعات التعليم، الصحة، والبنية التحتية ستحتل الصدارة في نسب الإنفاق، وأوضحا أن سياسة المملكة الاقتصادية المتحفظة أدت إلى تجنب تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية ومكنت المملكة من تحقيق نمو اقتصادي مستمر، مبينين أن النمو الاقتصادي المتسارع في المملكة وتحقيق فوائض ضخمة سيزيد من معدلات التضخم في ظل غياب سياسات مالية ونقدية قادرة على كبح جماحه، ودعوا إلى سن تشريعات تكافح الاحتكار وتمكن شريحة أكبر من المواطنين من المساهمة في النهضة التنموية، كما أكدوا أن تبعات النمو الاقتصادي المتسارع ستثقل كاهل المواطن حاليا، لكن العوائد المستقبلية ستكون ضخمة بكل المقاييس.
ارتفاع الإيرادات
وتوقع الدكتور خالد البنعلي رئيس قسم المالية والاقتصاد بجامعة الملك فهد أن إيرادات الدولة ستتجاوز تريليون ريال، كما سيتجاوز الإنفاق 700 مليار ريال، مشيرا إلى أن القطاعات التي تهتم بتطوير الإنسان السعودي ستحظى بالأولوية في الإنفاق.
وقال إن التعليم بكافة مراحله سيتربع على الصدارة في نسبة الإنفاق نتيجة الاهتمام الكبير من خادم الحرمين الشريفين ونتيجة أن معظم مشاريع هذا القطاع ما زالت قيد الإنشاء، كما سيكون هناك عناية خاصة بالتعليم المهني بالذات، وأضاف أن القطاع الصحي سيحافظ على مكانته في ترتيب نسب الإنفاق، ثم تأتي مشاريع تطوير البنية التحتية للبلاد ومن أهمها قطاع النقل والاتصالات وتحسين المرافق وتطوير القطاع الصناعي. وتوقع البنعلي زيادة دعم صناديق التنمية الصناعية والعقارية، مشيراً إلى سعي الدولة لتوفير مساكن للمواطنين، وقال إنه سيكون هناك زيادة في مخصصات جميع القطاعات تتفاوت نسبها وفقا للأولويات التي تحددها الحكومة.
وأضاف البنعلي أن الزيادة الكبيرة في العائدات سببها استمرار زيادة ارتفاع أسعار النفط، إضافة إلى وجود عجز في إنتاج البترول في بعض المناطق بسبب الأزمات السياسية كما حدث في ليبيا، وبسبب الحوادث كما حدث في حقل النفط في الولايات المتحدة، وقد كانت المملكة أكثر الدول قدرة على سد العجز، ما أدى إلى ارتفاع الصادرات النفطية السعودية.
وأوضح أن استمرار ارتفاع الإنفاق سببه أن معظم المشاريع ما زالت في طور البناء وعند الانتهاء منها سيقل الإنفاق وسيوجه للتشغيل والصيانة، وأضاف أن ميزانية المنشآت تقسم على عدة سنوات وتوزع وفقا للخطط المرحلية للمشروع، ولفت إلى أن البنية التحتية أمامها الكثير لتصل إلى الشكل المأمول، وأن هناك سباقا مع الزمن لإنهاء المشاريع.
وأضاف أن أولويات الصرف تتم بناء على استراتيجية سليمة، وما زالت الأولويات على وضعها بحيث يبقى الاستثمار في تطوير الموارد البشرية أهم أولويات الدولة، مؤكداً أن ذلك توجه سليم لأن العائد من الاستثمار في المواطن أفضل العائدات.
ولفت إلى أن التحدي الذي يواجه المملكة هو تنويع مصادرها وتخفيف اعتمادها على قطاع النفط لأن ارتفاعاته موسمية، مبيناً أن خطط التنمية تستهدف تنويع مصادر الدخل وبناء صناعات تكميلية لإيجاد قيمة مضافة للصناعات البترولية مثل التوسع في الصناعات التكريرية والبتروكيماوية، إضافة إلى إيجاد مصادر دخل مختلفة وتشجيع الصناعات وإقامة مناطق صناعية، وزيادة دعم صندوق التنمية الصناعي.
وأكد أن أهم الاستراتيجيات لتشجيع القطاع الصناعي تتمثل في القضاء على البيروقراطية وتسهيل الإجراءات لإقامة المنشآت الصناعية وتوفير تسهيلات للاستثمار المحلي لا تقل عما يقدم للمستثمر الأجنبي، وتوفير العمالة المدربة سواء كانت محلية أو أجنبية، وأضاف أن الصناعة المحلية تحتاج إلى توجيه إلى قطاعات معينة تستطيع المنافسة وتدريب الشباب السعودي لتشغيل هذه الصناعة، مشيرا إلى أن الخطر الأكبر على الصناعة السعودية هو المنتجات الصينية التي تسببت في إقفال كثير من المصانع الصغيرة بسبب عدم قدرتها على المنافسة.
وحول المعدلات المتوقعة للتضخم علق البنعلي بأن هناك تضخما خارجا عن سيطرة المملكة وهو مرتبط بأسعار الدولار، والإجراء الذي يمكن اللجوء إليه أن تقوم وزارة التجارة بدور أكبر لمنع الاحتكار لكبح ارتفاع الأسعار. وقال إن ارتباط الريال بالدولار لا يمكن المملكة من استخدام أسعار الفائدة للتحكم في التضخم، وهناك تخفيض لأسعار الفائدة العالمية، إضافة إلى أن رفع الفائدة لن يكون له تأثير كبير لأن التضخم قادم من الخارج. وأضاف أن السياسة المالية للمملكة تقضي بحرية حركة الأموال والمناخ الاستثماري في المملكة مشجع للاستثمار الأجنبي وقادر على استيعاب الاستثمارات.
وأوضح أن الأزمة الأوروبية تبعث على القلق من ركود اقتصادي مستقبلي، وهناك انخفاض طفيف في الآونة الأخيرة في أسعار الذهب والنفط نتيجة التخوف من الانكماش الاقتصادي العالمي، كما خفضت شركة ''ستاندر آند بورز'' التصنيف الائتماني لعدد من البنوك الأمريكية مثل ''سيتي بانك'' و''مورغان ستانلي'' و''أميركا بانك''، وقال إن العالم لم يخرج من الأزمة العالمية بعد، ولكن ما يبعث على الاطمئنان أن القطاع المصرفي السعودي متماسك بسبب فصل الشركات الاستثمارية عن البنوك، لأن من أهم أسباب الأزمة العالمية كان الخلط ما بين البنوك الاستثمارية والبنوك الاعتيادية.
تنويع مصادر الدخل
من جانبه، قال الدكتور أشرف عيد أستاذ المالية والاقتصاد بجامعة الملك فهد إن القطاعات الخدمية ستستأثر بنصيب الأسد من ميزانية الحكومة، ويشكل قطاع التعليم والصحة ومشاريع البني الأساسية إضافة إلى الدفاع أكبر قنوات الإنفاق الحكومي في المملكة، وأشار إلى أن المملكة ستنفق أكثر لدعم التصنيع وتنويع مصادر الدخل عن طريق إنشاء بنية صناعية مناسبة.
وأشار إلى إن مشاريع البنية التحتية تخدم بشكل مباشر جميع القطاعات الأخرى، فالصناعة المتطورة مثلا تحتاج إلى موانئ كبيرة ومطارات متطورة وأنظمة اتصالات متطورة، كما أن شبكات النقل من أهم محددات النمو الاقتصادي وسيكون لربط المملكة بسكك حديدية آثار تنموية ضخمة جدا، كما يساعد بناء منظومة تقنية متطورة تستطيع نقل وتخزين المعلومات بكفاءة عالية على تطوير الاقتصاد المعرفي.
وقال أشرف عيد إن المشاريع التنموية تهدف جميعها إلى تحقيق نمو اقتصادي يضع في الاعتبار رفاهية الأجيال القادمة، وأوضح أن خطط التنمية المستدامة في كل دول العالم تكون طويلة الأمد وتستهدف المستقبل البعيد.
وأوضح أن التوسع في دفع عجلة التنمية بطموح مبالغ فيه يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، موضحاً أن العلاقة دائما تكون طردية بين معدلات النمو العالية ومعدلات ارتفاع الأسعار أو التضخم، وقال إن على الحكومة إدراك السلبيات المتزامنة مع التنمية وتخفيف آثارها.
ولفت إلى أن من أهم سلبيات النمو الاقتصادي المتسارع أن آثاره السلبية تسبق عوائده الإيجابية، والجزء الأكبر من المواطنين يشعرون بالأثر السلبي بشكل آني وسريع، لذلك فإن أي نمو اقتصادي متسارع يرافقه كثير من التذمر، ويجب إقناع المواطن وتثقيفه بأنه سيكون هناك بعض التضحيات، فأسعار السلع تزداد، ونمو القطاعات لا يحدث بالتزامن، فقد تصل آثار النمو إلى قطاع قبل الآخر.
وشدد على وجوب الموازنة بين ارتفاع الأسعار المتوقع سنويا نظرا لعمليات الإنفاق الطموحة في المشاريع الضخمة التي تنفذها الحكومة في كافة القطاعات، وبين الإنفاق وخصوصاً لكون المملكة لا تملك سياسة نقدية فاعلة لأن الريال مرتبط بالدولار، وذلك حدّ من استخدام بعض الأدوات التي يمكنها السيطرة على التضخم.
مكافحة التضخم
وقال إن مشكلة التضخم هي المشكلة الرئيسة وأدواتنا لمكافحة التضخم ضعيفة فمثلا لا يمكن للمملكة استخدام سعر الفائدة كأداة لكبح التضخم لارتباط الريال بالدولار، كما أن الضرائب غير موجودة وذلك أدى إلى ضعف السياسة المالية، وأضاف أن المملكة لديها سياسة مالية توسعية في الإنفاق والمشروعات الإنتاجية والإعانات، وينتج عن ذلك ضخ أموال هائلة تتحول إلى قدرة شرائية ثم تتحول إلى طلب ضار على السلع والخدمات في ظل محدودية المعروض من السلع والخدمات.
وأكد على ضرورة ترتيب الأولويات وإدراك المشكلات المتزامنة مع النمو الاقتصادي وعلى رأسها التضخم، وقال إنه لا بد من قبول هذه المشكلة كتبعات للتنمية ولا بد للمواطن أن يتحمل سلبيات النمو الاقتصادي، وأشار إلى أن تكلفة التلوث مثلا في الصين تكلف الشعب الصيني 70 في المائة من الإيرادات، وذلك نتيجة النشاط الصناعي الهائل.
وقال إن من أدوار خبراء الاقتصاد والمسؤولين تخفيف آثار هذه التبعات على المواطن وإقناعه بأن تحمله الأثر السلبي سينتج عنه إيجابيات مستقبلية، كما أن كثيرا من ثمار النمو قد لا يشعر بها ولكن من المؤكد أن الأجيال المقبلة ستشعر بها.
واعتبر أشرف عيد وضع التعليم في قائمة أولويات الإنفاق مؤشرا على أن المملكة تسير في اتجاه سليم، كما أكد أن الأعداد الكبيرة من المبتعثين سيكونون نواة لمجتمع معرفي، كما أنهم يشكلون قاعدة للانطلاق في البحث والتطوير، وقال إن الفترة المقبلة ستشهد نقلة في نوعية الكادر السعودي، فازدياد عدد الجامعات والكليات التقنية وعودة الخريجين ستغير من نوعية عقلية العامل السعودي، وبذلك ستكون إنتاجية الفرد أعلى بكثير مما هي عليه، ولكن سيكون هناك تفاوت في مستوى جودة الكوادر، كما ستشكل عودة المبتعثين نقلة معرفية ونقلة في مستوى جودة الكادر وسيكون هناك طلب على الكادر السعودي وستتم السعودة تلقائيا وستنحصر الوظائف غير المسعودة في مستوى معين من المهن التي لا يقبل عليها السعودي.
وقال إن دعم القطاع الصناعي ليس فقط بزيادة الدعم المادي ولكن الأهم إعادة تصنيف الصناعات التي يمكن للمملكة التميز فيها، كما تبرز الحاجة إلى زيادة دعم الأبحاث في الطاقة المتجددة، وقد بنت جامعة الملك فهد أساسا قويا لهذا القطاع، وبدعم قليل يمكن للمملكة أن تكون الأولى في العالم في أبحاث الطاقة الشمسية.
وأضاف أن أهم مشكلة تواجه المملكة أن الموارد النفطية هي التي تحدد كمية الإنفاق، وعند حدوث انخفاضات كبيرة في أسعار النفط فإن ذلك سيعيق تقدم البرامج التنموية الطموحة وربما يقف كثير من المشاريع في منتصف الطريق، ومن هنا تبرز أهمية إدارة الفائض وتنميته لسد أي احتياج مستقبلي ناتج عن نقص في الموارد. وأشار إلى أن الفوائض تستثمر في أصول آمنة متوزعة في عدد من البلدان، لذلك لا توجد مخاطر على الأجيال القادمة من خسارة الفوائض.
ودعا الدكتور أشرف عيد إلى تقليص الإعانات والدعم وقصرها على الشرائح المحتاجة، لافتا إلى أن كثيرا من المواطنين من ذوي الدخل المرتفع ليسوا بحاجة إلى التعليم المجاني أو العلاج المجاني، وأكد أن الإعانة الشاملة تضعف الكفاءة الاقتصادية للدولة.
وقال إن كمية المخصصات ليست العامل الأهم في كفاءة القطاعات ويجب أن ندخل إلى كل قطاع ونحدد الحوافز التي تنميه ونحدد كيفية تخصيص الموارد داخل القطاع توزيعها بطريقة ترفع كفاءته إلى أكبر درجة ممكنة، مضيفا أن فرض السعودة مثلا وتخصيص نسبة محددة من الوظائف للسعوديين كانت فكرة جيدة، لكنها لم تنجح لأن أدوات تطبيقها ليست سليمة، وهنا تتضح مرة أخرى الحاجة إلى الأدوات المالية.
ووصف الدكتور أشرف عيد الاقتصاد السعودي بالمتحفظ وعدم المغامرة كالاقتصادات المجاورة، وقال إن البرامج التنموية السعودية طموحة لكنها غير مغامرة، مؤكداً أن التحفظ يفيد أثناء الكساد الاقتصادي ويتجنب الانتكاسات الكبرى ولكنه يفوت الفوائد الكبيرة من الانتعاش الاقتصادي، لذلك لا نتوقع قفزات كبيرة ولا انتكاسات خطيرة في اقتصادنا لأن المملكة تتبع سياسة النمو المستمر البطيء وتتطور بقدر أقل مما يمكنها عمله.
وأوضح أن الأزمات العالمية ليس لها تأثير مباشر على ميزانية المملكة إلا في أشهر قليلة انخفضت فيها أسعار النفط ويتركز تأثير الأزمة العالمية على الاستثمار الأجنبي، كما أن عدم فتح سوق المال السعودي للأجانب شكل ميزة لأن الأموال الأجنبية تهرب في حال حدوث أزمات عالمية وتفاقم المشكلة، ولكن الأثر السلبي للأزمة ينال استثمارات السعوديين في الخارج، فهناك مثلا تريليون دولار للسعوديين في أمريكا، كما أن معدلات الاستثمار الأجنبية ستتناقص ولكن حكومة المملكة قررت تعويض النقص في حجم الاستثمار وضخت أموالا في استثمارات عامة، فمثلا عند تراجع شركات نفط أو بتروكيماويات عن استثمار معين تبادر الحكومة بالاستثمار وبالتالي لا يشعر المواطن بتأثير الأزمة العالمية، وأوضح الاقتصاد المتحفظ للمملكة خفف من الآثار السلبية للأزمة العالمية، كما أن الفوائض الكبيرة تستخدم لتعويض الأثر السلبي الناتج من الانخفاض في معدلات الاستثمار الخاص مع العلم أن الحكومة السعودية نادرا ما تلجأ إلى الاحتياطيات ولديها فوائض كبيرة لم تستنزف.
وقال إن خطط التنمية في المملكة تبنى على سعر غير متفائل للنفط وتحفظ الاقتصاد السعودي يأتي من تحسبه لحصول سيناريوهات متشائمة نادرة الحدوث، وأكد أن حصول انخفاض كبير في أسعار النفط غير وارد لأنه بالرغم من وجود أزمات عالمية في أمريكا وأوروبا إلا أن هناك أربع دول تنمو بمعدلات هائلة وتشكل أسواقا كبيرة للنفط وهي البرازيل، روسيا، الهند، والصين، كما أن دول ''أوبك'' لديها القدرة على التحكم في العرض والطلب، وذلك يحمي من التقلبات الكبيرة في الأسعار.
وحول أسباب عدم تنامي أعداد مستثمرين محليين يسهمون في النهضة التنموية، أكد الدكتور أشرف عيد أن الاحتكار يعد من أهم مشكلات الاقتصاد السعودي، وهناك عوائق لدخول السوق في جميع القطاعات خصوصا المقاولات واستيراد المواد الأولية، ويوجد محتكرون في كل قطاع من القطاعات الاستثمارية، ولا توجد في المملكة تشريعات فاعلة مقاومة للاحتكار، ويحتاج الاقتصاد السعودي إلى تشجيع المنافسة وزيادة نسبة المستثمرين وإشراك عدد أكبر من المواطنين في النهضة التنموية، لرفع الجودة وخفض الأسعار، وأكد أن مكافحة الاحتكار صعبة جدا، لأن المحتكرين لديهم نفوذ قوي يؤثر في التشريعات، مشيرا إلى أن الاحتكار من أسوأ الممارسات الاقتصادية في المملكة.