08/01/2012
صندوق النقد: تعزيز دور القطاع الخاص الخليجي أحد المخارج من الأزمة العالمية
أكدت دراسة دولية حديثة أنه يجب على دول الخليج تمكين القطاع الخاص من لعب دور رئيس في النشاط الاقتصادي في دول المجلس، وذلك عبر خفض العقبات أمام النشاطات الخاصة.
أكدت دراسة أعدها صندوق النقد الدولي حول اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، أنه كان هناك تسرع في الحكم بأن الأزمة العالمية انتهت وأن مرحلة التعافي ابتدأت؛ إذ إنه رغم نجاح السلطات النقدية حول العالم باستعادة الاستقرار في الأسواق المالية، كانت الوسيلة الأساسية لتحقيق هذا الاستقرار أن تضخ السلطات الحكومية أموالا ضخمة في بنوكها وأسواقها المالية، ولكن أسهم هذا الوضع في ارتفاع حجم الدين العام لدى العديد من هذه الدول لمستويات مقلقة، ومن ثم برزت مشكلة الديون السيادية في اليونان وإيرلندا وإيطاليا والبرتغال وامتدت بعدها لتمس اليابان وأمريكا، ومنذ منتصف العام الماضي بدأت المؤشرات الاقتصادية في الدول المتقدمة، ولا سيما في الولايات المتحدة تتدهور على أكثر من صعيد.
في مقابل ذلك، عملت دول المجلس على تحصين اقتصاداتها من خلال الإصلاحات الهيكلية التي من شأنها تعزيز التنمية والنمو، والاستثمار في البنى التحتية والتعليم وتأهيل القوى العاملة في المجالات المعرفية، مع الحفاظ على أساسيات مالية صلبة، وهذا من شأنه زيادة جاذبية دولها للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، واللحاق بالاقتصادات النامية الناجحة مثل الصين والهند والبرازيل وروسيا وسنغافورة وكوريا.
وركزت الدراسة بشكل خاص على أن يأخذ تعزيز دور القطاع الخاص حيزا رئيسا في تلك الإصلاحات، فهيمنة القطاع العام لعقود طويلة مضت لم يثمر الكثير، بل تم خنق الإبداع وخفض الأداء والإنتاجية، وبالتالي يجب الدفع قدما بالإصلاحات والخصخصة وتطوير المؤسسات.
ووفقا للدراسة، يولد القطاع العام حاليا أكثر من ثلثي النواتج المحلية الإجمالية، وهذا يعني بالمطلق أنه بات محركا للنشاط الاقتصادي في دول المجلس، بعكس ما هو مطروح من شعارات ودعوات بتمكين القطاع الخاص من لعب الدور الرئيس في هذا المجال، وهذا يترتب عليه في المدى البعيد رهن برامج وخطط التنمية الاقتصادية الخليجية بدور القطاع العام والإيرادات النفطية. كما يلاحظ أن الجزء الأعظم من إنفاق القطاع العام على مشاريع البينة التحتية، وهذا النمط من المشاريع غير مولد للوظائف الجديدة الموجهة للمواطنين بقدر ما تقوم بها شركات وطنية، إما قائمة حاليا أو بالتعاقدات مع شركات خارجية.
وقالت الدراسة: إن دول المجلس ستحتاج لتوفير نحو خمسة إلى ثمانية ملايين فرصة عمل جديدة حتى العام 2020، وذلك من مجموع 80 مليون فرصة عمل مطلوب توفيرها في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويبلغ إجمالي قوة العمل في هذه الدول 146 مليونا في العام 2010، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 185 مليونا بحلول العام 2020.
وأضافت الدراسة، أن هؤلاء القادمين الجدد إلى أسواق العمل هم أكثر تعليما شبابا وإناثا فقد تزايد معدل نمو القوة العاملة في المنطقة بنسبة 3 في المائة سنويا بين عامي 1970 و2010. ومن المتوقع أن يزداد هذا المعدل إلى 3.5 في المائة سنويا بين عامي 2010 و2020، ولا يتوقع انخفاض الضغط على أسواق العمل إلى النسب المعتدلة التي عرفتها المنطقة خلال ستينيات القرن الـ21 قبل عام 2030.
ونوهت الدراسة بأن الأنماط القديمة لخلق فرص العمل لم تعد قابلة للاستمرار، كما أن الكثير من الأنظمة التقليدية لخلق فرص العمل في المنطقة مرشحة للزوال سريعا. فقد مثل القطاع العام المحرك الأساسي لخلق فرص العمل خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الـ20. واستمر يلعب دورا مهما خلال التسعينيات. ويوظف القطاع العام اليوم ثلث القوة العاملة في المنطقة. وتصل هذه النسبة إلى 80 في المائة في عدد من دول مجلس التعاون الخليجي.
ولكن لا يمكن للقطاع العام أن يستمر في دور المنفذ للتوظيف الذي لعبه سابقا. فتشير الدلائل عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أن معظم فروع القطاع العام تعاني تضخما في عدد الموظفين بلغ الثلث أو أكثر في بعض دول المنطقة ويؤدي إلى تآكل متواصل في الإنتاجية. وحتى إذا وضعت الخسائر في الفعالية جانبا، فإن استراتيجية تأمين فرص العمل للأعداد الهائلة من العاطلين عن العمل والقادمين الجدد إلى سوق العمل لم تعد قابلة للاستدامة في ظل التغيير الجذري في الأوضاع الاقتصادية في دول المنطقة. وما لم تتسارع وتيرة خلق فرص العمل في القطاع الخاص المنظم، فسيتم دفع أعداد متزايدة من الداخلين الجدد إلى سوق العمل نحو الاقتصاد غير المنظم.
وما يزيد من خطورة تلك التحديات - كما توضح الدراسة - التغييرات الهيكلية في الأوضاع الاقتصادية لدول المنطقة سواء على صعيد التدفقات النفطية أو المساعدات الخارجية. فقد اعتمدت التنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على ثلاثة موارد مالية هي النفط وتدفقات المعونات الخارجية وتحويلات العمالة. وشكلت هذه الموارد الثلاثة مصدرا ضروريا من الإيرادات العامة والأرباح الخاصة؛ مما دعم التوظيف الواسع النطاق في القطاع العام وأدى إلى استمرار استراتيجيات التنمية الموجهة من الدول والمبنية على التخطيط المركزي وعلى السياسات الاقتصادية والاجتماعية المعنية بإعادة توزيع الدخل والعدالة الاجتماعية.
وتشير التوقعات للعقد الجاري إلى أسعار النفط، وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في الوقت الحاضر، فإنها قد تراوح في نطاق محدود على المدى البعيد. وحتى على فرضية بقائها مرتفعة، فإن هوامش الفوائض منها سيتقلص بحكم الاحتياجات المتزايدة لمشاريع البينة التحتية والتنمية والنمو السكاني. كما يتوقع أيضا انخفاض مستوى تدفقات المساعدات الخارجية للسبب المذكور نفسه. أما فيما يخص تحويلات العمالة فإنها من غير المرجح الارتفاع بنسب مهمة. وذلك نتيجة تناقص فرص هجرة العمالة.
وتخلص الدراسة إلى التأكيد بأن المحركات التقليدية لخلق فرص العمل في دول مجلس التعاون الخليجي لم تعد قادرة على مواجهة تحدي العمالة في القرن الـ21. وعلى هذه الدول إن أرادت التعامل مع تحديات التنمية البشرية وأسواق العمل أن تتمكن من وضع استراتيجيات مقاومة لزيادة أسعار النفط من أجل تحويل الاقتصاد من هيمنة القطاع العام إلى هيمنة القطاع الخاص، وذلك عبر خفض العقبات أمام النشاطات الخاصة مع وضع أطر تنظيمية تحقق التعاضد المتبادل بين المصالح العامة والخاصة. وتعتبر مساهمة القطاع الخاص في القيمة المضافة متدنية مقارنة بمناطق أخرى؛ لذلك، فإن المجال لتوسع الاستثمارات الخاصة في دول الخليج كبير جدا. ولكنه يحتاج إلى بيئة اقتصادية واجتماعية مواتية ترتكز على عوامل عدة ترعاها وتدعمها الحكومات الخليجية، وفي مقدمتها جذب الاستثمار الأجنبي وهو ضمان لعدم الاحتكار من قبل بعض الشركات الخاصة، كما يساهم في ازدهار القطاع الخاص. كذلك ضمان حقوق الملكية الخاصة، وهو يلعب دورا رئيسا في مساعدة المؤسسات الصغيرة في التطوير والنمو الكامل، كما يسهم في تهيئة العمالة المنتجة، وبالتالي الاستقرار الاجتماعي. كذلك ضرورة تهيئة المناخ الاستثماري وتوسيع الأسواق، وتوفير الحرية الاقتصادية والحركة النشطة لرؤوس الأموال وتوجيه الاستثمارات من القطاع الخاص والمؤسسات المالية ورجال الأعمال إلى قطاعات الصناعة والزراعة والموانئ والسياحة والاتصالات ونظم المعلومات والإنشاءات، والتوسع في إنشاء المناطق الحرة.