24/11/2019
«الاقتصادية» من الرياض وأسامة سليمان من فيينا
يرى مراقبون أن ملف مفاوضات التجارة الأمريكية الصينية وتباطؤ إحراز تقدم في تأثيراته على العوامل الجيوسياسية، والتوقعات الخاصة باقتراب المنتجين في "أوبك" وخارجها من قرار تمديد التخفيضات الحالية لفترة أطول، ستظل طاغية كامل العام المقبل.وهبطت أسعار النفط في ختام الأسبوع الماضي من أعلى مستوياتها في نحو شهرين في ظل استمرار الضبابية بشأن ما إذا كان بمقدور الولايات المتحدة والصين التوصل إلى اتفاق تجاري جزئي، ما عمق القلق بشأن معدلات نمو الاقتصاد العالمي وتوقعات الطلب العالمي النفطي.وكان ذلك أكثر من كاف ليطغى على أنباء بشأن تمديد مرجح لتخفيضات الإنتاج، التي ينفذها منتجون كبار للنفط دفعت الأسعار للارتفاع في الجلسة السابقة.وبحسب "رويترز"، هبطت العقود الآجلة لخام القياس العالمي «برنت» 42 سنتا أو 0.7 في المائة إلى 63.55 دولار للبرميل، وسجل خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 58.14 دولار للبرميل منخفضا 44 سنتا أو 0.8 في المائة.وقال مايكل مكارثي، كبير خبراء السوق لدى "سي.إم.سي" للأسواق والوساطة في الأسهم في سيدني "العامل الرئيس لتوقعات الطلب على النفط يتمثل في المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين المستمرة حاليا".وأضاف أنه "مع اقتراب النفط من أعلى نطاقات التداول، التي سجلها في الآونة الأخيرة ليس من المفاجئ أن نرى بعض الضغوط البيعية خلال الجلسات".ولامست الأسعار أعلى مستوياتها منذ أواخر أيلول (سبتمبر) بعد أن ذكرت مصادر أن منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وروسيا ستمددان على الأرجح تخفيضات الإنتاج القائمة لمدة ثلاثة أشهر أخرى حتى منتصف 2020 حين تجتمعان في الخامس من كانون الأول (ديسمبر).
ويبقي المتعاملون أنظارهم على التأثيرات على إنتاج النفط في إيران والعراق العضوتين في "أوبك" في ظل احتجاجات جارية.
إلى ذلك، أكدت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أن المنظمة وروسيا في طليعة حقبة غير مسبوقة من التعاون الدولي في مجال الطاقة، لافتة إلى أن هذه الحقبة الجديدة بدأت قبل ثلاثة أعوام بعد أن شهدت سوق النفط العالمية واحدة من أسوأ حالات الركود في التاريخ، وذلك بين عامي 2014 و2016 حيث بلغت المخزونات المتضخمة 5.5 مليون برميل يوميا متجاوزة نمو الطلب النفطي البالغ 4.1 مليون برميل يوميا.
ونوه إلى أهمية التعاون الدولي في مجال الطاقة كأكثر الطرق فعالية لتحقيق استقرار دائم في الصناعة والحفاظ على استثمارات طويلة الأجل كافية، موضحا أن القيادة الروسية لم تدعم إعلان التعاون منذ البداية فحسب، بل رأت ضرورة- كما فعلت "أوبك"- لإنشاء إطار دائم وطويل الأجل للتعاون يتجاوز حدود ونطاق الإعلان، وأدى ذلك إلى توقيع ميثاق التعاون في الاجتماع السادس لمنظمة "أوبك" والمستقلين في تموز (يوليو) الماضي، معتبرا أن الميثاق يعد منصة دائمة ومنفتحة وشفافة على الحوار بين الدول المشاركة بهدف تعزيز استقرار سوق النفط والتعاون في تكنولوجيا الطاقة وغيرها من المجالات.
وأوضح تقرير حديث للمنظمة-عن لقاء محمد باركيندو الأمين العام بالجمعية النمساوية الروسية في فيينا- أنه بحلول تموز (يوليو) 2016 ارتفع حجم التداول في المخزونات التجارية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى مستوى قياسي بلغ نحو 403 ملايين برميل فوق متوسط الصناعة في خمسة أعوام، ما أدى إلى انخفاض هائل في سعر سلة "أوبك" المرجعية، التي انخفضت 80 في المائة بين حزيران (يونيو) 2014 وكانون الثاني (يناير) 2016.
وأشارت "أوبك" إلى أن هذا الوضع جعل الصناعة النفطية تجتاز أزمة عميقة، بعدما فقد نحو نصف مليون شخص وظائفهم وتم تجميد أو تأجيل استثمارات تقدر بنحو تريليون دولار، وإشهار عدد قياسي من الشركات إفلاسها.
وبحسب التقرير، فقد أدركت "أوبك" أن حجم الأزمة يتطلب استجابة عاجلة ومنسقة من قبل جميع أصحاب المصلحة في الصناعة للمساعدة في تقليل المخزون الهائل من الخام وإعادة التوازن إلى سوق النفط، وعلى الفور بدأت سلسلة من المشاورات بين "أوبك" والمنتجين الآخرين، التي بدأت تؤتي ثمارها في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2016 بتوقيع إعلان التعاون بين الدول الأعضاء في "أوبك" وعشر دول مستقلة بقيادة روسيا، معتبرا أن هذا الموقف الاستباقي أنقذ فعليا صناعة دخلت في دوامة هبوطية، وهو ما ساعد على استعادة الثقة ليس فقط بسوق النفط، ولكن بالاقتصاد العالمي في عامي 2017 و2018.
وعلى مدار الأعوام الثلاثة الماضية استمرت العلاقات بين "أوبك" وروسيا في الازدهار والوصول إلى مراحل جديدة طوال مرحلة تنفيذ إعلان التعاون، فقد كانت روسيا أحد المساهمين الرئيسين كرئيس مشارك للجنة المراقبة الوزارية المشتركة إلى جانب السعودية.
وأضاف التقرير أن هذه الجهود المشتركة لـ"أوبك" وشركائها بقيادة روسيا ساعدت على تكوين رابطة دائمة من الثقة والاحترام المتبادل، حيث وضع المنتجون حرفيا مخططا جديدا لكيفية تحسين جهودهم، مشددا على أن صناعة النفط أصبحت معقدة ومتقلبة بشكل متزايد.
ولفت إلى أنه لا بد من الاعتراف بالدور الأساسي المطلق، الذي اضطلع به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كان من أبرز المدافعين عن هذا المسعى، مشيرا إلى تعهد موسكو بتقديم الدعم المستمر لمصلحة المنتجين والمستهلكين، كما تبدي تقديرها المستمر لجميع البلدان المشاركة لالتزامها وإسهاماتها في تحقيق الاستقرار المستدام في أسواق النفط العالمية.
وذكر التقرير أن الميثاق يوفر أيضا آلية قيمة لمواجهة التحديات، التي تنتظر الصناعة والكثير منها خارج عن سيطرة المنتجين اليوم، موضحا أن سوق النفط تواجه على سبيل المثال تحديا بسبب مجموعة من العوامل غير الأساسية مثل العوامل الجيوسياسية والكوارث الطبيعية والنزاعات التجارية والسياسات النقدية المتطورة.
وأشار إلى أن هذا الإطار المبتكر والشامل سيمكن أيضا من استخدام النفط على المدى الطويل كعنصر أساسي في مزيج الطاقة العالمي المتغير باستمرار مع تعزيز كفاءة استخدام الطاقة عبر سلسلة القيمة والمساعدة في تحسين بيانات الاعتماد البيئي للنفط.
وعد التقرير أن الميثاق نوع من الالتزام الطوعي والمفتوح لجميع البلدان المنتجة، لافتا إلى أن الدعوة مفتوحة لجميع الدول المنتجة للنفط للانضمام إلى هذه الحملة الدولية لتعزيز الاستقرار والازدهار في جميع أنحاء العالم.
وتوقع أن ترى الصناعة في الأعوام المقبلة بوضوح نتائج التعاون القوي والموسع باعتباره الطريقة الأكثر فاعلية للمضي قدما في مواجهة التقلبات وتحقيق الأهداف المشتركة لمصلحة المنتجين والمستهلكين والاقتصاد العالمي.
ونوه التقرير إلى أن إطار التعاون المهم الآخر يتمثل في الحوار السنوي الرفيع المستوى بين "أوبك" وروسيا، الذي سيعقد اجتماعه السابع في النصف الأول من 2020، مشيرا إلى أن أصول هذه المبادرة تعود إلى 26 كانون الأول (ديسمبر) 2005، مشددا على أهمية وجود عملية مستمرة للحوار بين الطرفين.
وألمح إلى أهمية وجود منصات تتيح منتدى مستمرا لتبادل الأفكار حول تطورات سوق النفط وغيرها من المجالات ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك سياسات الطاقة والاستثمار في مشروعات المنبع والمصب وتدفقات البيانات والقضايا المتعددة الأطراف، لافتا إلى تبني منظمة "أوبك" مبادرات حوار ثنائية ودولية مماثلة في مجال الطاقة تشمل الاتحاد الأوروبي والصين والهند والولايات المتحدة والمنتدى الدولي للطاقة والوكالة الدولية للطاقة وصندوق النقد والبنك الدوليين ومجموعة العشرين، وكذلك مع القطاع الخاص والشركات المرتبطة بالطاقة.
وبحسب التقرير، فقد اتسمت السوق خلال الأعوام الخمسة الأخيرة بالظواهر المتناقضة ما بين اضطراب وانتعاش وعدم يقين وثقة، موضحا أنه من خلال كل ذلك هناك شيء واحد أحدث كل الفارق ويمكن تلخيصه في كلمة واحدة وهي التعاون.
وأفاد التقرير أن "أوبك" وشركاءها اعتمدوا بالفعل استراتيجية ناجحة تتضمن الاحترام والتعاون والشفافية وهي طريقة عمل تبرز الأفضل فينا جميعا، مشيرا إلى أن الصناعة تعيش حقبة جديدة في التعاون الدولي في مجال الطاقة، وهناك كثير، يجب تحقيقه مع استمرار العمل المشترك.
في شأن آخر، خفضت شركات الطاقة الأمريكية عدد حفارات النفط العاملة للأسبوع الخامس على التوالي، وهبط عدد الحفارات 24 في المائة على أساس سنوي مع قيام منتجين بخفض الإنفاق على عمليات الحفر الجديدة.
وقالت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة، في تقريرها الأسبوعي، الذي يحظى بمتابعة وثيقة، إن شركات الحفر أوقفت تشغيل ثلاثة حفارات نفطية في الأسبوع المنتهي في الـ22 من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، ليهبط إجمالي عدد الحفارات النشطة في الولايات المتحدة إلى 671، وهو أدنى مستوى منذ نيسان (أبريل) 2017، وفي الأسبوع نفسه قبل عام، كان هناك 885 حفارا نفطيا قيد التشغيل.
وتراجع عدد حفارات النفط النشطة في أمريكا، وهو مؤشر أولي للإنتاج مستقبلا، للشهر الـ11 على التوالي مع قيام شركات مستقلة للاستكشاف والإنتاج بخفض الإنفاق على عمليات الحفر الجديدة، بينما تركز بشكل أكبر على زيادة الأرباح وسط انخفاض أسعار الطاقة.
وعلى الرغم من انخفاض عدد الحفارات، فإن إنتاج النفط الأمريكي يواصل الارتفاع، فيما يرجع جزئيا إلى زيادة الإنتاجية إلى مستويات قياسية في معظم أحواض النفط الصخري في الولايات المتحدة.