ارتفعت أسعار النفط أمس، وسط توترات بشأن برنامج إيران النووي، لكن المكاسب جاءت محدودة بفعل بواعث القلق المتعلقة بالنمو الاقتصادي العالمي ومن ثم الطلب على الخام.
وقال مختصون ومحللون نفطيون، إن أجواء إيجابية داعمة لصعود الأسعار تلقي بظلال قوية على السوق، خاصة في ضوء الهدنة الحالية الأمريكية الصينية عقب اجتماع قمة مجموعة العشرين في اليابان.
وأوضحوا لـ"الاقتصادية"، أن بيانات الوظائف الأمريكية جاءت مبشرة، ما يعكس تبدد المخاوف على النمو الاقتصادي، وبالتالي تحسن مؤشرات الطلب على النفط الخام ومن ثم تعزيز فرص صعود الأسعار، مشيرين إلى اتساع الفجوة بين العرض والطلب بسبب النمو السريع في إمدادات النفط الصخري الأمريكي.
وأكدوا أهمية الاجتماع الطارىء لوكالة الطاقة الذرية غدا لبحث تداعيات خرق إيران للاتفاق النووي وتأثير ذلك في الوضعين السياسي والاقتصادي، خاصة في منطقة الشرق الأوسط.
وقال روبرت شتيهرير، مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، إن وتيرة الإنتاج الأمريكي ما زالت مرتفعة بشكل كبير، وهو ما عزز وفرة الإمدادات في السوق، حيث لم يبق أمام تحالف المنتجين في "أوبك" وخارجها إلا التمسك بخفض الإنتاج لفترة تسعة أشهر جديدة للحفاظ على مستويات سعرية جيدة ومتماسكة ومنع تهاوي الأسعار.
وأوضح أن أغلب التوقعات تشير إلى اتساع الفجوة بين العرض والطلب بسبب النمو السريع في إمدادات النفط الصخري الأمريكي، وهي بحسب توقعات بنك جولدمان ساكس، ستتفوق على نمو الطلب في العام المقبل، الأمر الذي يتطلب بدوره من تحالف المنتجين في "أوبك +" مزيدا من الجهود الصارمة والفعالة لقيادة السوق نحو التوازن والاستقرار.
من ناحيته، قال جوران جيراس، مساعد مدير بنك "زد أيه إف" في كرواتيا، إن الاتفاق على إحياء مفاوضات التجارة بين الولايات المتحدة والصين، يشكل - بالفعل - دعما قويا للنمو الاقتصادي، كما يدعم تراجع المخاوف المتعلقة بالركود والانكماش، لافتا إلى أن القلق الصيني من التباطؤ قد يكون أكثر من القلق على الاقتصاد الأمريكي، خاصة بعد بيانات الوظائف الإيجابية الأخيرة.
وذكر أن المخاطر الجيوسياسية المستمرة أسهمت في الحفاظ على دعم صعود الأسعار، حيث من المرجح أن تتوالى المكاسب السعرية في ضوء توقع تحرك دولي ضد إيران هذا الأسبوع، عقب رفع مستويات تخصيب اليورانيوم ودعوة وكالة الطاقة الذرية إلى اجتماع طارىء لتقييم الموقف، لافتا إلى خرق إيران شروط الاتفاق النووي لأول مرة منذ توقيعه في عام 2015 من خلال تجاوز القيود المفروضة على مخزون اليورانيوم.
من جانبه، قال ديفيد لديسما المحلل في شركة "ساوث كورت" الدولية للطاقة، إن حالة من القلق تسود بشأن الاقتصاد العالمي وهو ما جعل صناديق التحوط تخفض توقعاتها لارتفاع الأسعار في ظل مخاوف النمو واستمرار الزيادات السريعة للنفط الصخري الأمريكي وعدد من المنتجين خارج إعلان التعاون بين "أوبك" وخارجها، وهو ما دفعها إلى التمسك بقيود الإنتاج حتى صدور بيانات ومؤشرات إيجابية عن نمو الطلب في الشهور المقبلة.
وذكر أن اجتماع اللجنة الوزارية لمراقبة خفض الإنتاج في أبوظبي خلال أيلول (سبتمبر) المقبل، سيتم فيه مراجعة مستوى المطابقة وتطورات العرض والطلب ومدى حجم المخاطر الجيوسياسية في السوق وانعكاساتها على السوق النفطية، خاصة التطور في ملف العقوبات على إيران وتأثير خرق الاتفاق النووي الدولي الموقع في 2015.
بدوره، أكد ردولف هوبر، المختص في شؤون الطاقة ومدير أحد المواقع المتخصصة، أن البيانات الأخيرة التي كشفت عن تباطؤ السحب من المخزونات النفطية أضافت مزيدا من الأعباء التي يواجهها السوق، لكن التوترات في الشرق الأوسط أسهمت في تعزيز صعود الأسعار بسبب القلق على الإمدادات.
ولفت إلى أن تراجع الأسعار، رغم تمديد خفض على الإنتاج، كان رد فعل غير مألوف، إلا أن الأسعار عادت إلى التماسك، مبينا أن السوق ربما كانت تتوقع تعميق التخفيضات من قبل تحالف المنتجين في "أوبك +" لاتخاذ إجراء أكثر فاعلية في ضوء وجود مخاوف حقيقية على الطلب جراء النزاعات التجارية المتصاعدة.
وفيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط أمس، وسط توترات بشأن برنامج إيران النووي، لكن المكاسب جاءت محدودة بفعل بواعث القلق المتعلقة بالنمو الاقتصادي العالمي ومن ثم الطلب على الخام.
وبحسب "رويترز"، فإنه بحلول الساعة 13:53 بتوقيت جرينتش، كانت العقود الآجلة لخام برنت مرتفعة 66 سنتا إلى 64.89 دولار للبرميل. وزاد الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط 60 سنتا إلى 58.11 دولار.
ولوحت إيران أمس، بإعادة تشغيل أجهزة طرد مركزي متوقفة وزيادة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة في خطوة تهدد أكثر اتفاق 2015 النووي.
وتفرض واشنطن عقوبات تهدر المكاسب التي كان من المفترض أن تجنيها إيران مقابل الموافقة على قيود على برنامجها النووي بموجب اتفاق 2015 مع القوى العالمية. ووضعت المواجهة الولايات المتحدة وإيران على شفا حرب، إذ أوقف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ضربات جوية الشهر الماضي قبل دقائق من التنفيذ.
وأصدر ترمب أمس الأول تحذيرا جديدا على خلفية أنشطة إيران النووية، حيث قال "يجدر بهم الحذر".
لكن المخاوف المستمرة حيال الطلب ما زالت تضغط على الأسعار.
وقال بارني شيلدروب، كبير محللي أسواق السلع الأولية في "إس.إي.بي" إن تتفاعل السوق ذلك التفاعل المحدود مع الوضع المتوتر في الشرق الأوسط هو أمر مرده سوقا تتلقى إمدادات جيدة جدا بوجه عام وسوقا مسترخية تماما".
وتقلص الحرب التجارية الأمريكية - الصينية آفاق النمو الاقتصادي العالمي والطلب على النفط.
ولاقت الأسعار بعض الدعم من بيانات اقتصادية أمريكية قوية، إذ أظهر تقرير الوظائف لوزارة العمل الأمريكية، الذي يحظى بمتابعة وثيقة الجمعة الماضي، أن نمو الوظائف في الولايات المتحدة انتعش بقوة في حزيران (يونيو) الماضي مع ارتفاع الوظائف الحكومية، ما يشي بأن التباطؤ الحاد في أيار (مايو) الماضي في التوظيف ربما كان عابرا.
وأفاد التقرير بأن أصحاب الأعمال أضافوا 224 ألف وظيفة الشهر الماضي، وهو أعلى رقم في خمسة أشهر.
من جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 63.55 دولار للبرميل الجمعة الماضي مقابل 63.43 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 14 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة، حقق ثاني ارتفاع له على التوالي، كما أن السلة خسرت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 65.60 دولار للبرميل.