27/05/2009
أكد في حوار مع السياسة الكويتية أن الاتفاق على الوحدة النقدية الخليجية سيخضع للمراجعة قبل إقراره أو دخوله حيز التنفيذالملك: استثماراتنا لم تتأثر بالأزمة.. ومشاريع إضافية بـ 9 مليارات قريبا
أكد الملك عبد الله بن عبد العزيز أن السعر العادل لبرميل النفط هو بين 75 و80 دولارا "لاسيما في الوقت الراهن". وطمأن الملك عبد الله "المحبين الكثر" لولي العهد، أن صحة الأمير سلطان بن عبد العزيز بخير، و"أؤكد لهم أن سلطان شفاه المولى جل في علاه مما ذهب للعلاج من أجله"، مضيفا "نترقب هنا في السعودية عودته بإذن الله خلال الأسابيع الستة المقبلة".
ولفت في مقابلة صحافية أجراها معه الزميل أحمد الجار الله رئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية ونشرت أمس، إلى أن "النفط مادة استراتيجية مهمة ستزداد حاجة العالم إليه في قادم السنين أكثر من الأعوام الماضية وسيظل هو عنصر الطاقة الأهم الذي لا بديل عنه".
وأشار إلى أن "تراجع الأسعار في الفترة الماضية أسبابه معروفة وقد لا تتكرر في المستقبل على الإطلاق... فنحن نشهد الآن تعافيا سريعا للاقتصاد العالمي ونرى مؤشرات زيادة الطلب على هذه المادة فالنفط سيظل مهما جدا لأعوام قادمة ربما تفوق الأعوام التي مضت منذ اكتشافه".
ورأى الملك عبدالله أنه "ليس المهم الحديث عن سنوات الحاجة إليه بقدر أهمية البحث عن البديل إذا نضب أو تراجعت كميات مكامنه، هذا هو الأهم من وجهة نظرنا". إلى التفاصيل:
سيدي خادم الحرمين الشريفين: بداية الكل هنا وهناك يسأل بشغف عن آخر مستجدات الفحوص الطبية التي يجريها سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز?
صحة ولي العهد بخير والحمد لله, وأقول هذا لطمأنة محبيه الكثر القلقين على صحته وأؤكد لهم أن سلطان شفاه المولى جل في علاه مما ذهب للعلاج من أجله, فكان الله تعالى رحيماً به، عالماً بما قدمت يداه من خير لدينه ودنياه, سلطان نحسبه ولا نزكيه على الله رجلاً مقداماً في فعل صالح الأعمال وأزكاها تقرباً إلى ربه وخدمة لعقيدته ووطنه ومواطنيه, فكان ولا يزال وسيبقى بعون الله وحفظه خير معين لنا وساعدنا الأيمن في رعاية أهل الدار وزوارها من ضيوف الرحمن, ونترقب هنا في السعودية عودته بإذن الله خلال الأسابيع الستة المقبلة.
لقد تابعنا ومعنا شعبنا في المملكة مسار علاجه على مدار الساعة, خصوصا أثناء العملية التي أجراها أخيرا وتكللت بالنجاح والحمد لله والمنة..
إنه الآن في حالة صحية جيدة ويقضي بعض أيام الراحة, ونسأل الله أن يعيده إلى وطنه وأهله ومحبيه مسربلاً بثوب الصحة والعافية, وأكرر أخ أحمد أن سلطان بخير إذا أردت أن تعلن جواب سؤالك.
سيدي خادم الحرمين: بعد خطابكم المؤثر في قمة الكويت الاقتصادية والاجتماعية الذي استهللتموه بنقدكم لنفسكم قبل انتقادكم الآخرين, ما مدى تجاوب العالم العربي مع ما ناشدت به قادة الأمة عبر ذلك الخطاب?
بداية, دعني أقول لك ولكل مَن يقرأ أو يسمع بجوابي هذا إن الألم كان يعتصرني كواحد من القيمين على أمر العرب والمسلمين, لقد كنت أستعرض ما حولنا من أحداث وهموم وقضايا, وخشيت أن "تذهب ريحنا" بفعل شتاتنا إلا من رحم ربي, فرجعت إلى نفسي وكان ذاك الخطاب الذي بدأته بالاقتصاص من ذاتي مع أننا كنا نحن نتلقى الصدمات, وربما بعض العنت ممن قست قلوبهم والعياذ بالله, لقد دعوت إلى مصالحة عربية حقيقية تعرف أطرافها مكامن الداء لتبدأ في تحديد سبل الدواء.. ولِمَ لا? وعالمنا العربي يزخر بخيرات وفيرة والحمد لله, ويمتلك أسباب ومعطيات القوة السياسية, بيد أن ما كان ينقصه هو تعاضد قادته وربط مصالح أبنائه وإيجاد تعاون جماعي بدلاً من ذاك العمل الفردي أو الثنائي أو الثلاثي.
لقد شعرت أن الجميع في قمة الكويت تأثر معي, وتابعت أصداء هذه الدعوة في العالم العربي, ويعلم الله أنها دعوة مخلصة لوجهه الكريم, ولا نبغى من ورائها إلا الخير للجميع .. لقد تابعت ما كتب حولها, وهو أمر مشجع ومريح, ورغم أن هذه الدعوة أخذت مساراً ليس كل ما كنا نرتجيه وننشده, لكنه مسار مفرح ويوحي بتجاوب كبير من لدن الإخوة قادة وزعماء دولنا العربية, صحيح أنه كان هناك عتب مصري على مواقف البعض, غير أنه سرعان ما تسامت الشقيقة مصر ورئيسها محمد حسني مبارك على تلك المواقف, ولبت كعهدنا بها دائماً بوعي وفهم كبيرين نداء المصالحة, على أية حال الآن أفضل, فقد تجاوزنا ما كان وأصبحنا نسير على طريق أحسن من سابقيه, ولعله يزداد تطوراً للأفضل والأفضل. والله, كلما أنظر إلى عالم أمة العرب أسأل نفسي: لماذا نحن على هذه الحال?.. فكل إمكانات التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي متوافرة لدينا, ولا نحتاج إلى أكثر من نقاء النيات وصدقها..
سيدي خادم الحرمين: الحالة الاقتصادية للعالم.. إلى أين تسير?
في لقاء قمة العشرين الأخيرة سمعنا مداخلات ومرئيات عقول دول كبرى نحن - بكل تواضع وصدق مع النفس - نقطة في بحرها المترامي مالياً واقتصادياً, وقد تولدت لدينا قناعة بأن عقول هذه الدول ذات الحجم الضخم من الاقتصادات التي لها ما لها وعليها ما عليها في مسار الاقتصاد العالمي برمته, لن تترك بلدانها أسيرة تدمير واهٍ ناتج عن ذعر أو رياح أزمة من السهل صدها, وقد كان, فنحن نشهد الآن تشافي اقتصادات هذه الدول, وإن بدت إرهاصات هذا التعافي جلية أثناء انعقاد تلك القمة, بل نعتقد أن هذا التعافي يسير بوتيرة أسرع مما نتداوله ونتوقعه خلال الاجتماع, ونستشعر أيضا في المقابل أن الذعر الذي انتاب أوساط الاقتصاديين في معظم دول العالم إبان وقوع الأزمة قد اضمحلت تأثيراته وخفت وتيرته, وهذا كان متوقعاً.
سيدي خادم الحرمين: وماذا عن اقتصاد السعودية?
نحن بخير وسبق أن تحدثت بذلك, وقلت لكم في أوج حالة الذعر التي اجتاحت العالم بأسره إن اقتصادنا بألف خير والحمد لله, فقط تأثرنا في المملكة شأننا شأن كثير من الدول بقليل من الذعر أحسب أنه زال بعد أن أدرك شعبنا أن اقتصاد بلده عفي وقادر على تجاوز تداعيات أي أزمة عالمية مالية طارئة.
الميزانية الجديدة المعلنة للمملكة زاد فيها حجم الإنفاق على نظيره في الميزانية السابقة بما يقارب أربعين مليار ريال, أي ما يوازي نحو عشرة مليارات دولار, لقد رفعنا أرقام الإنفاق وقرنّا القول بالفعل, فهناك مشاريع ضخمة للبنية التحتية تم التوقيع على بدء العمل فيها, وفي طليعتها شبكة طرق يصل طولها إلى أكثر من ثمانية آلاف كيلومتر, إضافة إلى سكك حديدية طولها يناهز أربعة آلاف كيلومتر, وربما تكون هي الأطول في العالم, وقريباً بإذن الله سنعلن عن مشاريع أخرى كبرى تشمل البنية التحتية أيضا والإعمار والصناعة في مدينة ينبع, ومشاريع مياه تبلغ تكلفتها قرابة تسعة مليارات ريال في العاصمة الرياض وحدها.. ولا بد أنكم سمعتم أو شاهدتم المشاريع التي أعلن عنها في المنطقة الشرقية وهي مشاريع إنتاجية ورعوية.
نعم وعدنا بزيادة الإنفاق, وها نحن ننفذ ما التزمنا به.
سيدي خادم الحرمين: يقال إنكم "سيّلتم" أو بعتم بعض استثماراتكم السيادية, فهل أنتم في حاجة إلى سيولة نقدية?
لم يجر بيع أي من الاستثمارات السيادية للمملكة, وأريد تأكيد نقطة مهمة, وهي أن أموال وموجودات السعودية لم تتأثر من جراء الأزمة الاقتصادية العالمية التي تشهد الآن - كما ذكرت لك سلفاً - التعافي شيئاً فشيئاً, ولهذا لسنا في حاجة لبيع أي من استثماراتنا, وإذا كان لدينا تراجع في أسعار قليل من هذه الاستثمارات, فإن هذا لا يحمل في طياته أية خسارة محققة, كونه تراجعاً في القيمة الدفترية فقط، أما إذا كان هناك بيع فإنه بيع لتصحيح مراكز الاستثمار من أجل أداء أفضل ومردود نستفيد منه، وكله يجري وفق دراسات وتحليل عال التقدير من قبل جهاز الدولة المالي.
سيدي خادم الحرمين: تقول إذاً إنكم مستمرون في مشاريع التنمية وليس لديكم نقص في المال النقدي?
نعم مستمرون في تنفيذ ما وعدنا به من مشاريع تضمنتها خطط التنمية الموضوعة, وحجم الإنفاق لن يتقلص, كما أننا لسنا في حاجة إلى ديون داخلية أو خارجية, ولذا سننفق بما لا يعيد لنا حالة التضخم التي استطعنا السيطرة عليها, وتراجعت بشكل ممتاز, ووفق ما ينسجم مع جهودنا لاقتصاد سعودي صحي.
تعليماتي لجهازنا الاقتصادي أن لا هدر, وأن تكون المشاريع منتجة وتعيد ما استثمر فيها من مال وقف سلوك اقتصادي ينمي قوة الدولة الاقتصادية ويلبي رغبتها في ميزانيات قادمة تكون رقمياً أعلى من سابقتها.
سيدي خادم الحرمين: وماذا عن أسعار النفط التي تشهد حالة من عدم الاستقرار? لا نزال نرى أن السعر العادل هو 75 وربما 80 دولاراً للبرميل, ولا سيما في الوقت الراهن, فالنفط مادة استراتيجية مهمة ستزداد حاجة العالم إليه في قادم السنين أكثر من الأعوام الماضية, وسيظل هو عنصر الطاقة الأهم الذي لا بديل عنه, وليس المهم الحديث عن سنوات الحاجة إليه, بقدر أهمية البحث عن البديل, إذا نضب أو تراجعت كميات مكامنه, هذا هو الأهم من وجهة نظرنا, أما مسألة تقلب السعر, فهذا أمر خاضع لمستجدات وظروف الأسواق العالمية, علماً بأن هذه التقلبات مآلها الاستقرار على سعر عالٍ لا متدنٍ للنفط مستقبلاً, فتراجع الأسعار في الفترة الماضية أسبابه معروفة، وقد لا تتكرر في المستقبل على الإطلاق، فنحن نشهد الآن تعافياً سريعاً للاقتصاد العالمي, ونرى مؤشرات زيادة الطلب على هذه المادة, فالنفط سيظل مهما جداً لأعوام قادمة, ربما تفوق الأعوام التي مضت منذ اكتشافه.
سيدي خادم الحرمين: عندما انفجرت الأزمة الاقتصادية العالمية, ماذا كانت مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي آنذاك?
كانت هناك بالفعل مخاوف, وفي لقاءات القادة الخليجيين بحثنا هذا الموضوع مراراً, واستقر الرأي على ضرورة زيادة التلاحم الاقتصادي والربط المصلحي لدولنا بشكل أسرع وأفضل, وتحدثنا كذلك عن مرئيات عدة, الغاية منها حماية اقتصادات دول المنطقة, والتحرك دولياً كطرف واحد من أجل المساهمة في إيجاد أو طرح الحلول, مع زيادة الانفتاح الاقتصادي البيني بما في ذلك الاتفاق على الوحدة النقدية, بعد أن تأكد لنا فوائدها, وأهميتها في إيجاد قوة اقتصادية لدولنا على الصعيدين الإقليمي والعالمي, خصوصاً أن لدينا مخزونا نفطياً تشكل نسبته قرابة 30 في المائة من الاحتياطي النفطي في العالم.
سيدي خادم الحرمين: لكن الإمارات العربية المتحدة أعلنت قبل أيام انسحابها من الوحدة النقدية الخليجية.. ما مدى تأثير ذلك?
إخواننا في الإمارات هم أبناء أخينا الشيخ زايد، رحمه الله، الذي يعد أحد أركان تأسيس مجلس التعاون الخليجي, والاتفاق على الوحدة النقدية لدول المجلس سيخضع - بلا شك - للمراجعة قبل إقراره أو دخوله حيّز التنفيذ, وبالطبع هذه المراجعة ستخرج بنتائج وقرارات من رحم القيم الخليجية التاريخية التي نحرص جميعاً على المحافظة عليها كونها تثري علاقات التعاون بيننا, والمواقف المشرفة والمشهودة للشيخ زايد، رحمه الله، في هذا الشأن جعلته زعيماً لتكريس الألفة والتقارب الخليجيين.
لقد أدركت زعامات دول مجلس التعاون أن الترابط بين بلدانهم هو المستقبل والقوة والمنعة لها, ونثق بأن الإمارات لن تتخلف عن أي ركب ترى فيه توطيداً لأوامر الترابط وتعزيزاً لهذه القوة المرجوة لدولنا, فإرثنا التاريخي واحد وهدفنا وطن واحد ليس فيه بين الأشقاء حساب. على كل أجواء مراجعة اتفاق الوحدة النقدية مفتوحة, وللإمارات زعامة واعية يجسدها أبناء زايد، رحمه الله, وهم الأبخص بشؤون بلدهم, ولا نشك في حرصهم على قوة قرارات مجلسنا الخليجي.
سيدي خادم الحرمين: هل سيؤثر انسحاب الإمارات من اتفاقية الوحدة النقدية الخليجية في العلاقات السعودية - الإماراتية?
قد تختلف زعامات دول مجلس التعاون على آراء أو قضايا معينة, ولكن هذا الاختلاف لا يلبث أن يتبدد سواء في القمم الخليجية أو اللقاءات الثنائية, فالاختلاف في الرأي لن ولم يشكل خلافاً طيلة مسيرة وتاريخ مجلسنا, ولهذا فالمملكة والإمارات ستبقيان شقيقتين، وأي اختلاف في الرأي كما ذكرت لك، سرعان ما يزول في المراجعات المستقبلية لأسباب ومسببات هذا الاختلاف, فالإمارات دولة تحكمها عقول نيّرة قادرة على تمييز الغث من السمين، ما يطرح في مجلس التعاون يتم الاتفاق عليه من قبل ست دول لا دولة بعينها, أي أنه اتفاق على تحقيق مصالح للجميع تعود فائدتها على المنطقة بأسرها وتصب نتائجها في ربط مصالح أبناء وشعوب الخليج كافة، وعلى هذا الأساس لن يكون هناك خلاف, والمراجعة المقبلة السابقة للتطبيق ستحل ما اختلف عليه.
سيدي خادم الحرمين: الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيوجه خطاباً من القاهرة إلى العالم الإسلامي بعد أيام قلائل.. ما تعليقكم?
نحن في انتظار ما سيقوله الرئيس أوباما, فلسنا دعاة حرب أو طلاب إشكالات أو مشكلات بل دعاة سلام.. نريد أن نستثمر الوقت في تنمية أوطاننا ورقي شعوبنا, فأمامنا زمن يسرع الخطى نأمل أن نقتنصه فيما ينفع الناس, لإيماننا بأن الخسارة تكمن في الزمن الذي يمضي سدى دون إنجاز, دعنا ننتظر ما سيقول الرئيس الأمريكي لعل خطابه يحمل إنصافاً لقضايا العرب والمسلمين, وهو المطلب الذي ما فتئنا نردده على مسامع الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
لقد عقدنا في الولايات المتحدة مؤتمراً حول حوار الأديان وتحدثنا فيه عن مطالبنا بإرساء السلام على الأرض وترك الحساب للرب, ولاقينا آنذاك تجاوباً وتفاعلاً كبيرين من مختلف أوساط عواصم العالم وصناع القرار, ولا نزال ننشد مزيدا من صداه على أرض الواقع. أمريكا دولة كبرى ومهمة، ليس في محيطنا العربي فحسب بل في العالم أجمع, وأكرر هنا أننا لا نريد منها سوى الإنصاف والعدالة لقضايا العرب والإسلام الذي دعا إلى التسامح والألفة وإلى الدعوة بالحسنى.
ديننا دين وسطية وعدالة.. دين تسامح ومحبة وإخاء, دين يحض على إثراء علاقات البشر مع بعضهم بعضا... إنها رسالتي أجددها, فانقلها عني أخ أحمد إلى مَن يريد. أن يتبصر بما أمر الله.