سجلت السوق الثانوية لأدوات الدخل الثابت في السعودية - تنضوي تحتها أدوات الدين المدرجة للحكومة والشركات - في كانون الثاني (يناير) الماضي أعلى تداولات شهرية منذ نشأة السوق في 2009.
وشهدت السوق، المخصصة لتداول "السندات والصكوك" في البورصة السعودية، تداولات بلغت 2.6 مليار ريال.
وأظهر رصد لوحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، أن نسبة النمو المسجلة في يناير الماضي قفزت 598 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
كما نمت أحجام التداولات بنسبة بلغت 1034 في المائة مقارنة بالشهر الذي قبله "ديسمبر 2019".
وتشكل نسبة تداولات شهر كانون الثاني (يناير) من العام الجديد 26.20 في المائة من إجمالي تداولات عام 2019 التي بلغت 10.1 مليار ريال.
وشهد الشهر الماضي نشاطا ملحوظا من شركات الوساطة "غير المعينين بصفة رسمية للعب دور صناع السوق"، عندما استحوذوا بشكل جلي على 81.24 في المائة من أحجام التداولات التي مرت عبرهم، وهي النسبة الأعلى تاريخيا من حيث الفارق بينهم وبين صناع السوق الخمسة المعينين الذين هيمنوا على 18.76 في المائة من إجمالي التداولات.
وفي الوقت الذي يلعب فيه صناع السوق الخمسة دورا محوريا منذ 2018 في تنشيط السيولة الثانوية، فإن هذه تعد المرة الثانية خلال ثلاثة أشهر التي تتفوق فيها شركات الوساطة على صناع السوق المعينين.
ويظهر الرصد أن آخر مرة كانت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 عندما استحوذت شركات الوساطة الأخرى على 55.2 في المائة من حصة تداولات ذلك الشهر.
إلى ذلك، عزا متعاملون متخصصون في أسواق الدخل الثابت تلك التطورات التي شهدها الشهر الماضي بأنه عبارة عن جني أرباح شهر ديسمبر "بعد المراكز التي تم اتخاذها في أواخر 2019 وتم تأجيل إغلاقها حتى يناير من العام الجديد".
وهذا ما فسر القفزة في التداولات، أي من 234.8 مليون ريال في كانون الأول (ديسمبر) إلى 2.6 مليار ريال في كانون الثاني (يناير) 2020، حيث يتم التقييم المحاسبي لانكشاف شركات الوساطة على أصولهم من الصكوك بنهاية ديسمبر، إذ تتحفظ فيه شركات الوساطة من التداول بشكل مكثف.
وهذا شيء طبيعي يتزامن مع نهاية الفترة المحاسبية أو السنة التقويمية الخاصة بالقوائم المالية التي تغلق بنهاية ديسمبر، ذلك من أجل الشروع في إعداد البيانات المالية للجهات المستثمرة، حيث يقوم المستثمرون المؤسسيون "سواء في السعودية أو في الأسواق الناشئة" بإقفال دفاترهم وكذلك إقفال الحسابات في نهاية العام المالي.
التداولات اليومية
أظهر رصد "الاقتصادية" ارتفاعا في المعدل المتوسط لإجمالي التداولات اليومية لتبلغ 121.1 مليون ريال خلال أول شهر من العام الجاري، بنسبة نمو 199 في المائة مقارنة بإجمالي متوسط التداولات عن عام 2019 كاملا الذي بلغ 40.4 مليون ريال " بعد استثناء الإجازات الأسبوعية والعطل الرسمية".
واستند التحليل إلى أحدث البيانات الرسمية الصادرة من "تداول" التي كشفت عن إجمالي التداولات الخاصة بأدوات الدين السيادية والخاصة بالشركات.
عوامل محفزة
إضافة إلى العوامل الأخرى مثل سعي المستثمرين نحو العائد الأعلى "في خضم بيئة الفائدة المحلية المتدنية" وكذلك انخفاض رسوم التداول، فإن الزيادة في أحجام التداولات الإجمالية عن مستوياتها التقليدية تأتي في وقت تشهد فيه المملكة سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي مست أسواق الدخل الثابت المحلية، حيث كان أولها التشريعات الخاصة بزكاة الصكوك الحكومية.
يذكر أن الهيئة العامة للزكاة والدخل أعلنت في مارس 2019 تحمل الدولة الزكاة وضريبة الدخل على الاستثمار في الصكوك والسندات الحكومية التي تصدرها وزارة المالية محليا "المقومة بالريال السعودي".
الزكاة وضريبة الدخل "التي ستتحملها الدولة" ستكون مقتصرة على العوائد السنوية لأدوات الدين "التي يتسلمها المستثمرون" وليس على قيمة الإصدار كله.
وجاء تحمل الدولة للزكاة وضريبة الدخل المترتبة على الصكوك والسندات الحكومية ليعزز الاستثمار المحلي والدولي فيها.
ويتماشى ذلك التوجه مع وثيقة برنامج تطوير القطاع المالي التي كان من أهم مبادراتها معالجة المعاملة الزكوية، وطريقة الاحتساب، وكذلك ضريبة الاستقطاع الخاصة بأدوات الدين.
مشاركة فعالة من صناع السوق
أجرت السعودية عدة مبادرات إصلاحية للنهوض بتداولات السوق الثانوية الخاصة بأدوات الدخل الثابت من سندات وصكوك.
وقبل قرار إعادة هيكلة المقابل المادي لجهات الإصدار والمتداولين وما رافقه من خفض لرسوم التداول خلال نيسان (أبريل) 2019، قامت السعودية بإدراج إصداراتها السيادية وتداولها لأول مرة خلال 2018.
وتبع ذلك القرار الاستعانة بصناع السوق "المفوضين بتنشيط التداولات الثانوية للإصدارات الحكومية" وكلا الحدثين جاء في تموز (يوليو) 2018.
رسوم التداول
في السابق، كانت رسوم التداول توصف من قبل المراقبين بأنها مبالغ فيها، حيث تصل إلى عشر نقاط أساس "ثماني نقاط أساس تذهب للشركات المرخصة أي شركات الوساطة" ونقطتي أساس تقسم مناصفة بين هيئة السوق المالية و"تداول".
وأحد أسباب حصول الشركات المرخصة على ثماني نقاط أساس يرجع إلى انعدام السيولة، ما يؤدي إلى صفقات محدودة شهريا، لكن مستوى التداولات الشهرية أخذ مسارا مرتفعا منذ إدراج الديون الحكومية، ما أدى إلى تعظيم أعداد وقيم الصفقات المنفذة.
وفي شهر نيسان (أبريل) 2019، تم الإعلان عن حزمة من الإصلاحات التي طال انتظارها من قبل العاملين في أسواق الدخل الثابت في السعودية، حيث تمت إعادة هيكلة المقابل المادي للخدمات المقدمة إلى جهات الإصدار والمتداولين.
إعادة هيكلة الرسوم تعد موجهة إلى شريحتين، الأولى هي جهات الإصدار وهذه التعديلات ستسهم في تخفيض الرسوم ذات الصلة بالإدراج في البورصة بنسبة تلامس 25 في المائة. وهذا الرقم قد يزيد وينقص وفقا لعوامل متغيرة تتعلق بجهة الإصدار.
على الجانب الآخر تم تخفيض رسوم التداول لمصلحة المستثمرين، حيث تصل حصة شركة تداول ما بين نقطة أساس إلى نصف نقطة "باستثناء الحالات التي يكون فيها أي من البائع أو المشتري متعاملا أوليا محددا".
وينتظر لقرار رفع الضوابط الخاصة بعمولة شركات الوساطة، عبر إزالة الحدين الأدنى والأعلى الخاصين بتنفيذ صفقات الشراء والبيع، أن يقود لإيجاد المنافسة بين تلك الشركات عبر تقديم رسوم منخفضة لجذب العملاء.
وفي حال تنفيذ أي صفقة صكوك، تستقطع "تداول" حصتها من المقابل المادي وكذلك شركة الوساطة التي تم أمر الشراء أو البيع من خلالها.
شركات الوساطة
مع ارتفاع قيمة وحدة الصك الواحد "التي تعادل ألفا" مقارنةبأسعار الأسهم، فهذا يعني أن المعدل المتوسط لقيمة صفقات الصكوك الحكومية "للصفقة الواحدة" لكل مستثمر فرد ستكون أعلى عند مقارنتها بصفقات الأسهم، وعليه فمن الطبيعي أن تزداد رسوم تنفيذ صفقات شراء وبيع الصكوك التي تتحصلها شركات الوساطة.
وفي الوقت الذي تبلغ فيه أعداد شركات الوساطة المالية في سوق الأسهم السعودية 31 شركة، يتفاوت هذا الرقم مع سوق الصكوك والسندات، فبعد الرجوع إلى جميع شركات الوساطة التي نفذت صفقات شراء وبيع في السوق الثانوية "لأسواق الدين السعودية" خلال ثلاثة أعوام يتضح أن أعداد شركات الوساطة التي تم رصدها هي 12 شركة "من بينها خمس من صناع السوق".
مصدرون جدد خليجيون
بلغ إجمالي إصدارات الجهات الخليجية التي تصدر بالعملات الصعبة لأول مرة في 2019 ما يصل إلى 17 مليار دولار "تشمل إصدار سندات أرامكو البالغ 12 مليار دولار"، وفقا للدراسة البحثية "عن إدارة الدخل الثابت" لبنك أبوظبي الأول، التي أشارت إلى أن أعداد جهات الإصدار الجديدة بلغت 11 جهة.
ولا تزال جهات الإصدار في الخليج والأسواق الناشئة تستغل الظروف المناسبة للاستدانة في ظل انخفاض تكلفة التمويل على الصعيد العالمي.
وأسهمت "مخاوف الحرب التجارية" في 2019 في جعل مؤشرات القياس "التي نستعين بها مع تسعير الصكوك والسندات" تتداول عند مستويات متدنية، الأمر الذي أسهم في تخفيض "تكلفة التمويل" للخليجيين.
معلوم أن بورصة "ناسدك دبي" أصبحت المنصة المفضلة لإدراج جهات الإصدار الصينية التي تحتضن أكثر من تسعة إصدارات دولارية من الدولة الآسيوية.
وتقع "العوائد الربحية" للصكوك والسندات "في المنطقة المقبولة" لطرفي المعادلة، وهما المستثمرون "الذين يرون أن عوائد الإصدارات الجديدة لا تزال جذابة" وبين جهات الإصدار "التي ترى أن العوائد لا تزال منخفضة".
*وحدة التقارير الاقتصادية