ارتقت البنوك المركزية بالفعل إلى مستوى التحدي هذا العام من خلال تخفيف السياسة النقدية بشكل ملحوظ. وارتفاع أسعار الأسهم العالمية في تشرين الأول (أكتوبر) يظهر أن المستثمرين يقبلون على الشراء.
لم يكن خفض أسعار الفائدة القياسية المحفز الوحيد؛ أعاد مجلس الاحتياطي الفيدرالي إطلاق عملية توسيع ميزانيته العمومية، وأعاد البنك المركزي الأوروبي إحياء برنامجه لشراء السندات وكلاهما يحافظ على تدفق السيولة إلى النظام المالي.
هذا يجعل الحياة صعبة على المتشائمين الذين ما زالوا عاجزين عن الاستمتاع باللحظة التي واتتهم، على الرغم من تباطؤ نمو أرباح الشركات الأمريكية والأوروبية الكبيرة، وعلى الرغم من إشارات التحذير بشأن توقعات الأرباح لعام 2020. قد لا تكون أرباح الأسهم -وهي جزء مهم من حجة المتفائلين لتفضيل الأسهم على عائدات أسعار الفائدة الثابتة، الضئيلة التي تقدمها السندات- قوية كما كان متوقعا.
لكن المخاوف ما زالت تتفاقم حول أسواق السندات التي شهدت إقبالا شرها من الشركات على تكاليف الاقتراض المنخفضة خلال العقد الماضي. تلاحظ وكالة فيتش للتصنيف الائتماني كيف ارتفع عالم سندات الشركات الأمريكية ذات الدرجة الاستثمارية إلى أربعة تريليونات دولار، مسجلا توسعا بلغ 6 في المائة خلال الـ12 شهرا الماضية. سندات الشركات ذات التصنيف الائتماني BBB، وهي أدنى مرتبة ائتمانية للسندات من الدرجة الاستثمارية، تشكل الآن نحو 60 في المائة من السوق بأكملها، ارتفاعا من حصة بمقدار الثلث عام 2008. بكل ماتعنيه الكلمة، هذه سوق متوترة.
الانكماش الاقتصادي التالي يمكن أن يؤدي بسهولة إلى موجة من خفض تصنيفات السندات ذات المستويات الدنيا في عالم الدرجة الاستثمارية حيث تهبط إلى سوق مضاربة تفتقر إلى النطاق اللازم لاستيعاب كميات كبيرة من السندات بسلاسة.
وما يضاعف من الألم أن كثيرا من حاملي السندات المؤسسين سيتعين عليهم البيع، لأن تفويضاتهم لا تسمح لهم بامتلاك سندات من درجة غير استثمارية. المبيعات القسرية في السوق ذات اتجاه واحد أمر شهدناه عام 2008 بالكاد كانت نتيجته مريحة.
أهمية السندات بالنسبة للنظام المالي الأوسع والمحافظ الاستثمارية أصبحت راسخة أكثر بعد مرور عقد من الزمن على الأزمة المالية العالمية. الفزع الائتماني في عامي 2015 و2016، الذي حفزته الصين من خلال إثارة انخفاض حاد في أسعار السلع الأساسية، ولعب فيه النفط دورا بارزا، ومن ثم في أواخر العام الماضي عندما أدى تشديد الاحتياطي الفيدرالي إلى ارتفاع العوائد الحقيقية بشكل حاد، كان نذير سوء للأسواق المالية.
بالتأكيد، الجو السائد حاليا في أسواق الائتمان في الولايات المتحدة يستدعي المراقبة، ولا سيما السندات ذات التصنيف الائتماني CCC المحفوفة بالمخاطر، وسوق قروض الرفع المالي التي تبلغ قيمتها 1.15 تريليون دولار. الملاحظ أن الأداء الأضعف في قطاعات عالم الائتمان ذات الرفع المالي الأعلى يأتي خلال فترة من الأداء القوي للأصول الخطرة الأخرى بشكل عام. هناك احتمال قوي أن المتشائمين على خطأ، وأن هذه السوق تقدم فرصة شراء كبيرة إذا كان الاحتياطي الفيدرالي محقا، وتحركنا مع نمو معتدل، ولا حاجة إلى مزيد من التسهيل عام 2020.
يظهر الدافع وراء تجنب السندات ذات التصنيف الائتماني CCC من خلال حقيقة أن نحو 45 في المائة من السندات في القطاع تعد في شكل من أشكال التعثر، وفقا لـ"بنك أوف أمريكا ميريل لينش"، ما يعكس الوزن الكبير الذي أثقل كاهل شركات الطاقة المتعثرة. لقد دفع الحذر بعض المستثمرين إلى القفز درجة واحدة من درجات التصنيف إلى الفئة B التي هي أكثر أمانا بعض الشيء، لكن العائد يظل عزيزا نوعا ما.
على الرغم من كل علامات القلق، إلا أن هناك ترددا مفهوما لمغادرة حفل السندات، لأن الدخل الثابت في هذا المجال لا يزال يقدم أكثر بكثير مما تحصل عليه من السندات الحكومية، وأيضا من الديون الأوروبية، حيث يتم تداول ما قيمته نحو تريليون يورو من سندات الدرجة الاستثمارية مع عائد سلبي، وفقا لشركة تريد ويب. وهذا يسلط الضوء على احتمال تشويه البنوك المركزية بالفعل لسوق السندات خاصة في أوروبا.
من هنا، تعتمد وجهات النظر المتفائلة بشأن الأسهم على سوق سندات شركات تتوقع حركة سلسة وتشير إلى أن خطر حدوث انكماش اقتصادي أعمق مبالغ فيه. لكن هناك حجة تفيد بأن عائدات سندات الخزانة الأمريكية المتراجعة، التي تتأثر بدورها بالكميات الهائلة من السندات العالمية ذات العائد السلبي، قد خففت إشارات الألم الآتية من سوق الائتمان.
هذا يبرز في كيف أن العلاقة بين تضخم السندات من الدرجة الاستثمارية ذات التصنيف الائتمانيBBB وذات التصنيف الائتماني B، وهو القطاع ذو الجودة الأعلى في العوائد المرتفعة، تراجعت إلى مستويات شهدناها عام 2007، و2005 وكذلك عام 2001، تماما قبل أن تتلاشى الأجواء الخطرة من السوق.
لا ينبغي استبعاد حدوث هبوط مفاجئ وواضح في أسعار السندات، والمحفز المحتمل لمثل هذه الخطوة هو البيانات الاقتصادية التي تظهر انقسامات بين المستهلكين. الأمر الذي ينبغي أن يثير القلق لدى مستثمري السندات ويلقي بظلاله على الأسهم هو سيناريو النشاط الاقتصادي الأضعف الذي سيخرج الانتعاش في نمو أرباح الشركات عن مساره ويتجاوز النتيجة اللطيفة من سيولة البنوك المركزية وتكاليف الاقتراض الرخيصة.
معنويات السوق والمراكز التي يتخذها المستثمرون في سوق السندات تعكس توقعات حدوث تباطؤ في منتصف الدورة تخف حدته عام 2020. لكن القلق على المدى الطويل هو أن مثل هذه النتيجة تؤخر فقط موجة لا مفر منها من خفض مستوى الرفع المالي للميزانيات العمومية للشركات المثقلة بالديون.