25/06/2011
اقتصاديون يؤيدون تحديد فترة بقاء العمال الأجانب في الخليج
قررت المملكة عدم السماح بالتجديد للعمالة الوافدة التي أمضت ست سنوات، وهي قضية يتواصل الجدل حولها على مستوى الخليج منذ نحو ثماني سنوات دون حسم.
أعاد تصريح وزير العمل السعودي المهندس عادل فقيه حول عدم السماح بالتجديد للعمالة الوافدة التي أمضت ست سنوات في المملكة، وما أعقبه من توضيحات صدرت عن الوزارة نفسها حول أن هذا الأمر يرتبط أساسا ببرنامج «نطاقات» تسليط الأضواء على قضية يتواصل الجدل حولها على مستوى كافة دول مجلس التعاون منذ نحو ثماني سنوات دون حسم.
يأتي القرار على خلفية توقيع دول مجلس التعاون على اتفاقات دولية تحكم هذا الأمر، من بينها اتفاق دولي تقر الدول الموقعة عليه بأنه في حال بقاء العامل الوافد لفترة تصل بين 5 و6 سنوات يتحول لعامل مهاجر، ولا يحق للدولة التي يعمل فيها إجباره على المغادرة، كما أن له الحقوق السياسية الممنوحة للمواطن ذاته، وهو الأمر الذي لا تريده دول المجلس. ووفقا لمحللين، فإن هذه القضية تعود لعام 2004، ثم أعيد طرحها بشكل واسع وعلى مستوى دول مجلس التعاون الخليجي في 2008، وتم إقرارها من وزراء العمل الخليجيين في البحرين، إلا أنه تم تأجيلها بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، وأيضاً بسبب تحفظ بعض الدول الخليجية عليه في ذلك الوقت.
واتفق وزراء العمل الخليجيون في 2008 خلال اجتماع ضمهم في العاصمة السويسرية جنيف على رفع توصية تحديد مدة بقاء العامل الأجنبي لفترة خمس سنوات للقمة الخليجية، وهو ما حدث في اجتماع لهم عقد في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه في العاصمة القطرية الدوحة، إذ تم إقرار التوصية رسمياً، ورفعت لوضعها على جدول أعمال القمة، التي عقدت في العاصمة العُمانية مسقط، غير أن القمة لم توافق على توصية وزراء العمل حينذاك، وفضّلت تأجيل اتخاذ القرار عبر درسه مجدداً.
وأشار هؤلاء المحللون إلى أن هذا التوجه سوف يلقى معارضة شديدة من رجال الأعمال بشأن القرار، وسوف يسعون لتأجيله أو إلغائه، كما حدث في السابق.
إلا أن اقتصاديين يقولون على الرغم من عدم إنكار الدور المهم الذي تقوم به العمالة الوافدة من خلال مشاركتها في عملية البناء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومساهمتها في سد النقص الكلي في العمالة الوطنية التي تحتاج إليها التنمية المتسارعة، إلا أنه في المقابل هناك آثار سلبية خلفتها العمالة الأجنبية التي لم تكن تخضع لخطط مدروسة ومعايير واضحة ومحددة لاستقطابها أدى لاستقرارها في هذه الدول لسنوات طويلة مما خلق العديد من الآثار السلبية على اقتصادات ومجتمعات دول المجلس.
ويشيرون إلى تطور نسبة العمالة الوافدة في كل دولة من دول مجلس التعاون حسب إحصائيات الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي وتقارير وزارات العمل في هذه الدول ما بين عامي 2001 و2008 أن حجم العمالة الأجنبية ارتفع إلى نحو 15 مليون عامل وأن نسبة هذه العمالة من إجمالي العمالة في البحرين كانت 58.8 في المائة عام 2001 ثم ارتفعت إلى 79 في المائة، وفي السعودية ارتفعت من 50.2 في المائة إلى 70 في المائة وفي عمان زادت من 79 في المائة إلى 81.5 في المائة وفي قطر طفرت من 53.9 في المائة إلى 84.8 في المائة، وأخيرًا الكويت زادت من 80.4 في المائة إلى 84.8 في المائة. وتشير تلك الإحصائيات إلى أن تطور العمالة الوافدة في الإمارات بلغ أقصاه وبنسبة 90 في المائة من إجمالي القوى العاملة.
إن استمرار هيمنة العمالة الوافدة واستحواذها على هيكل وتركيبة سوق العمالة الخليجية خصوصـًا لدى مؤسسات وشركات القطاع الخاص، أدى إلى تفاقم مشكلة البطالة بين مواطني دول المجلس وبلغت كمتوسط عام نحو7 في المائة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وتتفاوت نسبة البطالة من دولة لأخرى.
كما أدت تلك الهيمنة إلى زيادة التحويلات المالية للعمالة الوافدة إلى بلدانها، حيث بلغت هذه التحويلات خلال الفترة 1975ـ 2002 أكثر من 413 مليار دولار من الدول، موزعة بين السعودية بنحو 260 مليار دولار، الإمارات بنحو 65 مليار دولار، الكويت بنحو 29 مليار دولار، عُمان بنحو 26 مليار دولار، قطر بنحو 23 مليار دولار، وأخيراً البحرين بنحو 11 مليار دولار، كما أن حجم تحويلات الأجانب في دول الخليج بلغ نحو 45 مليار دولار عام 2008. وهناك تحويلات تمت بصورة غير رسمية بلغت نحو عشرة مليارات دولار بالنسبة لدول المجلس الست مجتمعة. وتشكل هذه التحويلات استنزافـًا للمزيد من موارد دول مجلس التعاون وتسرب مخزونا كبيرا من العملات الأجنبية الصعبة إلى خارج بلدانها.
كما تؤدي تلك الهيمنة أيضا إلى زيادة الضغط على السلع والخدمات والأجور حيث تحصل العمالة الوافدة وأسرها على خدمات التعليم والصحة واستخدام المرافق العامة دون مقابل أو بمقابل رمزي واستفادتهم من الدعم المقدم من دول المجلس لكثير من الخدمات مما يحد من قدرة دول المجلس على توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين والخريجين الداخلين لسوق العمل، كما تولد اختناقات في عرض الخدمات الصحية والسكن وغيرها.
كما برز في الآونة الأخيرة تأثير سلبي آخر هو تزايد الضغوط الدولية على دول المجلس سواء من قبل منظمة العمل الدولية أو المنظمات المعنية بحقوق العمال وتوجيه اتهاماتها بانتهاك حقوق العمال وممارسة التمييز وضرورة تحسين أوضاعها والسماح بتجنيس بعضها، وهو ما أوقع دول المجلس أمام تحديات خطيرة تهدد بفتح باب للتدخل الدولي ليس في قضايا التنمية الخليجية فحسب، بل وفي تركيبة مجتمعاتها السكانية والثقافية والاجتماعية، ولربما تطول التركيبة السياسية أيضا.
وتأثير آخر لا يقل خطورة وهو إثارة الاضطرابات العمالية والإضراب عن العمل والقيام بأعمال تخريب وحرق للممتلكات العامة والخاصة، كما حدث أخيرا في الإمارات وتحت عناوين مختلفة ومنها المطالبة بتحسين الوضع والأجور.
لقد سعت دول الخليج العربية للتنسيق بينها لاتخاذ العديد من الخطوات للحد من تفاقم معدلات البطالة وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة، ومنها السعي لوضع قيود على جلب الأيدي العاملة الأجنبية، وتشجيع توطين الوظائف.
وعلى صعيد التجارب الوطنية تبرز تجربة السعودية في مجال التوطين، حيث وضعت سياسة تقوم على أساس التحكم في معدلات البطالة من خلال عدة إجراءات، منها تنفيذ حملة وطنية لحصر وتسجيل وتوظيف المواطنين السعوديين في القطاع الخاص ودعم تدريب وتوظيف السعوديين في القطاع الخاص بالتعاون مع صندوق تنمية الموارد البشرية الذي يهدف إلى توفير الظروف المناسبة لاستيعاب السعوديين في هذا القطاع. علاوة على ذلك، تم إنشاء مركز الملك فهد للتوظيف تحت إشراف وإدارة صندوق تنمية الموارد البشرية بهدف دعم الجهود المبذولة في تسهيل توظيف السعوديين. كذلك تطبيق إجراءات وضوابط محددة لترشيد الاستقدام بغرض الحد من تدفق العمالة الوافدة بأعداد كبيرة تزيد على الحاجة الفعلية إليها وتعوق توظيف العمالة الوطنية. كما تم قصر العمل في بعض الأنشطة والمهن على السعوديين وفقـًا لقرار من مجلس الوزراء السعودي بشأن زيادة توظيف السعوديين في منشآت القطاع الخاص. كما تم أيضا إنشاء مجلس استشاري لوزارة العمل يضم نخبة من رجال الأعمال لتقديم المشورة والرأي للوزارة حول قضايا التوظيف والاستقدام.