17/12/2011
اقتصاديات الخليج .. الاستثمارات في المنطقة بلا عمق
لقطة علوية لميناء جبل علي في دبي. ويتوقع اقتصاديون أن تتخذ القمة الخليجية المقبلة عدداً من القرارات التي تسهم في تفعيل العمل بآليات السوق الخليجية المشتركة وتوحيد الإجراءات الجمركية والرسوم في دول المجلس ورفع أي حواجز جمركية بين الدول الأعضاء.
تستضيف الرياض منتصف الأسبوع الجاري القمة الـ32 لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، وسط تصاعد التوقعات المنتظرة من هذه القمة؛ وذلك على خلفية ما تواجهه دول المجلس من تحديات وطنية وإقليمية وعالمية سياسية واقتصادية، وقد تعززت هذه التوقعات مع قيام عدد من المسؤولين الخليجيين بإطلاق تصريحات متفائلة حول القمة.
ومن بين تلك التوقعات ما ذهب إليه سلطان بن سعيد المنصوري، وزير الاقتصاد الإماراتي، من أن القمة الخليجية القادمة "ستشكل فرصة مهمة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء" في مجلس التعاون الخليجي، مشيرا إلى أن القمة ستتخذ عددا من القرارات التي تسهم في استمرارية النمو الاقتصادي في دول المجلس وتفعيل العمل بآليات السوق الخليجية المشتركة، إلى جانب جملة من القرارات التي تتصل بتوحيد الإجراءات الجمركية والرسوم في دول المجلس ورفع أي حواجز جمركية بين الدول الأعضاء.
وقد قطع المجلس بالفعل شوطا كبيرا لا يمكن إنكاره أو تجاهله في مسيرة التكامل الاقتصادي، ولا سيما ما تحقق على صعيد المواطنة الاقتصادية، حيث تشمل تجارة التجزئة والجملة والعقار والاستثمار والتعليم والصحة كما أقيم الاتحاد الجمركي، وتم إلغاء الضريبة الجمركية بين دول المجلس في عام 2003. وجرى العمل على تحقيق السوق الخليجية المشتركة في عام 2007، والتوجه لتوحيد العملة. ووحدت دول مجلس التعاون الكثير من الأنظمة والقوانين في مجال الأمن والتعليم والصحة والتأمينات والتقاعد والتجارة والزراعة والصناعة والاستثمار وتداول الأسهم وتملك العقار والمجالين العدلي والقانوني.
وكتعبير عن رغبة التغيير ومواكبة التغيرات وافق قادة المجلس في قمتهم في مسقط عام 2001 على نص الاتفاقية الاقتصادية الجديدة، التي تتضمن فصولا جديدة مثل الاتحاد الجمركي (الفصل الأول)، والسوق الخليجية المشتركة (الفصل الثاني)، والاتحاد الاقتصادي والنقدي (الفصل الثالث). وتخصص الاتفاقية الجديدة فصلا مستقلا عن التكامل الإنمائي بين دول المجلس (الفصل الرابع)، وتنمية الموارد البشرية (الفصل الخامس)، وفصلا عن التعاون في مجالات البحث العلمي والتقني (الفصل السادس)، وعن النقل والاتصالات والبنية الأساسية (الفصل السابع).
إلا أن المسيرة السابقة برهنت على حاجة دول المجلس إلى آليات تنفيذ فاعلة تتجاوز مرحلة القوانين الاسترشادية والاستراتجيات البعيدة المدى والقرارات العليا إلى مرحلة آليات وبرامج التنفيذ الملزمة والقرارات التنفيذية لقرارات القمم. في الوقت نفسه يلاحظ تأخر العديد من الخطوات والقرارات المهمة في التنفيذ الفعلي، بما في ذلك الاتحاد الجمركي الموحد الذي تم تمديد الفترة الانتقالية إلى مطلع عام 2007. كما يفهم أيضا من تقرير الأمانة العامة بشأن إنجازات المجلس أنها لا تزال تدرس تكامل أسواق المال الخليجية وفتحها دون قيود؛ مما يعني غياب العمق الاستثماري الخليجي أمام مواطني دول المجلس. ويتحدث التقرير عن التوجه لدراسة وضع نظام ضريبي يطبق بصفة جماعية في دول المجلس بما في ذلك ضرائب القيمة المضافة، إلا أنه من المعروف تفاوت مستوى دخل الأفراد والمؤسسات بصورة ملحوظة في دول المجلس.
وبشأن البرنامج الزمني لتحقيق متطلبات الاتحاد النقدي، فقد تم خلال عام 2005 الاتفاق على معايير التقارب الاقتصادي اللازمة لقيام الاتحاد النقدي عام 2010، بالإضافة إلى الانتهاء من الشروط المرجعية لمسودة التشريعات والأنظمة الخاصة بالسلطة النقدية المشتركة، إلا أن هذا الموعد تم تأجيله لسنوات عديدة قادمة؛ نظرا للتحديات التي تواجه دول المجلس والمتمثلة في خروج العديد من أدوات السياسة النقدية والمالية عن السيطرة الفعلية لدول المجلس، بما في ذلك أسعار الفائدة ومقدار العجز ومعدلات التضخم. وجاء تدهور قيمة الدولار خلال العامين الماضيين ليسلط الضوء بشدة حول سلامة بقاء ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي.
وفيما يخص السوق الخليجية المشتركة التي أطلقت عام 2008، يتفق الجميع على استمرار وجود الكثير من القضايا المعلقة التي تحول دون تفعيلها بالكامل مثل عدم تحرير حرية الاستثمار في تأسيس البنوك والبورصات المالية والعقارات وتأسيس الشركات ومساواة المواطنين في العمل والتأمين الاجتماعي وحرية التنقل وغيرها. ولكي نوضح ذلك من خلال بعض المؤشرات الاقتصادية بخصوص تواضع حجم الاستثمارات والمبادلات الخليجية البينية، واستنادا إلى قاعدة معلومات الأمانة العامة لدول المجلس، فقد بلغ عدد المشاريع الخليجية المشتركة نحو ألف مشروع لم تتجاوز قيمة رؤوس أموالها 5.2 مليار دولار عام 2009 (وهي آخر إحصائيات متوافرة في القاعدة)، في حين بلغ عدد الشركات المساهمة الخليجية التي يسمح لمواطني دول المجلس التداول في أسهمها 646 شركة من مجموع نحو ألف شركة، ولم تتجاوز عدد فروع البنوك الخليجية في دول المجلس 16 فرعا، ولم يتجاوز عدد مواطني دول المجلس الذين يملكون عقارات في دول المجلس الآخر 61 ألف مواطن.
وعلى الرغم من اختفاء القيود الجمركية على التبادل التجاري، فإن المعوقات غير الجمركية، ولا سيما تلك التي تحصل في المنافذ الجمركية لا تزال تأخذ حيزا كبيرا من اجتماعات وزراء المالية والاقتصاد والأجهزة المعنية. وقد ارتفعت المبادلات التجارية البينية من 17.7 مليار دولار عام 2003 إلى 90 مليار دولار عام 2010، إلا أن نسبتها من مجموع التجارة الخارجية لدول المجلس لا تزال لم تتجاوز 15 في المائة. وهو المعدل نفسه الذي ظل سائدا طوال العقدين الماضيين تقريبا. علاوة بالطبع على قضايا عديدة لا تزال خلافية بشأن تطبيق الاتحاد الجمركي الموحد، من بينها آليات احتساب القيمة الجمركية وصندوق الإيرادات الجمركية وتوزيعه والتعويضات.
وعند الحديث عن التعاون في المجال الصناعي، فإن تقرير الأمانة العامة لا يزال يشير إلى وثيقة الاستراتيجية الموحدة للتنمية الاصطناعية التي أقرت في قمة مسقط عام 1985 ثم عدلت في قمة أبو ظبي عام 1998، إلا أن الجميع متفق على أن دول المجلس لا تزال تفتقد الوجود الفعلي لمثل هذه الاستراتيجية، على الرغم من مضي 25 عاما على وضعها، بل يبرز أمامنا واقع من التنافس الصناعي يكاد يخرج عن إطار السيطرة؛ لكون جميع هذه الدول لديها المواد الخام نفسها، وجميعها يعتمد على نفس قاعدة التنويع الاقتصادي.
وتفتخر دول المجلس بأنها حققت خطوات متقدمة في مجال التنمية البشرية، حيث جاءت جميعها في مراتب متقدمة في مؤشرات التنمية البشرية والإنسانية عربيا ودوليا، ولا شك أن التعليم والتدريب يحظيان بأولوية في الوقت الحاضر.
وقد وجه صندوق النقد الدولي أخيرا تحذيرا لدول مجلس التعاون الخليجي من تزايد أعداد البطالة في صفوف المواطنين الخليجيين، حيث يتوقع الصندوق ارتفاع أعداد العاطلين من مواطني دول المجلس بما يتراوح ما بين مليونين وثلاثة ملايين عاطل خلال السنوات الخمس المقبلة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات تصحيحية في أسواق العمل. وقال الصندوق: إن التقديرات تشير إلى نحو سبعة ملايين وظيفة تم توفيرها في أسواق العمل الخليجية خلال العقد الماضي، إلا أن نحو مليوني وظيفة فقط من هذه الوظائف ذهبت للمواطنين من دول المجلس. واستناد إلى توقعات الصندوق، فإن دول مجلس التعاون الخليجي ستتمكن من خلق ستة ملايين وظيفة جديدة خلال الفترة 2010 - 2015. ولكن يتوقع أن نحو ثلث هذه الوظائف الجديدة فقط ستذهب للمواطنين الخليجيين، ما لم تتغير سياسات التوظيف. وفي جانب العرض، فإن نحو أربعة ملايين ونصف مواطن خليجي سيدخلون سوق العمل خلال الفترة نفسها.
وكرد على الحديث بأن تجربة الاتحاد الأوروبي استغرقت 50 عاما لكي تصل إلى الوحدة الاقتصادية والسياسية، فلا شك أن نقطة البداية لهذه الدول تختلف تماما عن واقع دول المجلس سواء من حيث الوضع التاريخي، أو حالة الدمار الذي كانت تعيشه تلك الدول في أعقاب الحرب العالمية الثانية أو حجم ونوعية عوامل الوحدة التاريخية والثقافية والدينية والقومية التي تجمع دول التعاون اليوم.
ومع ذلك، بينما سارت التجربة الأوروبية نحو تقليص السيادة الوطنية لصالح المشروع الوحدوي الأوروبي يحدث العكس تماما في التجربة الخليجية، فالسيادة الوطنية لا تكتفي بحماية مكاسبها وحوزتها، ولكنها تزاحم السيادة الإقليمية للكيان الخليجي. إن الوحدة الاقتصادية بين دول المجلس تواجه اليوم معضلات اقتصادية يزداد وقعها سنة بعد أخرى ويتسع نطاق انعكاساتها على جوانب الحياة المختلفة بوتيرة متسارعة حتى أوشكت تلك المعضلات أن تخلف وراءها سلسلة من التبعات الاجتماعية والسياسية لم يحسن الاقتصاد الخليجي في الجملة التعامل معها حتى الآن.