04/01/2013
ساعد الاتفاق الذي تم في اللحظة الأخيرة من أجل الحول دون الوقوع فيما يسمى الهاوية المالية، على الإبقاء على مليارات الدولارات بعيداً عن ضرائب الشركات، حتى في الوقت الذي قلص فيه صافي الرواتب التي يتلقاها ملايين العاملين الأمريكيين. وفي مكان ما في عمق الصفقة التي تم الاتفاق عليها لتجنب الوقوع في الهاوية المالية، يقبع ما يزيد على 10 ثغرات ضريبية، سيستفيد منها كثير من الشركات المالية في وول ستريت، إلى جانب عدد من أكبر الشركات الأمريكية. هذه الإعفاءات الضريبية ستكلف مئات المليارات من الدولارات في السنة المقبلة، وهو ما يبرز قدرة ونفوذ جماعات الضغط التي تعمل لصالح الشركات. ووفقا لمصادر صحفية ومنها تلفزيون "تي في برس" الأمريكي، فإن هذه الصفقة كانت أقل رفقاً بالطبقة الوسطى. فقد سمح الكونجرس بانتهاء فترة الإعفاء في الضريبة المفروضة على الرواتب، وهذا يعني أن العبء الضريبي على الموظف الأمريكي المتوسط سيرتفع بمقدار ألف دولار تقريباً في عام 2013م. وقال فينياس باكساندال، وهو محلل أول لسياسة الضرائب والميزانية في مجموعة أبحاث الصالح العام في الولايات المتحدة: "هذا يبين لنا أن جماعات الضغط قادرة على الحصول على ما تريد حتى في الوقت الذي يتضور فيه الجميع جوعاً. كما أنه يثبت كذلك أن هذه الجماعات قادرة أفضل ما يمكن على الحصول على ما تريد عندما تكون أنظار جميع الناس منصرفة إلى اتجاه آخر". وهذه الثغرات الضريبية الخاصة بالشركات كانت جزءاً من صفقة متكاملة، تعرف باسم "تمديد الإعفاءات الضريبية"، وقد حُشِرت ضمن القانون الرئيس. وهذه الصفقة الخاصة بتمديد الإعفاءات، تمت الموافقة عليها للمرة الأولى في مجلس الشيوخ في أوائل آب (أغسطس)، تخلط المنافع العامة، من قبيل إعطاء حسميات ضريبية للمعلمين الذين يشترون اللوازم الصفية، بعمليات التخصيص والاقتطاع التي تقوم بها الشركات لمصلحتها الخاصة، من قبيل الإعفاء الخاص بما يسمى "التمويل النشط"، الذي يسمح للشركات التي تُحصِّل الفوائد على القروض التي تُصرف إلى جهات خارج الولايات المتحدة بأن تؤجل إلى أجل غير مسمى دفعَ الضريبة الأمريكية على هذا الفرع من الدخل. بل إن هناك إعفاءً ضريبياً يعطى مقابل إنشاء حلبات جديدة لسباق السيارات. يشار إلى أن قانون تمديد الإعفاءات الضريبية ووفق عليه لسنة واحدة فقط، ولا يزال المشرعون في حاجة إلى التغلب على عقبة أخرى محتملة: وهي المفاوضات المقبلة حول التخفيض الإلزامي في الإنفاق وحول سقف الدَّين. وقد أشار الرئيس أوباما وزعماء الكونجرس إلى أنهم يرغبون في التوصل إلى "اتفاق عظيم" حول الضرائب، الذي سيشتمل على معدلات ضريبية إجمالية أدنى، لكنه سيغلق مجموعة كبيرة من الثغرات في القانون. وتعتبر صناعة الخدمات المالية من أكبر المستفيدين من الإعفاءات الضريبية المعطاة للمصالح الخاصة. وقد ضم زعماء الصناعة في وقت مبكر جهودهم مع مجموعة من التنفيذيين في الشركات الأخرى، من أجل الضغط في سبيل التوصل إلى حل "منصف" للأزمة الطاحنة في المالية العامة. على سبيل المثال، فإن الإعفاء الخاص بالتمويل النشط، يسمح للمصارف من قبيل بنك مورجان ستانلي بأن يتجنب دفع 35 في المائة من الضريبة على الشركات الأمريكية، المفروضة على الفوائد المتحصلة من القروض المعطاة إلى جهات خارج الولايات المتحدة. وهناك عدد من الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات لديها شركات تابعة متخصصة في التمويل، مثل شركة فورد للسيارات وشركة جنرال إلكتريك، تستفيد كذلك من هذا الإعفاء من أجل تخفيض فاتورتها الضريبية، وتقدر التكلفة التي سيتحملها دافعو الضرائب على مدى سنتين بحدود 11.2 مليار دولارـ وفقاً للجنة المشتركة بخصوص الضرائب، وهي إحدى اللجان التابعة للكونجرس. وتجادل المؤسسات المالية الأمريكية بأن الإعفاء الخاص بالتمويل النشط أمر لازم بالنسبة إليها من أجل التنافس على الأسواق الأجنبية ضد المصارف الأجنبية التي تحمل عبئاً ضريبياً أقل من المصارف الأمريكية. وقد سبق أن ألغيت هذه الثغرة في قانون الإصلاح الضريبي لعام 1986م، لكن أعيد العمل بها في عام 1997م كإجراء مؤقت بعد الضغط الهائل الذي قامت به جماعات الضغط لصالح الشركات متعددة الجنسيات. يشار إلى أن هذا الإعفاء الضريبي هو جزء من مجموعة صغيرة من ثغرات الضرائب على شركات الوساطة المالية المتخصصة، التي تبلغ قيمتها أرقاماً كبيرة وتخص عدداً قليلاً من الشركات، بل إن هذه الشركات لها تحالفها الخاص الذي يضم مجموعة من جماعات الضغط، والذي يعرف باسم ’المجموعة العاملة للتمويل النشط‘، والذي يعمل كمثال رئيس على مدى الأهمية التي يحظى بها هذا الإعفاء من قبل الشركات التي يبلغ مجموعها العشرين أو نحو ذلك والتي تستفيد من الإعفاء المذكور. وقد تأسست المجموعة في عام 2005، وكانت تمارس عملها بهدوء خلال السنوات الأخيرة القليلة من إدارة الرئيس بوش، لكنها أخذت تزمجر بعد عودتها إلى الحياة مرة أخرى في عام 2009. وفي ذلك العام، استعان التحالف بخدمات ستيف إلمِندورف، الذي كان في السابق كبير المساعدين الديمقراطيين في الكونجرس، ثم تحول ليصبح مسؤولاً عن إحدى جماعات الضغط، وهي مؤسسة إلمِندورف ريان، التي حققت خلال السنوات الأربع السابقة أكثر من 1,2 مليون دولار من خلال رسوم عمليات الضغط التي حصلت عليها من المجموعة العاملة. وتشير تقارير الإفصاح الخاصة بجماعات الضغط إلى أن مقر التحالف كان في المكتب نفسه الذي يوجد فيه مبنى شركة إلمِندورف ريان، وأن العاملين في الضغط لصالح التحالف لم يكن لديهم إلا هدف واحد فقط، وهو حماية البند الخاص بالإعفاء الضريبي على التمويل النشط. وفي شركة إلمِندورف ريان كان لدى المجموعة العاملة للتمويل النشط فريق من أنجح المفاوضين. وكان جميع العاملين في الشركة، وعددهم ثماني مفاوضين، الذين يعملون على هذا الموضوع في أواخر سنة 2012م، كانوا موظفين سابقين في أقسام الكونجرس، ومعظمهم يتمتع بعلاقات قوية مع صناع السياسة الأقوياء، بمن فيهم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ هاري ريد (وهو ديمقراطي عن ولاية نيفادا) ورئيس اللجنة المالية لمجلس الشيوخ ماكس بوكَس (ديمقراطي عن ولاية مونتانا). ووفقاً لتقارير من مؤسسة العدالة الضريبة للمواطنين (وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى تحقيق نظام ضريبي مستدام وعادل)، فإن صناعة الخدمات المالية من الناحية العملية دفعت، خلال الفترة من 2008 إلى 2010، معدلاً ضريبياً يبلغ 15.5 في المائة، وهو معدل أدنى بكثير مما تدفعه معظم الصناعات الأخرى. كذلك فإن الكونجرس، كجزء من الاتفاق الخاص بتجنب الهاوية المالية، قام بتمديد العمل بإعفاء ضريبي غير معروف على نطاق واسع، وتستفيد منه كبرى الشركات متعددة الجنسيات من التي تبيع منتجات عن طريق شركات تابعة لها في الخارج. هذا الإعفاء على "الأموال العابرة" يسمح للشركات التي مقرها في الولايات المتحدة أن تقوم بإنشاء شركة جديدة في أحد الملاذات الضريبية، مثل جزر كايمان، وأن تمنحها امتياز إحدى براءات الملكية التي تمتلكها الشركة الأم في الولايات المتحدة. بعد ذلك يُحوَّل الريع المتحقق من ترخيص امتياز البراءة خارج الولايات المتحدة إلى الشركة المتمتعة بالملاذ الضريبي، بدلاً من الشركة الأم في الولايات المتحدة. وتقول اللجنة المشتركة حول الضرائب إن تكلفة تمديد العمل بهذا الإعفاء لمدة سنتين تبلغ 1.5 مليار دولار. ومن بين المنافع الضريبية غير العادية ضمن قانون الهاوية المالية هو إعفاء طال عليه الأمد حول إنشاء حلبات جديدة للسباق، وتستفيد منه ناسكار NASCAR، وهي عبارة عن شركة خاصة مملوكة لإحدى العائلات وتسيطر على برامج سباق السيارات في الولايات المتحدة. ومنذ عام 2004م، أقر الكونجرس سلسلة من الإجراءات المؤقتة التي تسمح لمالكي المجمعات الرياضية الخاصة بالسيارات بتسريع نفقات إطفاء التكاليف لديها. وهذا يعني أن بمقدور المالكين حسم مبالغ أكبر في النفقات، ما يقلل بالتالي الضرائب التي لا بد لهم من دفعها. وقد أنفقت الشركات المالكة لحلبات السباق وشركة ناسكار معاً مئات الآلاف من الدولارات على شكل أتعاب إلى جماعات الضغط خلال السنوات الخمس السابقة، وفقاً لاستمارات الإفصاح المالي المقدمة من جماعات الضغط. ومنذ عام 2008م أنفقت شركة International Speedway Corp، التي تمتلك وتدير حلبات السباق في ناسكار، أكثر من 1.1 مليون دولار كأتعاب لجماعات الضغط التي تعمل لصالحها في الكونجرس. وخلال الفترة نفسها أنفقت ناسكار أكثر من 300 ألف دولار على جهود الضغط في الكونجرس، التي اشتملت على ضغط من أجل "الإبقاء بصورة دائمة على الإعفاء الضريبي الخاص بإطفاء النفقات".