30/01/2013
لندن ستخسر قاعدة مهمة في المجال الأوروبيأوروبا.. مخاوف أمريكية من انسحاب بريطاني يعقبه تفكك للعملة الموحدة
العلاقة الخاصة بين واشنطن ولندن تجعل الأخيرة ليست في حاجة ماسة للاتحاد الأوروبي. وفي الصورة مشاة بجوار محال تجارية في لندن أمس الأول. إ.ب.أ
ما أن تطأ قدماك الأراضي الأمريكية وتبدأ بالتعرف على أهم القضايا التي تشغل بال شعب أقوى دولة في العالم، إلا وستجدهم مهتمين بالعديد من الصعوبات الداخلية، فالتحديات الاقتصادية تهيمن على تفكيرهم، والبطالة تشغلهم، وأزمة الديون الداخلية تقلقهم، وكيفية الحد من انتشار السلاح يزعجهم، والسيطرة على أعداد المهاجرين القادمين من المكسيك يؤرق مضاجعهم، والصراع بين الرئيس والكونجرس يشتت تفكيرهم.
لكن الهم الداخلي في أمريكا لا يمنعها من المراقبة من كثب لكل التطورات العالمية الراهنة والقادمة، والتعرف على الأخطار المقبلة ما عرف منها وما بطن. ربما لا تحتل هذه الأحداث الدولية اهتمام المواطن الأمريكي المشغول في عالمه اليومي، لكنك ستجدها بوضوح في صفحات التحليل والنقاش في الصحف الكبرى، وقبل هؤلاء البيت الأبيض الذي يعلق على كل الأحداث الدولية.
وكأن أمريكا لا يكفيها ما لديها من مشكلات داخلية ودولية، حتى يقوم أحد أقرب حلفائها الدوليين بإلقاء مزيد من المتاعب عليها. بريطانيا حليف أمريكا الصدوق في أوروبا والعالم الغربي، حين يقرر رئيس وزرائها ديفيد كاميرون إجراء استفتاء عام 2017م حول استمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، خطوة اعتبرها بعض الباحثين الأمريكيين في غير محلها في أقل تقدير بالنسبة لبريطانيا.
لكن البروفيسور عز الدين العياشي من جامعة سانت جونس في نيويورك يُبدي تفهما للخطوة البريطانية، ويقول لـ ''الاقتصادية'' إن بريطانيا دائما كانت تضع قدما واحدة فقط ولا تقف بشكل كامل مع أوروبا. ''هذا تقليد بريطاني، فلندن تشعر بالراحة أن تكون هناك مسافة بينها وبين أوروبا، فبالنسبة لها هذه المسافة تمنحها القدرة على موازنة مصالحها''.
وتابع: ''الآن تشعر بريطانيا أن هناك سوء إدارة للاتحاد الأوروبي وأنه إلى حد ما يغرق، وهي لا تريد أن تصاب بالنتائج السلبية لهذا''.
ولا يختلف الدكتور نبيل ميخائيل أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأمريكية مع هذا الرأي، لكنه يضيف إليه بعدا آخر يدفع بريطانيا لعدم الالتصاق الوثيق مع أقرانها في أوروبا.
وقال لـ ''الاقتصادية'' إن هناك علاقة ''مميزة دائما بين بريطانيا وواشنطن، أضف لذلك منظمة الكومنولث التي كانت تمد بريطانيا دائما بالكثير من المنتجات الزراعية والاحتياجات الاقتصادية التي تجعل بريطانيا ليست في حاجة ماسة للاتحاد الأوروبي''.
لكن لماذا تتجدد الدعوة في بريطانيا للانفصال اقتصاديا عن أوروبا؟ وما العوامل التي تعزز أو تضعف تلك الدعوات؟ يجيب ميخائيل في كلمتين: ''المواطن البريطاني''. ''المواطن العادي في بريطانيا يدرك أن هناك تكلفة للعضوية في الاتحاد الأوروبي، هذه التكلفة تعطي قوة دفع لحكومة كاميرون لاتخاذ خطوات إما الانفصال أو تبعد بريطانيا عن الاتحاد مع الاحتفاظ بالعضوية''.
ويتوقع الدكتور عز الدين العياشي أن بريطانيا لن تنسحب من الاتحاد الأوروبي، ويشرح ذلك بالقول: ''البريطانيون لهم العديد من المصالح مع أوروبا بعضها اقتصادي والآخر سياسي وأمني، ومن ثم دعوته هي دعوة للاستهلاك السياسي الداخلي، ولا يوجد شيء أكثر من هذا''.
وتجد هذه الرؤية تأييدا لها من داخل بريطانيا، حيث يعزز ذلك البروفيسور جون بيترسون من جامعة إدنبرا في اسكتلندا بالقول إن ''الأمر يتعلق بأكمله بالمشكلات السياسية لحزب المحافظين الذي يتزعمه كاميرون، فالعديد من نواب الحزب في مجلس العموم يعادون بشراسة الاتحاد الأوروبي، خاصة مع تزايد التحديات التي يواجهونها من حزب الاستقلال البريطاني المعادي للوحدة الأوروبية''.
وأضاف لـ ''الاقتصادية'' أن الأمر مرتبط بالسعي للحصول على أصوات ناخبي حزب الاستقلال ذي التوجهات اليمينية. وأكد أن دعوة رئيس الوزراء كاميرون ستعزز دعوى الاستقلال عن بريطانيا في اسكتلندا. ''الحزب الوطني الاسكتلندي الحاكم في اسكتلندا والمنادي بالانفصال عن بريطانيا أعلن بشكل واضح أنه يختلف مع كاميرون، وأن الشعب الاسكتلندي يريد البقاء في الاتحاد الأوروبي''.
ورغم أن دعم كبار رجال الأعمال لقرار كاميرون فيه رغبة أن يكونوا في قوقعتهم الداخلية وفقا للدكتور عز الدين العياشي، واعتبره لا ينسجم مع مصلحة المستهلك البريطاني، فإنه يذكر بوجود مجموعات أخرى قوية في المجتمع البريطاني ترفض الانفصال، ومن بين هؤلاء جماعات حقوق الإنسان.
''هذه الجماعات تعزز قدرتها بعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، حيث تسمح لهم العضوية بالاستفادة من قدرات مؤسسات الاتحاد في هذا المجال''. ويضيف العياشي: ''أعتقد أن استطلاع شامل للرأي العام يضم المستهلكين وصغار رجال الأعمال سيعطي صورة أوضح عن حقيقية القوى التي تدعم كاميرون. سنحصل على صورة أكثر تعقيدا مما قد نفهمه من تأييد كبار رجال الأعمال لرئيس الوزراء البريطاني''.
من جهته، يقول الدكتور نبيل ميخائيل إن المعارضين سيكونون دائما هم من يرفضون فكرة القوانين المنظمة التي تصدر في بروكسل وتطبق في بلدان الاتحاد الأوروبي. ''أعتقد أن قطاع الصناعة ربما يحفز الانسحاب بسبب القوانين البيئية المتشددة التي تصدرها بروكسل، قطاع التكنولوجيا الساعي لاكتشاف الآفاق المتاحة له في بلدان مثل الصين ودول أخرى دون شراكة مع أوروبا، مثل هذه القطاعات ستتحمس للفكرة''.
وحول مصلحة واشنطن في بقاء أو انسحاب لندن من التكتل الأوروبي يعتقد الدكتور عز الدين أن الانسحاب ''ليس في مصلحة أمريكا أو أوروبا، فواشنطن تريد أن ترى سوقا أوروبية واحدة، وعملة أوروبية مشتركة، وقوانين تجارية موحدة. هذا أفضل للنشاط التجاري''.
ويضيف العياشي: ''كما أن ثمة مخاوف لدى أمريكا بأن يتبع انسحاب لندن دومينو سياسي بانسحاب دول أوروبية أخرى، وهي الدول التي لم تشعر أخيرا بالراحة في البقاء ضمن بلدان الاتحاد''.
ويوسع البروفيسور جون نطاق الرؤية قائلا: ''الأمريكيون يتابعون بقلق قضايا الاستفتاء على الوحدة في أوروبا، فهناك استفتاء بشان بقاء اسكتلندا في بريطانيا، وآخر حول بقاء منطقة كتالونيا في إسبانيا، ثم استفتاء كاميرون''.
''لهذا فإن السفير الأمريكي السابق في لندن رايموند ستيز أوجز الموضوع قائلا إن تأثير بريطانيا في واشنطن مرتبط بقدرتها على التأثير في ألمانيا وباريس وروما وبلجيكا أي في الاتحاد الأوربي''.
ولا يتفق الدكتور عز الدين مع وجهة النظر تلك، ويقول: ''إذا انسحبت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبالأخذ في الحسبان العلاقة الراهنة بين لندن وواشنطن، فإنها ستستمر وربما تزداد قوة، فبريطانيا كانت دائما شريكا تجاريا وأمنيا قويا لنا وسنظل نحافظ على هذا''.
وتابع: ''لكن سيكون هناك مشكلات لواشنطن بشأن التعاون مع الاتحاد الأوروبي كمنظومة اقتصادية، وكذلك التعاون مع بريطانيا في الوقت ذاته. أعتقد أن انسحاب كاميرون من أوروبا سيؤثر في أوروبا وليس فينا''. من جهته، يقول الدكتور ميخائيل إن بريطانيا ستخسر كثيرا في وضعها الدولي والاقتصادي والدبلوماسي، ''وستنتهي لا قوة أوروبية أو أمريكية، لذلك هناك تقييم سلبي من واشنطن لهذه الخطوة البريطانية''.
وأضاف: ''التحالف سيستمر لكن لندن ستخسر قاعدة مهمة لها وهي المجال الأوروبي، ولن يعوضه تعزيز العلاقات مع كندا أو أستراليا أو بلدان الكمنولث أو حتى علاقتها الخاصة مع أمريكا. الأفضل لبريطانيا الحفاظ على علاقات خاصة مع أمريكا مع الاحتفاظ بعضويتها في الاتحاد''.
ويختصر البروفيسور جون الأمر بالقول: ''ستظل بريطانيا حليفا دائما لأمريكا حتى لو انسحبنا من المنظومة الأوروبية، لكن خروجنا منها سيعني أن نكون حلفاء ولكن ضعفاء''.