25/02/2018
نمت صناديق التحوط بقوة منذ بروزها في أربعينيات القرن الماضي، بحيث باتت الآن مؤسسات اقتصادية تؤثر وتتأثر بشدة بمسارات الاقتصاد العالمي.
وبخلاف ما قد توحي به كلمة "التحوط" من تقليل المخاطر، فإن صناديق التحوط ترمي إلى تحقيق أقصى ربح ممكن للمستثمرين فيها، بما يتضمنه ذلك بطبيعة الحال من درجة عالية من المخاطرة.
وصناديق التحوط هي صناديق استثمارية تستخدم سياسات وأساليب استثمار متطورة، لتحقيق معدلات ربحية تفوق المتوسط العام للأرباح في السوق، وحيث إن تحقيق معدلات ربح مرتفعة هدف المسؤول عن إدارة صندوق التحوط، فإنه لا يكن ولاء لأي من الأصول المتعامل بها، وبالطبع فإن ذلك يتطلب درجة عالية من التنوع في الأساليب الاستثمارية التي يلجأ إليها المسؤول عن الصندوق.
وتظهر الاستطلاعات الدولية بين كبار المستثمرين في صناديق التحوط تفاؤلا ملحوظا بما سيحققونه من أرباح هذا العام، ويعد ذلك التفاؤل امتدادا للنجاحات التي حققتها صناديق التحوط العام الماضي، الذي كان الأفضل أداء منذ عام 2014.
إلا أن إيان نيكول المختص الاستثماري يعتقد أنه "على الرغم من العام الماضي يصنف على أنه الأفضل أداء بالنسبة إلى صناديق التحوط منذ عام 2014، إلا أنها لم تكن أفضل القنوات الاستثمارية".
ويوضح لـ "الاقتصادية"، أن تلك الصناديق "تمكنت من تحقيق متوسط عائد يقدر بـ 6.5 في المائة، لكنها مع ذلك لا تزال بعيدة عما تم تحقيقه في عام 2014 عندما قارب العائد 10 في المائة، كما أنها ضعيفة الأداء مقارنة بمؤشر ستاندرد آند بورز 500 الذي تمكن من تحقيق عائد بنحو 21.8 في المائة العام الماضي.
ومع هذا، يفسر ماك راسل المختص المالي في بورصة لندن مناخ التفاؤل لدى المستثمرين في صناديق التحوط قائلا "التفاؤل ناجم عن أن 2017 كان أول عام منذ أربع سنوات الذي تحقق فيه صناديق التحوط أهدافها، وبعض تلك الصناديق حقق أرباحا بمعدل 7.97 في المائة مقابل 2.99 في المائة عام 2016".
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "دويتشه بنك" الألماني يتوقع وصول صافي التدفقات المالية لصناديق التحوط هذا العام إلى 41 مليار دولار، مقابل عشرة مليارات دولار العام الماضي، ما يرفع إجمالي الأصول في صناديق التحوط على مستوى العالم إلى 3.42 ترليون دولار أمريكي.
ويرجع بعض المختصين الانتعاش المتوقع في أداء صناديق التحوط هذا العام إلى خطة الإصلاح الضريبي لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب التي أقرها الكونجرس، إذ يتوقع أن تصب تلك الإصلاحات في مصلحة كبار المستثمرين ورجال الأعمال.
وستسهم تلك الإصلاحات في إضفاء الديناميكية على عالم الأعمال في الولايات المتحدة وتشجع المناخ الاستثماري، وبالفعل فقد حققت صناديق التحوط نتائج جيدة في الشهر الماضي، إذ ارتفعت بنسبة 2.8 في المائة، وتعد تلك أفضل بداية لها منذ عام 2006.
ومع توقع المختصين مزيدا من الاضطراب في أداء في سوق الأسهم، فإن صناديق التحوط تطرح نفسها بديلا استثماريا أكثر جاذبية، ويوضح لـ "الاقتصادية"، جاكوب دين المختص المالي في بورصة لندن، أنه "على الرغم من البداية القوية لصناديق التحوط هذا العام، والهزة التي انتابت أسواق الأسهم، إلا أن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 لا يزال يحقق عائدا إجماليا قدرة 5.7 في المائة، ولهذا لن يكون أمام مديري صناديق التحوط غير التنقل بين الأسواق المتقلبة مستغلين التخفيضات الضريبية في الولايات المتحدة، والخطة الأمريكية لإصلاح البنية الأساسية، وتراجع السياسات النقدية التقليدية، والسعي إلى تحقيق أعلى استفادة ممكنة من الفجوات السعرية في سوق الأسهم على المستوى الدولي".
وقد اعتبر البعض التراجع الذي شهدته أسواق الأسهم في الأسابيع الأخيرة فرصة ذهبية لصناديق التحوط لتعزيز قدرتها الاقتصادية، وتسود قناعات لدى كثير من مديري صناديق التحوط بأن أزمة سوق الأسهم ستتكرر.
إل. آر. نايجل نائب المدير التنفيذي لصندوق التحوط "مان جروب" يرى أن "الاضطرابات في سوق الأسهم ستؤدي إلى تحول المستثمرين إلى صناديق التحوط، كما أن صناديق التحوط يمكنها الاستفادة بقوة من التراجعات السعرية للأسهم، وعلينا أن نتخيل حجم الأرباح التي يمكن أن نحققها نتيجة خسارة سوق الأسهم حول العالم نحو أربعة تريليونات دولار نتيجة تراجع قيمة الأسهم في الأسابيع الأخيرة، فالهزة التي انتابت الأسواق هزة أولية، لكن الهزة الكبرى لم تحدث بعد".
وأظهر مسح أن نحو نصف المستثمرين في صناديق التحوط يعتقدون أن الأسهم قد وصلت إلى ذروتها في نهاية العام الماضي، لذلك فهم يخططون للعودة إلى صناديق التحوط لإدارة التقلب المقبل.
وذكر التقرير الصادر عن شركة "بريشين"، أن أكبر حصة من المستثمرين تخطط لزيادة تعرضها لصناديق التحوط على مدى خمس سنوات وبداية من العام الجاري.
كما يخطط نحو نصفهم للإبقاء على تلك المخصصات خلال العام المقبل، "الأمر الذي من شأنه أن يقلل الشغف تجاه أسواق الأسهم"، وأوضح التقرير أن نحو 45 في المائة من المستثمرين يعتقدون أن أسواق الأسهم بلغت ذروتها في نهاية 2017.
من جانبها، ذكرت إيمي بنستيد، رئيس منتجات صناديق التحوط في "بريشين"، أنه بعد فترة طويلة من تراجع ثقة المستثمرين وصافي التدفقات النقدية الخارجة، "فإن صناعة صندوق التحوط الآن تشهد نهضة بين المؤسسات"، مشيرة إلى أن هذا التطور في الأداء قد يكون أكبر مع التوقع بالاتجاه التصحيحي في أسواق الأسهم.
وفي العام الماضي حققت أسواق الأسهم العالمية مكاسب كبيرة لم تحدث قبل ذلك على الإطلاق، لكن منذ نهاية يناير الماضي فقدت مكاسبها في عملية بيع واسعة أرجعها البعض إلى حركة تصحيحية في الأسواق.
ويحذر بعض المختصين من أن تنقلب الآية إذا قام "الفيدرالي الأمريكي" برفع أسعار الفائدة إلى معدلات تنفر المستثمرين من الاستثمار، ويؤكد لـ "الاقتصادية"، إيان نيكول المختص الاستثماري، أن رفع معدلات الفائدة سيوجد حالة من الاسترخاء الاستثماري، وسيفضل عديد من المستثمرين إيداع اموالهم في المصارف وتفادي المخاطرة، وهذا سيلحق الضرر بكل من سوق الأسهم وصناديق التحوط، وإذا زاد "الفيدرالي الأمريكي" أسعار الفائدة بنسبة 100 إلى 125 نقطة أساس فستنخفض أسعار الأصول وسيخسر الجميع.
ويتهم بعض الاقتصاديين صناديق التحوط بلعب دور رئيسي في توسيع الفجوة بين الأثرياء والفقراء في العالم، فقد أضاف 45 مليارديرا إلى ثرواتهم عدة مليارات العام الماضي، وعززوا بذلك مكانتهم في عالم الأثرياء بفضل استثماراتهم في صناديق التحوط.
الملياردير جورج سوروس أبرز هؤلاء جميعا، فهو أكثر مليارديرات العالم استثمارا في صناديق التحوط، حيث تقدر استثماراته الصافية بنحو 25.2 مليار دولار، وقد استأجر أخيرا "فيتز باتريك" وهي واحدة من أبرز المديرات في وول ستريت، لإدارة محفظته الاستثمارية الخاصة ضمن صندوق التحوط الذي يترأسه ويصل رأسماله إلى نحو 30 مليار دولار
فيما يحتل جيمس سيمونز المرتبة الثانية في مجال الاستثمار في صناديق التحوط، الذي يعد أحد عباقرة التداول الكمي، والعقل الموجه لشركة "رينيسانس" للتكنولوجيا.
ورغم تقاعد سيمونز من إدارة صندوق التحوط الخاص به عام 2010، إلا أنه لا يزال يلعب دورا رئيسيا في إدارة الشركة مستفيدا من أدائها المميز حيث بلغ رأسمالها 36 مليار دولار، بينما بلغت ثروته الشخصية 18 مليار دولار.
ويعد الملياردير راي داليو مؤسس أكبر صندوق تحوط في العالم وهو صندوق "بريدج ووتر إسوسياتس" الذي يدير نحو 160 مليار دولار، بينما تقدر ثروته الشخصية بنحو 16.8 مليار دولار.
وتتعرض صناديق التحوط لانتقادات كبيرة من مستثمرين كبار، على غرار بيل جروس، وستيف كوهين، ووارن بافيت، الذين يقولون "إنها استثمارات محاطة بكثير من التحفظ".