توقع مختصون نفطيون أن تقترب أسعار النفط من مستويات 60 دولارا للبرميل خلال الربع الرابع من العام الجاري. مرجحين أن يكون عامل العرض أكثر تأثيرا من الطلب على السوق، ما لم تحدث تطورات اقتصادية كبيرة في الصين أو أوروبا وأمريكا من شأنها تغيير اتجاهات الأسعار.
وقالوا في تصريحات لـ "الاقتصادية"، "إن السوق مقبلة على مرحلة "مواجهة" سيكون الرابح فيها المنتجون أصحاب النفس الطويل"، مشيرين إلى أن أي تدخل لدعم أسعار النفط دون المساس بالحصة السوقية للدول المنتجة أمر يصعب تحقيقه في الوقت الراهن في ظل الانقسامات في "أوبك" بين فريق يؤيد اعتماد سياسة خفض الإنتاج من أجل دعم الأسعار وفريق آخر يرى أحقية كل دولة منتجة للنفط في المحافظة وحماية حصصها السوقية.
وتوقع كامل الحرمي، مختص كويتي في قطاع النفط، بقاء أسعار النفط قرب 50 دولارا خلال الفترة المتبقية من النصف الثاني، ما لم يحدث توافق وتفاهمات تفضي إلى اتفاق مثمر بين السعودية وروسيا حول الالتزام بمعدلات أنتاج محددة، مشيرا إلى أن السعودية وروسيا يمثلان قطبي منتجي النفط في العالم.
وأشار الحرمي إلى أن التخمة الحالية في الأسواق العالمية بحاجة إلى تعاون استراتيجي بين السعودية وروسيا، لذا أن يكون هناك توافق والتزام بين الدولتين بمعدل معين لإنتاج النفط للمحافظة على الأسعار عند مستويات معنية يكون في مصلحة المنتجين والمستهلكين، مشيرا إلى أن هذا التعاون من شأنه المساعدة على تحقيق معدلات أعلى لأسعار النفط.
وقال الحرمي، "إن زيادة الإنتاج من بعض الدول مثل إيران ونيجيريا تعتبر زيادة غير مؤثرة بشكل كبير في تحديد مسار أسعار النفط بقدر تأثير الكميات التي تنتجها السعودية وروسيا"، مضيفا أن "الجميع ينتج الآن حسب قدرته الإنتاجية، حيث إن الالتزام بسقف إنتاج محدد أصبح من النقاط المستحيلة التي يمكن الاتفاق بشأنها بين المنتجين للنفط، لذا فإن أسعار النفط ستكون متقلبة خلال النصف الثاني، إلا أن معدل الأسعار سيكون ما بين 40 إلى 50 دولارا للبرميل"، مشيرا إلى أن الانخفاض الذي حدث في أسعار النفط يعود أساسا إلى استمرار مخاوف المنتجين من حدوث تخمة في المعروض في الأسواق العالمية يقابله ضعف في الطلب من قبل المستهلكين.
لكن الدكتور عمرو كردي أستاذ المحاسبة النفطية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن يرى خلاف ما ذهب إليه الحرمي، مشيرا إلى أن أي اتفاق بين السعودية وروسيا أو بين أي دول أخرى منتجة للنفط للالتزام بمعدلات إنتاج محددة سيكون تأثيره على المدى القصير فقط.
وأضاف كردي أنه "طالما هناك منتجون خارج منظومة "أوبك" قادرون على زيادة إنتاجهم بشكل كبير مثل أمريكا، فإن مثل هذه التفاهمات تكون على مدى تأثير قصير ووقتي، ولن يكون تأثيرها على المدى البعيد وهي غير مجدية في تحسين وضع السوق سواء من حيث الإنتاج أو الأسعار".
وتابع كردي أن "أي تقليص في حصص المنتجين في السوق من أجل رفع الأسعار، سيكون في مصلحة المنتجين الآخرين من خارج "أوبك" الذين ينتظرون مثل هذه الخطوة للاستحواذ على هذه الحصص"، وأردف قائلا "إن أي تدخل من أجل خفض الإنتاج يعني التخلي عن الحصص في السوق".
وأشار كردي إلى أن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي أثار بعض المخاوف لدى الأوروبيين أنفسهم بأن تنعكس تداعياته على اقتصادهم ما شكل ضغطا على أسعار النفط وتسبب في نزول الأسعار إلى المستويات الحالية، لافتا إلى أن المخاوف والتوقعات للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي كانت تشير إلى حدوث انخفاض في الطلب على النفط، لكن لذلك لم يكن مؤثرا كبيرا في تحديد مسار الأسعار، وبالتالي حاليا لا توجد عوامل بعينها يمكن أن تزيد من حجم الطلب على النفط في ظل عدم وجود معدلات نمو اقتصادي للدول المستهلكة للنفط سواء في أوروبا أو آسيا.
ويرى كردي، أن الأسعار ستعاود الارتفاع مجددا بعد تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، إلا أنه استبعد حدوث ارتفاع في أسعار النفط بشكل كبير خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، ما لم تطرأ عوامل اقتصادية أو خلافات سياسية قد تدفع النفط إلى الارتفاع، متوقعا أن تظل أسعار النفط ما بين 55 إلى 60 دولارا، مبينا أن العوامل المساعدة على ذلك تتمثل في دخول فصل الشتاء، والتراجع الحاصل الآن في كمية مخزون النفط في الولايات المتحدة الأمريكية، وقلة ضخ النفط غير التقليدي في الأسواق الذي كان سببا في تراجع الأسعار.
ونوه كردي، بأن الانخفاض في العرض والمخزون سيكونان عاملين رئيسيين لعودة أسعار النفط إلى الارتفاع مجددا، وخلال المرحلة المقبلة سيكون العرض أكثر تأثيرا من عامل الطلب ما لم تحدث تطورات جيوسياسية أو اقتصادية كبيرة في الصين، وأوروبا، وأمريكا تسهم في زيادة الطلب على النفط، مضيفا أن "السوق تدخل الآن مرحلة "مبارزة" سيكون الرابح فيها المنتجين أصحاب النفس الطويل". بدوره، قال حجاج بوخضور، المختص الكويتي في شؤون النفط، "إن أداء السوق في النصف الثاني سيكون أفضل من النصف الأول، والأسعار ستتجه إلى ملامسة مستوى 60 دولارا للبرميل، وسبق أن اتجهت إلى هذا المستوى قبل أسابيع"، مشيرا إلى أن المحفزات وراء الارتفاعات السابقة في الأسعار ما زالت قائمة، ما يدعم توجهها نحو بلوغ 60 دولارا للبرميل، إلا أن مستوى أداء 2016 سيكون في حدود 45 دولارا، وهذا يعتبر أفضل من التوقعات التي أشار إليها عديد من الهيئات والمنظمات الاقتصادية العالمية والمحللون بأن أسعار النفط قد تصل إلى مستوى 20 دولارا ودون ذلك، وهذا لم يحدث. وأوضح بوخضور، أن هناك زيادة في الطلب على النفط يقابلها تراجع في الإنتاج الأمريكي، والتراجع عن ضخ استثمارات وتنفيذ خطط كثيرة جدا في قطاع النفط كانت معتمدة عندما كانت أسعار النفط مرتفعة عند مستوى 100 دولار للبرميل، مشيرا إلى أن هذه الاستثمارات والخطط لا يمكن أن تستمر وتنفذ وأسعار النفط دون 60 دولارا.
وأضاف بوخضور، أن "هذه الاستثمارات تقاوم الآن من أجل الاستمرار والبقاء لكنها وصلت إلى الرمق الأخير، لذا بدأت في التراجع، ما يعني أن الاعتماد على نفط "أوبك "في تزايد مستمر"، مشيرا إلى أن الاعتماد على دول تستثمر في القطاع من خارج "أوبك" أصبح غير ذي جدوى إذا بقيت أسعار النفط دون 60 دولارا للبرميل.
من جهته، قال علي يعقوب، المختص البحريني في قطاع النفط، "إن انخفاض الأسعار جاء كردة فعل لبيانات أمريكية عن وجود زيادة غير متوقعة في مخزوناتها من النفط، الأمر الذي أثار مخاوف المنتجين من حدوث تخمة في المعروض في السوق بسبب مؤشرات تشير إلى تباطؤ في نمو الاقتصاد الأمريكي"، مضيفا أن "الأسعار سرعان ما ستعاود الارتفاع مجددا حتى بلوغها مستوى 50 دولارا للبرميل خلال الفترة المتبقية من النصف الثاني للعام الجاري، حيث يرتفع الطلب على النفط في فصل الشتاء".