مالت أسعار النفط في الأسواق الدولية أمس إلى الارتفاع وسط تزايد الآمال في السوق بنجاح منتجي "أوبك" في تخفيض الإنتاج وعزز هذا الاتجاه هبوط المخزونات النفطية الأمريكية وانخفاض الدولار إلى جانب تحسن مستويات الطلب.
وتلقى السوق بردود فعل إيجابية تصريحات المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية التي أكد فيها أن أسواق النفط بلغت أقصى المنحنى النزولي وأن الفترة المقبلة ستشهد توازنا بين العرض والطلب.
ويتطلع السوق إلى نتائج حدثين مهمين يعقدان خلال الأيام المقبلة أولهما زيارة وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك إلى الرياض يومي 22 و23 من الشهر الجاري ومباحثاته المهمة مع نظيره السعودي وثانيها عقد منظمة "أوبك" اجتماعا تشاوريا مهما مع المنتجين من خارج "أوبك" في فيينا يوم 29 من الشهر الجاري.
وأعلنت منظمة "أوبك" عن إطلاق تقريرها السنوى عن تقييم وتوقعات سوق النفط الخام لعام 2016 لأول مرة خارج مقرها الرئيسي في فيينا حيث سيعقد مؤتمر صحافي دولي موسع في الإمارات يوم 8 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل للإعلان عن هذا التقرير وذلك على هامش مؤتمر ومعرض أبوظبي الدولي للبترول "أديبك" لعام 2016.
غلى ذلك، أكد محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أن المنظمة لديها الإرادة القوية من أجل تنفيذ اتفاق الجزائر الخاص بتقييد الإنتاج حيث سيتم التوافق على آليات هذا الخفض خلال الاجتماع الوزاري للمنظمة الشهر المقبل مشددا على ضرورة مواصلة العمل على تحقيق الاستقرار والتوازن والاستدامة في سوق النفط الخام.
وقال باركيندو - في معرض مناقشة بيئة السوق الحالية للنفط ضمن أعمال مؤتمر النفط والمال في لندن بالاشتراك مع المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، الدكتور فاتح بيرول - إن اتفاق الجزائر يهدف إلى السيطرة على وفرة وتخمة المعروض خاصة الجانب المتعلق بوجود مستوى عال من المخزونات النفطية التي تراكمت في السنوات الأخيرة وكانت سببا رئيسيا في وجود حالة فائض العرض.
وأضاف باركيندو أن تخمة الإمدادات في السنوات الأخيرة جاءت في أغلبها من مناطق الإنتاج عالي التكلفة مشيرا إلى أهمية العمل على سحب الفائض بشكل مستمر من أجل تسريع عملية إعادة التوازن في السوق.
وأكد باركيندو على أهمية دور المنتجين من خارج منظمة أوبك في عملية استعادة الاستقرار والتوازن في السوق مشيرا إلى أن الاتصالات والمشاورات معهم قائمة ومستمرة وأن أوبك ستعقد اجتماعا مهما مع منتجي المنظمة، في 29 من الشهر الجاري في فيينا.
وعبر باركيندو وبيرول عن قلقهما من التراجع الحاد والهبوط الملحوظ في مستوى الاستثمارات النفطية خلال الدورة الاقتصادية الحالية كما ناقشا أيضا العديد من القضايا الأخرى بما في ذلك التكنولوجيات الجديدة، والطلب على النفط وتغير المناخ وسياسات الطاقة.
وأشار باركيندو إلى أن استعادة الاستثمارات إلى المستويات الملائمة التي تضمن تحقيق النمو المستدام في الصناعة أمر حيوي لافتا إلى أن أحدث توقعات أوبك لتنمية صناعة النفط العالمية تؤكد الحاجة إلى زيادة الاستثمارات المرتبطة بالنفط إلى نحو عشرة تريليونات دولار حتى عام 2040.
ومن جانبه، أكد بيرول أن الانخفاض الأخير في الاستثمارات النفطية لم يسبق له مثيل في تاريخ صناعة النفط موضحا أن الحاجة إلى استثمارات جديدة ليست قاصرة فقط على الحقول الجديدة ولكنها ضرورة أيضا لمعالجة الانخفاض الطبيعي والسريع في الحقول القائمة بالفعل.
وكان بيرول قد أكد في تصريحات سابقة له أنه إذا وصلت أسعار النفط إلى 60 دولارا للبرميل فإن منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة سيستغرقون 6 أشهر للاستفادة من هذه الطفرة في الأسعار وهو ما هدأ المخاوف من تأثير نشاط الإنتاج الصخري الأمريكي من جديد على حالة وفرة المعروض في السوق.
من ناحيته، أوضح لـ "الاقتصادية"، ألان ماتيفاود مدير الأبحاث في عملاق الطاقة "توتال"، أن زيارة وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك للسعودية ستسهم على نحو واسع في تنسيق المواقف بين المنتجين مما يمهد لنجاح التوافق على خفض الإنتاج خلال الاجتماع الوزاري لـ"أوبك" الشهر المقبل.
وأضاف ماتيفاود أن اجتماع اللجنة الفنية التي تمثل منتجي أوبك والمنتجين من خارج "أوبك" في فيينا هذا الشهر يجب أن ينتهي من كل التفاصيل التي تبلور أطر التعاون المشترك بين الجانبين وتعجل بعودة الاستقرار والتوازن بين العرض والطلب في السوق.
وقال لـ "الاقتصادية"، إيفيليو ستايلوف المستشار الاقتصادي البلغاري في فيينا، إن التعاون السعودي الروسي يشهد تطورات جيدة وسيكون لها انعكاسات إيجابية على السوق مشيرا إلى أن هذا التعاون لا يركز فقط على إنتاج النفط والدليل المباحثات التي جرت أخيرا على مستوى نائبي وزيري الطاقة وقيادات الشركات الروسية حول التعاون التكنولوجي وشملت التقنيات الحديثة في إنتاج النفط وكيفية الاستفادة من الغاز المصاحب.
ومن جانبه، أوضح لـ "الاقتصادية"، رينيه تسفانيبول مدير شركة "طاقة" في هولندا، أن هناك توافقا دوليا بين كل المنظمات الدولية التي تمثل المنتجين والمستهلكين مثل "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية على ضرورة دفع نمو الاستثمارات النفطية التي تراجعت – بحسب تقديرات المنظمات الدولية – بنحو 300 مليار دولار في عامين وهو ما يهدد أمن الإمدادات في السنوات المقبلة.
وشدد تسفانيبول على أن تحسن الأسعار قادم وهو سينعكس بالإيجاب على الاستثمارات سواء مرتفعة التكلفة كما في الولايات المتحدة أو منخفضة التكلفة كما في الشرق الأوسط مشيرا إلى أن المنتجين يجب ألا يهدروا فرصة التوافق القادمة من أجل استعادة التوازن في السوق خاصة بعد انكماش الاستثمارات النفطية بنحو 25 في المائة خلال العام الحالي.
من جهة أخرى، وعلى صعيد الأسعار، فقد ارتفعت أسعار النفط بنحو 1 في المائة أمس مدعومة بمؤشرات على تراجع إنتاج الخام في الصين وهبوط المخزونات الأمريكية فيما دعمت أيضا تصريحات متفائلة من أوبك بشأن خفض مزمع للإنتاج السوق.
وأفاد متعاملون أن انخفاض الدولار بوتيرة طفيفة دعم ارتفاع أسعار النفط أيضا إذ يجعل شراء الخام أرخص تكلفة للدول التي تستخدم عملات أخرى ما قد يحفز الطلب.
وبحسب "رويترز"، فقد جرى تداول خام القياس العالمي مزيج برنت في العقود الآجلة عند 52.42 دولار للبرميل مرتفعا 74 سنتا فيما صعد خام غرب تكساس الأمريكي الوسيط 73 سنتا إلى 51.02 دولار للبرميل.
وقال المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية إن أسواق النفط بلغت نهاية منحنى نزولي حاد في الوقت الذي تتحسن فيه العوامل الأساسية ويستعيد العرض والطلب توازنهما.
ودعا الوزير منتجي النفط من خارج منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" للمساهمة في تحقيق استقرار بالسوق قائلا إن دورهم مهم شأنهم في ذلك شأن دور أعضاء "أوبك"، مشيرا إلى أن قوى السوق تعمل بوضوح بعد فترة اختبار لأسعار النفط عند أقل من 30 دولارا للبرميل، مضيفا أن الطلب على النفط يتزايد بمعدل جيد رغم تباطؤ النمو العالمي.
وفي الوقت الذي تستعد فيه أكبر الدول المصدرة للنفط لمناقشة أول خفض للإنتاج في ثمانية سنوات الشهر المقبل فإن ضغط الانخفاض المستمر في أسعار النفط على المنتجين ذوي التكلفة المرتفعة بات واضحا.
وانخفض إنتاج الصين من النفط الخام 9.8 في المائة إلى 3.89 مليون برميل يوميا قرب أدنى مستوياته في ست سنوات وذلك في ثاني أكبر تراجع على أساس سنوي في تاريخها.
قال معهد البترول الأمريكي إن مخزونات الولايات المتحدة من الخام تراجعت على غير المتوقع الأسبوع الماضي في حين زادت مخزونات البنزين وانخفضت مخزونات نواتج التقطير.
وأفاد المعهد الأمريكي أن مخزونات الخام انخفضت 3.8 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 14 تشرين الأول (أكتوبر) إلى 467.1 مليون برميل.
وتراجع مخزونات الخام 3.8 مليون برميل على مدى الأسبوع إلى 467.1 مليون مقارنة بتوقعات المحللين بأن تزيد 2.7 مليون برميل، وهبطت مخزونات الخام بنقطة التسليم في كاشينج بولاية أوكلاهوما مليوني برميل.
وارتفعت مخزونات البنزين 929 ألف برميل بينما توقع المحللون في استطلاع أن تنخفض 1.3 مليون برميل، وأظهرت بيانات معهد البترول تراجع مخزونات نواتج التقطير التي تشمل الديزل وزيت التدفئة 2.3 مليون برميل مقابل توقعات بأن تنخفض 1.6 مليون برميل، وتراجعت واردات الخام الأمريكية 533 ألف برميل يوميا الأسبوع الماضي إلى سبعة ملايين برميل يوميا.