عادت أسعار النفط الأسبوع الماضي إلى تسجيل خسائر بسبب انتشار فيروس كورونا وتأثيراته الواسعة على حالة القلق في السوق، وفي ظل المخاوف المحيطة بالطلب العالمي على النفط، تراجع خام برنت أكثر من 2 في المائة في ختام الأسبوع الماضي وخسر 1.4 في المائة على أساس أسبوعي، بينما هبط الخام الأمريكي 0.9 في المائة.
ويترقب السوق الخطوة التالية للمنتجين في "أوبك+" خلال اجتماعهم في فيينا يومي 5 و6 آذار (مارس) المقبل، وما زالت الشكوك محيطة بالموقف الروسي غير المتحمس لتعميق تخفيضات الإنتاج، وهو ما أضعف الأسعار وجدد المخاوف من استمرار تخمة المعروض في الأسواق على مدار العام الجاري.
وفي هذا الإطار، أكدت وكالة "بلاتس الدولية" للمعلومات النفطية أن السعودية حسمت الجدل في السوق حول مستقبل التعاون بين دول "أوبك" وخارجها من خلال تأكيد الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة بأن بلاده ما زالت ملتزمة بتحالف "أوبك+" مع روسيا وغيرها من الدول المنتجة للنفط، مفندا الشائعات في السوق عن أن السعودية تعيد النظر في مستقبل التعاون مع تحالف "أوبك+".
وسلط تقرير حديث لوكالة "بلاتس" الضوء على تأكيد وزير الطاقة السعودي بوجود اتصال مستمر وحوار مع جميع الشركاء في "أوبك" وخارجها، واصفا التخلي عن "أوبك+" بأنه هراء.
وقال تقرير "بلاتس" إن بعض وسائل الإعلام العالمية زعمت على غير الحقيقة أن السعودية يمكن أن تأخذ استراحة من تحالف "أوبك+" بالنظر إلى تردد روسيا في الالتزام بتخفيضات أكبر في الإنتاج لمكافحة تأثير فيروس كورونا على الطلب العالمي.
وأضاف أن السعودية والكويت والإمارات تناقش خفضا مشتركا في الإنتاج بمقدار 300 ألف برميل يوميا بشكل مستقل عن المجموعة، حيث من المقرر أن يجتمع تحالف المنتجين المكون من 23 دولة خلال الفترة من 5 إلى 6 آذار (مارس) المقبل في فيينا لاتخاذ قرار بشأن مستقبل اتفاق خفض الإنتاج الحالي البالغ 1.7 مليون برميل يوميا، وسط تطلعات بتعميق الخفض لتعويض ضعف الطلب المتوقع والناتج عن انتشار فيروس كورونا.
وأشار التقرير إلى أن الاجتماع الوزاري المرتقب سيأخذ في الحسبان بشكل أساسي توصية اللجنة الفنية قبل أسبوعين والخاصة بإجراء خفض إضافي قدره 600 ألف برميل يوميا خلال الربع الثاني من العام الجاري، إلا أن ألكسندر نوفاك، وزير الطاقة الروسي، لم يقتنع بعد تماما بالحاجة إلى مثل هذه الإجراءات بسبب عدم اليقين بشأن توقعات الطلب.
ونوه إلى أن توقعات عديد من المحللين تصب في اتجاه الموافقة الروسية في نهاية المطاف على نوع من القيود الإضافية على الإنتاج، في ضوء استقراء تاريخ مواقف موسكو في المفاوضات السابقة، إذ عادة ما تنتظر موسكو حتى اللحظة الأخيرة لإعلان التزامها بإجراء تنازلات إضافية في خفض الإنتاج.
ولفت إلى تاريخ تعاون السعودية وروسيا، حيث قاما معا بتشكيل تحالف "أوبك+" أواخر 2016، ما أدى إلى خفض الإنتاج بدءا من 2017 لإنهاء منافسة شرسة في السوق استمرت ثلاثة أعوام، مشيرا إلى قيام المجموعة بإضفاء الطابع الرسمي على تحالفها من خلال توقيع ميثاق منتصف 2019 يدعو إلى التعاون الدائم والحوار بشأن إدارة سوق النفط على الرغم من أنه لم يلزم أي عضو بخفض الإنتاج في المستقبل أو تغيير مستوى الحصص.
ونوه إلى خفض بيانات "أوبك" الأسبوع الماضي توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في 2020 بمقدار 230 ألف برميل يوميا بسبب تفشي الفيروس، في حين أن توقعات وكالة الطاقة الدولية كانت أكثر هبوطا، حيث قدرت تآكلا قدره 365 ألف برميل يوميا في توقعات نمو الطلب السابق.
وخفضت وكالة "بلاتس" توقعاتها للطلب الصيني بمقدار 2.9 مليون برميل يوميا في الشهر الجاري، مع توقعات بأن تقوم شركات التكرير الصينية بخفض الاستهلاك بمقدار 2.6 مليون برميل يوميا.
وعد التقرير أن انتشار فيروس كورونا خارج الصين يخيف الأسواق، وهو ما جعل مؤشر مديري المشتريات التصنيعي الأمريكي يهبط إلى أدنى مستوى خلال ستة أشهر في فبراير الجاري في ضوء التركيز المستمر في السوق على المخاوف المتعلقة بتدمير الطلب.
وأشار إلى أن الارتفاع الكبير في إصابات الفيروس في كوريا الجنوبية هز معنويات المستثمرين في المنطقة بين عشية وضحاها، ويبدو أن هذا قد انتشر في جميع أنحاء أوروبا والآن في الولايات المتحدة.
ونقل التقرير عن بيانات لبنك الاستثمار السويسري أن الطلب النفطي في الصين من المرجح أن يبلغ في المتوسط 12.1 مليون برميل يوميا خلال الربع الأول أي أقل بنحو 1.3 مليون برميل يوميا أو 10 في المائة نزولا عن التقديرات السابقة.
وأشار إلى أن فيروس كورونا أضاف بعدا سلبيا جديدا إلى أسواق النفط على الأقل خلال الربع الأول من العام الجاري، الذي سيشهد الطلب النفطي خلاله انخفاضا كبيرا في الصين، حيث يتوقف النشاط الاقتصادي، ومن المحتمل أن تمتد آثاره للاقتصاد العالمي.
ولفت إلى خفض بنك الاستثمار السويسري توقعاته لمستوى الطلب العالمي خلال العام الجاري بمقدار 450 ألف برميل يوميا أو بنسب 0.4 في المائة، وذلك تحت تأثير كبير من قرارات حظر السفر على نطاق واسع في الصين لاحتواء الفيروس المدمر.
وكانت أسعار النفط قد تراجعت بنحو 1 في المائة في ختام الأسبوع الماضي بفعل تجدد المخاوف من تأثر الطلب جراء التداعيات الاقتصادية لتفشي "كورونا"، في حين بدت "أوبك" وحلفاؤها ليسوا في عجلة من أمرهم لكبح الإنتاج.
وأثارت أحدث مؤشرات الإصابة بالفيروس في مقاطعة هوبي، حيث بؤرة تفشيه في الصين عمليات بيع في شتى الأسواق المالية، بينما يتوجه صناع السياسات في دول مجموعة العشرين إلى السعودية لإجراء محادثات بشأن الاقتصاد العالمي.
وبحسب "رويترز"، هوى خام برنت أكثر من 2 في المائة، وأغلق عند 58.50 دولار للبرميل، منخفضا 81 سنتا، ما يعادل 1.4 في المائة، بينما أغلق سعر التسوية في العقود الآجلة للخام الأمريكي على تراجع 50 سنتا أو 0.9 في المائة إلى 53.38 دولار.
وقال أولي هانسن، مدير استراتيجية السلع الأولية في بنك ساكسو، "لنا أن نقول إن عدم التيقن المحيط بفيروس كورونا قد عاد بعنف.. ينبغي أن نقر بأننا نتعامل مع صدمة طلب هي الأكبر منذ الأزمة المالية.. إلى أن نرى الصين تعود إلى العمل، فإن الفيروس سيكون محل التركيز الرئيس".
ولا توجد بادرة حل للصراع في ليبيا، الذي أفضى إلى إغلاق موانئها وحقولها النفطية، بينما قد تخفض العقوبات الأمريكية على وحدة لشركة النفط الحكومية الروسية العملاقة "روسنفت" إمدادات الخام من فنزويلا بدرجة أكبر، ما يجدد المخاوف بشأن معروض النفط العالمي.
وظلت الأسواق بمنأى من التأثر بوقف تصدير معظم النفط الليبي بعد تعطيل موانئ التصدير، حيث انخفض إنتاج النفط الليبي منذ 18 كانون الثاني (يناير).
ويبلغ إنتاج النفط في ليبيا حاليا نحو 120 ألف برميل يوميا، وفقا لآخر الأرقام الصادرة عن المؤسسة الوطنية للنفط، التي كانت تبلغ عن إنتاج أكبر بعشر مرات قبل أكثر من شهر بقليل، وصل إلى 1.2 مليون برميل يوميا، تصدر بشكل أساسي إلى إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا، وفقا للمحلل تاماس فارجا من مؤسسة "بي في إم" للاستشارات النفطية.
ويؤيد هذا الرقم آخر تقرير شهري صادر عن منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، التي أشارت إلى معدل سنوي بلغ 1.097 مليون برميل في 2019، و1.140 مليون برميل في ديسمبر.
وأضاف فارجا أن الوضع في ليبيا "لا يقلق سوق النفط كثيرا لأنه قلق بشأن انتشار الوباء، الذي يواصل الضغط على مؤشرات السعر".
وقال جاسبر لولر المحلل لدى شركة "جي.بي.سي" إن "الأزمة الحالية تساعد المجموعة على الحد من العرض".
يضاف التراجع في الإنتاج الليبي إلى خفض الإنتاج، الذي تمارسه بالفعل سائر الدول، لأن ليبيا ومثلها فنزويلا وإيران، مستثناة من هذا الخفض.
وقال ستيفن إنيس، كبير محللي السوق لدى أكسي كورب، إن "تعطيلات المعروض تساعد على تخفيف أثر الفيروس، لكنه من السابق لأوانه على الأرجح أن نعتقد أننا تجاوزنا أشد التداعيات الاقتصادية".
من ناحية أخرى، يعتقد معهد التمويل الدولي إن تفشي فيروس كورونا قد يحد من الطلب على النفط في الصين وغيرها من الدول الآسيوية، ما يدفع أسعار الخام للهبوط إلى 57 دولارا.
وأوضح جاربيس إراديان كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الشرق الأوسط في المعهد، أنه قبل اندلاع فيروس الكورونا كنا نفترض أن أسعار النفط ستبلغ في المتوسط 60 دولارا هذا العام، مقارنة بـ64 دولارا في العام الماضي.
وتابع: "ومن المرجح بشدة أننا سنقوم بمراجعة توقعاتنا عن العام بأكمله، كي تبلغ 58 دولارا أو 57 دولارا حسب التطورات المتعلقة بفيروس كورونا".
وأشار إراديان إلى أن تفشي الفيروس قد يضعف النمو الاقتصادي للصين بنسبة تراوح بين 0.5 إلى 0.7 في المائة، قائلا إنه من شأن ذلك أن يكون ذا تأثير كبير على أسعار الخام.
وأضاف أنه إذا كان معدل النمو الاقتصادي للصين يبلغ 5 في المائة، فإن ذلك سيؤدي إلى تداعيات كبيرة على النفط، حيث إن الطلب الصيني على النفط قد ينخفض بنحو 400 ألف برميل يوميا، كما أن الدول الآسيوية الأخرى ستشهد مزيدا من خفض الطلب.
وذكر إراديان أن إجمالي نمو الطلب العالمي، بدلا من أن يصبح 900 ألف برميل يوميا يمكن أن يراوح بين 300 إلى 400 ألف برميل يوميا.