تسببت عودة تنامي الإصابات بفيروس كورونا في العالم بخاصة في الولايات المتحدة والصين والارتفاع الكبير في مستوى المخزونات النفطية، في الضغط على أسعار الخام وتسجيل خسارة أسبوعية، حيث تراجع خام برنت بنحو 1 في المائة والخام الأمريكي 1.6 في المائة وسط مخاوف واسعة من ضعف الطلب العالمي على النفط الخام وزيادة القلق من الركود والانكماش الاقتصادي العالمي.
ويواصل المنتجون في "أوبك+" جهودهم المكثفة لرفع مستوى الامتثال لخفض الإنتاج لكل المنتجين، حيث يجرون مراجعة للالتزام باتفاق تعديل مستويات الإنتاج خلال الاجتماع الوزاري للجنة مراقبة خفض الإنتاج في منتصف يوليو المقبل بعد تمديد تخفيضات إنتاجية قياسية بنحو 9.7 مليون برميل يوميا لشهر إضافي.
وفي هذا الإطار، أكدت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أن إعلان التعاون بين المنتجين "أوبك+" توصل في أبريل الماضي إلى أكبر وأطول تعديل طوعي في الإنتاج بمستوى خفض يصل إلى 9.7 مليون برميل يوميا لمدة شهرين ثم تم تمديده شهرا إضافيا، لافتة إلى أن التزام المنتجين بخطة خفض الإنتاج على مدار عامين يضمن استقرار السوق على المدى الطويل، وذلك في إطار قناعة المنتجين بالحاجة إلى عمل استباق ومنسق لتحقيق الاستقرار في السوق.
ونقل تقرير حديث للمنظمة الدولية عن محمد باركيندو الأمين العام تأكيده أن "أوبك" وحلفاءها من خارج المنظمة استجابوا بسرعة وبشكل حاسم للانكماش غير المسبوق في سوق النفط، مشيرا إلى أنه على الرغم من تعديلات الإنتاج، التي لا مثيل لها المتفق عليها خلال الاجتماع الوزاري في أبريل الماضي إلا أن المستقبل القريب غير واضح بسبب حالة عدم اليقين الواسعة في السوق جراء عمليات الإغلاق الأوسع في عديد من القطاعات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم.
وحذر التقرير من مخاطر تراجع الطلب في السوق العالمية وارتفاع مستويات المخزونات النفطية بسرعة، مشيرا إلى أن منظمة "أوبك" تلعب دورا إيجابيا واسعا يحظى بتقدير واسع من الأوساط الاقتصادية الدولية، التي تثني على جهود المنظمة في تحقيق الاستقرار في السوق والتواصل بشكل فعال مع المنتجين الآخرين من خارج أعضاء المنظمة.
وشدد على أن ميثاق التعاون بين منتجي "أوبك" وخارجها يوفر إطارا مهما للحوار والتعاون الدوليين بشكل واسع، وبما يمنع تكرار الأزمات الحادة في السوق مثلما حدث في أبريل الماضي، حيث انزلق الخام الأمريكي إلى المنطقة السلبية، وانخفض إلى أدنى مستوى وهو سالب 37.63 دولار للبرميل.
وأشار إلى الصعوبات الجمة، التي تواجه المنتجين، سواء الأعضاء في "أوبك" أو غير الأعضاء في "أوبك" من أجل وقف انخفاض الطلب، خاصة مع احتمال عودة عمليات الإغلاق وغيرها من التدابير التقييدية بسبب عودة تسارع الإصابات بجائحة كورونا.
وتوقع التقرير نقلا عن خبراء ومحللين أن إجراءات التكيف وتكثيف وسائل الانتعاش والنمو في السوق قد يمتد الاعتماد عليها إلى أبريل 2022، مشيرا إلى أن لا أحد يعرف متى يتوقف انخفاض الطلب؟ ولا مدى السرعة أو على أي مستوى سيعود، لافتا إلى أن قرارات الإغلاق غير الطوعي- خاصة في الإنتاج الأمريكي- تساعد على إنجاح خطط تقييد المعروض النفطي، لافتا إلى أنه ليس بالضرورة المشاركة المباشرة في تخفيضات الإنتاج التي ينفذها تجمع "أوبك+".
وعد أن ارتفاع مستويات المخزونات النفطية يؤثر في تطورات وتوقعات السوق على المدى القريب، مشيرا إلى أن إجماع المنتجين في أبريل الماضي على الالتزام بخفض الإنتاج كان له مردود إيجابي للغاية على السوق بسبب حجم التعديلات الإنتاجية القياسي والمدى الزمني الطويل، الذي يستمر نحو عامين.
ويرى تقرير المنظمة أن خفض الإنتاج من قبل تحالف "أوبك+" ساهم بالتوازي مع تخفيف قيود الإغلاق في انتعاش الأسواق وتحقيق استقرار نسبي تدريجي، خاصة مع وجود تخفيضات إضافية خارج قرارات أبريل، وقد كان لها تأثير فوري جيد، موضحا أن بعض تخفيضات العرض من الدول غير الأعضاء في منظمة "أوبك" كانت حتمية في مواجهة قوى السوق الهابطة.
وأشار إلى أن السوق تحتاج إلى الصبر حتى يبدأ الطلب في الارتفاع، مشيرا إلى أن تحسنا ملموسا على الأرجح سيحدث في النصف الثاني، كما من المتوقع أن يكون عام 2021 هو عام تعافي الأسعار بشكل جيد بفضل التعديلات الإنتاجية المؤثرة في سوق النفط العالمية والممتدة من النصف الثاني من 2020 حتى 2021.
وذكر أن شركات النفط الأمريكية المستقلة ستواجه ضغوط الإغلاق المستمرة، وهو ما دفعهم منذ اندلاع الجائحة إلى تخفيض نفقاتهم الرأسمالية بشكل كبير لعام 2020، مشيرا إلى معدلات الانخفاض الكبيرة في الاستثمارات الجديدة لموارد النفط، موضحا أن معظم الموردين، الذين لجأوا إلى غلق الإنتاج كان بسبب استنزاف مساحات التخزين وصعوبات التسويق في ظل تخمة الإمدادات وضعف الأسعار.
ونوه إلى تحذير المحللين من الاعتماد فقط على جهود "أوبك" وحلفائها من دول منظمة التعاون الاقتصادي غير الأعضاء في تحقيق الاستقرار في السوق، مشيرا إلى وجوب أن يكون هناك دعم أوسع وتعاون أكبر بين مختلف المنتجين التقليديين والجدد، ولذا تركز "أوبك+" على التواصل المستمر مع الدول الأخرى غير المشاركة في إعلان التعاون بصفته أمرا بالغ الأهمية في الفترة المقبلة.
وشدد على أهمية تعزيز التعاون والحوار على كل المستويات، سواء الحكومات أو المنظمات والتحالفات الدولية مثل G7 وG20 ووكالة الطاقة الدولية والاستمرار في دعم خطوط الاتصال وإبقائها مفتوحة ودعم الشراكة بين أصحاب المصلحة.
ونقل التقرير قناعة عديد من الخبراء الدوليين بأن التقلبات الشديدة، التي شهدتها الأسواق خلال الأزمة الحالية لا تفيد أحدا، حيث إن المنتجين والمستهلكين والمستثمرين هم جميعهم في القارب نفسه، ويحتاجون إلى التغلب على صعوبات بيئة السوق الحالية، مشددا على ضرورة التعاون المستدام بين كل الدول المنتجة للنفط وشركات النفط العالمية والمنتجين المستقلين من أجل تكوين جبهة أوسع لاستعادة التوازن في السوق.
وأشار إلى وجود اعتراف كبير بالمساهمات، التي قدمها وزراء الطاقة في مجموعة العشرين والدعم المقدم من أعلى المستويات الحكومية وشركات النفط العالمية لتعزيز الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في سوق الطاقة، متوقعا أن تؤدي الأزمة الحالية الناجمة عن الانتشار السريع لكورونا إلى تحقيق أكبر مستوى من الكفاءة في صناعة النفط الأمريكية بشكل خاص، حيث تسابق الشركات الأمريكية الزمن للنجاة من عواقب هذه الأزمة التاريخية غير المسبوقة، التي دمرت الإنتاج وأيضا الطلب العالمي.
وشدد على ضرورة وجود استراتيجية قوية على المستوى الدولي تساعد على طمأنة الأسواق والمستثمرين، لافتا إلى أن "أوبك" جنبا إلى جنب مع الدول المشاركة في إعلان التعاون "أوبك+" ستستمر لتكون القوة الدافعة وراء جهود استقرار السوق العالمية، لافتا إلى أن هناك اتفاقا عاما على الحاجة إلى تعزيز الحوار الدولي حول سوق النفط لتحقيق الاستقرار، حيث يمكن تحقيق ذلك من خلال مبادرات طوعية مع مساهمات من المنظمات الدولية والمتعددة الأطراف.
وأشار التقرير إلى توقعات لبعض المحللين الدوليين بأن الأزمة الحالية يمكن أن تسرع نسبيا بحدوث ذروة الطلب على النفط بسبب انخفاض حركة السفر الجوي، إضافة إلى التحول إلى مزيد من الإنتاج الصناعي المحلي على نطاق أوسع وزيادة الاعتماد على الاجتماعات الافتراضية ودعم جهود الحد من التلوث الحضري والازدحام والضوضاء والاستخدام المحتمل لأموال التحفيز لتسريع انتقال الطاقة بعيدا عن الوقود الأحفوري.
وأضاف أن هناك سيناريو ثاني مختلف كليا، طرحه المحللون وهو أن الطلب سيرتفع على النفط الخام والوقود، جراء تحول الناس من وسائل النقل العام إلى النقل بالسيارات الخاصة من أجل الاستفادة من انخفاض أسعار الطاقة، وهو ما سيؤدي إلى نشاط حركة السفر البري، ويقود بالتالي إلى تحقيق الانتعاش الاقتصادي القوي مدفوعا أيضا بخطط التحفيز الحكومية.
ومن ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار في ختام الأسبوع الماضي، جرت تسوية أسعار النفط على انخفاض على خلفية قفزة في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة والصين وتنامي المخاوف بشأن زيادة الإنتاج الأمريكي، بينما لا تزال مخزونات الخام عند مرتفعات قياسية.
وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت عند التسوية إلى 41.02 دولار للبرميل، منخفضة 1 في المائة، على أساس أسبوعي. ونزلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي إلى 38.49 دولار للبرميل، متكبدة خسارة أسبوعية 1.6 في المائة.
وفي التعاملات في الولايات المتحدة، تلاشت المكاسب المبكرة، التي تحققت بدعم من بعض التفاؤل بشأن تنامي الحركة المرورية، وهو ما يعزز الطلب على الوقود، وذلك بسبب مخاوف من أن زيادة الإصابات بكوفيد - 19 في ولايات أمريكية، استهلاكها للبنزين كبير، قد يقوض تعافي الطلب. وزادت الحالات بشكل حاد في كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا، وهي الولايات الأمريكية الثلاث الأكثر اكتظاظا بالسكان.
وصباح الجمعة، عدل جريج أبوت حاكم ولاية تكساس عن خطة استئناف الأنشطة في الولاية، آمرا بإغلاق أغلب المقاهي والمطاعم، بسبب الزيادة في حالات الإصابة.
وقد يعرقل ذلك الزيادة المطردة في إنتاج التكرير، إذ تعمل شركات التكرير الأمريكية حاليا بنحو 75 في المائة، من طاقتها بحسب بيانات رسمية.
وقال آندرو ليبو، رئيس ليبو أويل أسوسيتس "أرباب الأعمال يؤجلون عودة موظفيهم إلى المكاتب من جديد، وسيؤثر ذلك في عودة الطلب على البنزين".
وخلص مسح شمل المسؤولين التنفيذيين في أكبر منطقة لإنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة، الذي أجراه بنك الاحتياطي الاتحادي في دالاس إلى أن ما يزيد على نصف المسؤولين، الذين خفضوا الإنتاج يتوقعون استئناف بعض الإنتاج بحلول نهاية تموز (يوليو).
وبحسب بيانات من بيكر هيوز، قلصت شركات الطاقة الأمريكية والكندية عدد حفارات النفط والغاز الطبيعي العاملة لمستوى منخفض قياسي جديد هذا الأسبوع.