أعادت حكومة السعودية فتح صكوك ثنائية الشريحة "متوسطة وطويلة الأجل"، راوحت عوائدها ما بين 2.13 و3 في المائة، بحسب ما أظهرته وثيقة حصلت "الاقتصادية" عليها.
وجرت تغطية الإصدار بأكثر من 19 مرة للمبلغ الأصلي المطلوب، إذ وصلت أحجام الطلبات إلى 9.8 مليار ريال مقارنة بحجم الإصدار الفعلي البالغ 500 مليون ريال، وفقا لحسابات وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية".
وانعكس إقبال المستثمرين على إصدار الحكومة السعودية على الجوانب التسعيرية للمزاد الخاص بالصكوك الادخارية، حيث كشف مصدر موثوق، أن بعض المستثمرين اضطروا إلى أن يغيروا سياستهم خلال تقديم طلبات الاستثمار بأدوات الدخل الثابتة.
وبدلا من أن يضع المستثمرون طلباتهم عند السقف الأعلى لمعدل العائد لكل شريحة، اضطروا إلى أن يضعوها عند المستويات المتدنية لأسقف معدلات العائد الخاصة بالشريحتين، وذلك من أجل أن يضمنوا حصولهم على التخصيص المطلوب بسبب محدودية حجم الإصدار، ونظرا لارتفاع المنافسة بين المستثمرين المؤسسيين للحصول على جزء من تلك الأوراق المالية ذات الجدارة الائتمانية العالية.
من ناحية أخرى، أفاد مصدر آخر على دراية واسعة بالإصدار، بأن السبب في عدم تلبية جميع طلبات المستثمرين يرجع إلى تنوع قنوات وخيارات التمويل المتوافرة لجهة الإصدار السيادية، فضلا عن عمليات الاستدانة السابقة التي تمت خلال النصف الأول من هذا العام وفقا لما هو مخطط له سابقا.
وكشف تحليل الجانب التسعيري للإصدار المحلي من قبل الصحيفة عن انتهاج المركز الوطني لإدارة الدين، بالنيابة عن وزارة المالية، سياسة تسعيرية جريئة ومتشددة مكنته في نهاية المطاف من ضغط الهوامش الائتمانية للشرائح الثنائية لينعكس الأمر بشكل إيجابي على خزانة الدولة عبر تحقيق ما يصفه المتخصصون في أسواق الدخل الثابت "توفير في تكلفة التمويل".
وبلغ إجمالي طرح آب (أغسطس) 500 مليون ريال الذي انتهت الحكومة من تسويقه للمستثمرين بنهاية الأسبوع الماضي وتمت تسوية الطرح يوم الإثنين من هذا الأسبوع (أمس)، فيما شهد طرح الشهر الحالي إعادة فتح أجل صكوك ذات أجل ثمانية أعوام وإعادة فتح صكوك ذات أجل استحقاق 15 عاما.
ويشهد العائد على أدوات الدين المقومة بالعملات المحلية تراجعا في جميع أنحاء العالم، مع اتجاه البنوك المركزية إلى خفض معدل الفائدة وتطبيق تحفيزات نقدية غير مسبوقة للحد من تداعيات فيروس كورونا الاقتصادية.
وفي الإطار ذاته خلص رصد لوحدة التقارير الاقتصادية إلى عدم وجود علاوة سعرية على الصكوك الادخارية التي تستحق في 2028 و2035 تباعا، بل إن العائد النهائي لشرائح آجال ثمانية أعوام و15 عاما جاء أقل من التوقعات الأولية للمتعاملين بأسواق الدين، وذلك قبل صدور نطاق معدلات العائد الربحي راوحت ما بين أكثر من 14 في المائة و19 في المائة.
ويعد هذا الأمر إيجابيا لخزانة الدولة ومتوائما مع مقومات العوائد الحالية لإصدارات العملات المحلية في الأسواق الناشئة في ظل بيئة الفائدة المتدنية، مع العلم أن المستثمرين المحليين حصلوا على توزيعات دورية سخية مع الإصدارات الحكومية التي تمت في 2018 بسبب ظروف السوق حينها.
وأسهم إدراج أدوات الدين في العام ذاته 2018 إلى بناء منحنى عائد نشط للإصدارات المحلية، الأمر الذي يمكن جهة الإصدار من تحديد القيمة العادلة لتسعير الأوراق المالية المراد طرحها أمام المستثمرين.
عوائد الإصدار
توزع إصدار آب (أغسطس) على شريحتين متساويتين وبواقع عائد حتى تاريخ الاستحقاق للصكوك ذات أجل ثمانية أعوام عند 2.13 في المائة، وذلك وفقا لسعر الإصدار في السوق الثانوية عند 1013 ريالا.
في حين بلغ العائد حتى تاريخ الاستحقاق للصكوك ذات أجل 15 عاما عند 3 في المائة، وذلك وفقا لسعرها المتداول في البورصة المحلية الذي وصل إبان الطرح عند 1014 ريالا.
ويعد نشاط الطروحات السيادية المقومة بالريال بمنزلة النقطة المضيئة للسعودية في سماء التمويل الإسلامي العالمي بسبب ضخامة أحجام تلك الطروحات.
وعلى سبيل المثال وبحسب تقرير لستاندرد آند بورز، فإن السعودية احتلت المرتبة الثانية لأداء صناعة الصكوك العالمية بنهاية 2019 عندما وصل إجمالي إصدارات الجهات السعودية عند 29 مليار دولار.
الطرح المحلي
وذكرت وزارة المالية في بيان لها أواخر الأسبوع الماضي، أنها انتهت من استقبال طلبات المستثمرين على إصدارها المحلي للشهر الحالي تحت برنامج صكوك حكومة السعودية بالريال حيث حدد حجم الإصدار بمبلغ إجمالي قدره 500 مليون ريال.
وأوضحت الوزارة أن الإصدارات قسمت إلى شريحتين، الأولى تبلغ 100 مليون ريال ليصبح الحجم النهائي للشريحة 6.125 مليار ريال سعودي لصكوك تستحق في عام 2028، أما الشريحة الثانية فتبلغ 400 مليون ريال ليصبح الحجم النهائي للشريحة 13.515 مليار ريال لصكوك تستحق في عام 2035.
المزاد الهولندي
منذ تموز (يوليو) 2018 تم استخدام منهجية المزاد التي يرى صندوق النقد أنها ستضفي درجة من المرونة على آليات تسعير الإصدارات المحلية الجديدة.
وشهد إصدار تموز (يوليو) 2018 (الإصدار السابع) تطبيق تلك المنهجية لأول مرة مع أدوات الدين في المملكة، حيث تستخدم السعودية "المزاد الهولندي" وهو المزاد "نفسه" الذي تستعمله الخزانة الأمريكية عندما تبيع سنداتها.
وبالاستعانة بأحد منتجات "بلومبيرج" الخاصة بالمزاد، تم منح المتعاملين الأوليين "سعر سقف محدد" لا يستطيعون التسعير فوقه (price cap)، حيث يكون "التسعير النهائي" على مستوى سقف التسعير نفسه أو دونه، وتم الطلب من المتعاملين الأوليين أن يقدموا طلبات الاكتتاب الخاصة بهم وكذلك الخاصة بعملائهم.
وآلية المزاد هذه تختلف عن المنهجية التسعيرية التي كانت تستخدم في السابق وتدور حول تحديد نطاق تسعيري معين أي حد أعلى وحد متوسط وثالث أدنى، ويطلب منهم التسعير بين هذا النطاق ثم يتم تحديد السعر النهائي من قبل جهة الإصدار.
منحنى العائد
يعرف منحنى العائد بأنه خط يحدد الفائدة على أدوات الدين في وقت بعينه تمتلك فيه جهة الإصدار جدارة ائتمانية متوازنة، لكنها متباينة من حيث الاستحقاق، حيث يكون هناك على سبيل المثال فارق فائدة بين الصكوك والسندات لأجل خمسة أعوام ولأجل 30 عاما.
ويتخذ منحنى العائد عادة اتجاها صعوديا وهو المنحنى الطبيعي، لكن عندما ينقلب فهو أن يكون العائد على السندات الأقصر أجلا أعلى من العائد على نظيراتها الأطول أجلا.
وتحظى السعودية بمنحنى عائد طبيعي، سواء مع إصداراتها المقومة بالعملة المحلية أو الصعبة، ونجحت منذ 2019 في تمديد آجال استحقاقات الصكوك في السوق المحلية عبر إصدارات جديدة تشمل 12 و15 و30 عاما وذلك لاستكمال منحنى العائد خالي المخاطر، ما يسهم في دعم مختلف الأسواق شاملة أسواق الدين العقارية.
والأمر نفسه كررته في 2020 عندما شهد إصدارها الدولاري استحقاقات بأجل سبعة أعوام و12 عاما ولأول مرة شريحة 35 عاما التي أتت جميعها خلال فترات استحقاق متباعدة، مساهمة في الوقت نفسه في إطالة أجل تلك الاستحقاقات وفقا لسياسة إدارة الدين العام للدولة.
مشاركة الأفراد
من المنتظر أن يدعم إصدار الشهر الحالي مخزون الصكوك الادخارية المتوافرة لاستثمارات الأفراد في السوق الثانوية.
وجاء قرار تفعيل تخفيض القيمة الاسمية للصكوك الحكومية المدرجة لتكون في متناول الأفراد وذلك ابتداء من حزيران (يونيو) 2019 ليعني أن السعودية قد فتحت المجال أمام مواطنيها للمشاركة في دعم المشاريع التنموية في البلاد، في خطوة تقدمية تتماشى مع كثير من الدول حول العالم التي تتبع هذا النهج.
وأسهمت الإصلاحات الاقتصادية التي عمت أسواق الدخل الثابت في المملكة في جعل مسألة استثمار الأفراد بالصكوك أمرا ممكنا بعد تخفيض القيمة الاسمية للصك إلى ألف ريال مقارنة سابقا بمليون ريال.
وحدة التقارير الاقتصادية