06/09/2009
المنتجون والمستهلكون يلجأون إلى الاحتياطيات تحوطا وانتظارا للأرباح مخزونات النفط تضغط على الأسواق وتحبط جهود رفع سعر البرميل
أصبح وجود المخزونات على الأرض شحيحا، ومع الكساد الاقتصادي وتراجع سعر البرميل، تراجع الطلب وأصبحت الخطط الاستثمارية في مجال النفط في حالة متقبلة، ما يشير إلى عدم الاستقرار في السوق وعدم وضوح الوجهة التي تتجه إليها. ''الاقتصادية''
«الاقتصادية» من واشنطن
من جنوب الأطلسي إلى المحيط الهندي إلى خليج المكسيك وبحر الشمال، يتزايد عدد وحجم الناقلات الكبيرة التي تحمل نفطا أصبح ينظر إليها بصورة متزايدة على أساس أنها مخزونات عائمة، وهي وصلت إلى أكبر عدد خلال فترة تزيد على 20 عاما. وهذه الناقلات أما أنها مربوطة إلى مرفأ ما أو متجهة إلى وجهة لا تدري ما هي، فمع تدهور سعر البرميل خاصة في مطلع العام والشركات تعتقد أن السعر وصل إلى مرحلة متدنية إلى الدرجة التي لا بد أن يرتفع معها مرة أخرى، خاصة إذا كانت تكلفة النقل منخفضة. وفي بعض الأحيان تبلغ هذه التكلفة نحو عشرة دولارات أو أقل للبرميل، ما يوفر فرصة لتحقيق أرباح.
على أن التخوف من الناحية الأخرى أن تؤدي هذه المخزونات إلى أن تشكل عامل ضغط على هيكل الأسعار وتحبط جهود منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) الهادفة إلى رفع سعر البرميل. ففي بحر الشمال مثلا هناك نحو 18 مليون برميل نفط توجد في هذه الناقلات تم تخزينها، كجزء من 70 مليون برميل تم تخزينها في الناقلات لفترة تزيد على خمسة أشهر. وخطوات التخزين هذه ليست جديدة على السوق، وإنما لطبيعتها المضاربة. وفي شباط (فبراير) الماضي كانت هناك ثمانية ناقلات من الحجم الكبير يمكن أن تؤثر في وضع السوق في النصف الثاني من هذا العام، والبعض يعتقد أن الرقم أكبر نحو 28 ناقلة فيها 56 مليون برميل.
ففي العام الماضي كان الكل يدفع بأي إمدادات لديه إلى السوق تلبية للطلب المتصاعد وقطفا للأسعار، حتى أصبح وجود المخزونات على الأرض شحيحا، لكن مع الكساد الاقتصادي وتراجع سعر البرميل، فالطلب في تراجع وأصبحت الشركات ذاتها تتصرف بطريقة لم تكن متوقعة من قبل، فالحفارات أصبحت تعمل أقل أو عاطلة عن العمل والمصافي تنتج بنزينا أقل والخطط الاستثمارية ليست في حالة اضطراب فقط، وإنما متقلبة كذلك، ما يشير إلى عدم الاستقرار في السوق وعدم وضوح الوجهة التي يتجه إليها.
وبينما يوجد من لهم مصلحة في تخزين النفط (منتجون ومستهلكون)، وذلك للاستفادة من الفروقات السعرية، فهناك بعض المنتجين الذين يرغبون في حجب بعض الإمدادات عن السوق، فإيران لوحدها لديها 15 ناقلة والشيء نفسه لبعض الشركات التجارية أمثال ''فيتول'' و''فيبرو''، بل وحتى بعض كبريات الشركات أمثال ''رويال داتش شل''، التي تحصل على عروض لاستئجار ناقلات لفترة تراوح بين 30 إلى 90 يوما وبسعر في حدود 45 ألف دولار يوميا، وأدى انخفاض تعرفة الاستئجار لهذه الناقلات إلى التوسع في استخدامها.
منطقة كشنج الأمريكية تحتوي على الكثير من مناطق التخزين على الساحة الأمريكية، وأدى امتلاؤها إلى تراجع في سعر البرميل من خام ويست تكساس الوسيط للدرجة التي تجاوز فيها سعر برنت رصيفه الخام الأمريكي في بعض الأحيان، وذلك بسبب بلوغ المخزونات الأمريكية أعلى معدل لها منذ العام 1993 عندما وصلت إلى 359.4 مليون برميل، المفارقة كانت في زيادة مخزون البنزين رغم موسم قيادة السيارات.
المخزونات يتم إنشاؤها تحوطا للمستقبل لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية، والمخزونات التجارية موجودة منذ القدم في إطار الترتيبات التي تقوم بها الصناعة النفطية عموما. وبرز الجانب الحكومي بصورة واضحة إثر الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 التي صحبها حظر نفطي من قبل الدول العربية المنتجة ضد الولايات المتحدة وهولندا بدعوى مشاركتهما العدوان الإسرائيلي على الدول العربية. وفي رد فعل على تلك الخطوة أقيمت الوكالة الدولية للطاقة لتنسيق العمل بين المستهلكين وهم الدول الغربية عامة، ومن ضمن الإجراءات التي سيتم اتخاذها بناء احتياطيات استراتيجية يتم اللجوء إليها وتقاسمها بين الدول المستهلكة التي تتعرض إلى حظر أو انقطاع في الإمدادات لأسباب خارجة عن الإرادة.
الولايات المتحدة نفسها قامت ببناء الاحتياطي الخاص بها، ويعتقد أن ما فيه من نفط وصل إلى 724 مليون برميل. ويجري في الولايات المتحدة نقاش من حين لآخر في كيفية استغلال هذا الاحتياطي وهل يكون استخدامه وقت الطوارئ فقط عند حدوث انقطاع في الإمدادات، أم يمكن استخدامه كذلك للضغط على الأسعار المرتفعة بهدف دفعها إلى التراجع. ويذكر أنه إبان عام الانتخابات الأمريكية عام 2000 بدأ سعر الجالون في الارتفاع الأمر الذي خشي منه الديمقراطيون أن يؤثر في الناخبين ويقلل بالتالي من فرص مرشحهم آل جور، وبالفعل أمر الرئيس السابق بيل كلينتون بضخ خمسة ملايين برميل للحد من ارتفاع الأسعار. وفيما بعد وإبان المنافسة الانتخابية بين جورج بوش والمرشح الديمقراطي جون كيري في 2004 دخل موضوع الاحتياطي النفطي الاستراتيجي دائرة النقاش وهل يستخدم هذا المخزون فقط في حالة انقطاع الإمدادات، وهو الموقف الذي اتخذه بوش، بينما كان كيري يرى إمكانية استخدام الاحتياطي للضغط على الأسعار لخفضها.
ويعتقد أن الحجم الكلي للاحتياطيات العالمية تجاوز أربعة مليارات برميل لأسباب أمنية واقتصادية، وأن نحو 1.4 مليار برميل تحت سيطرة الحكومات، والبقية تحت يد القطاع الخاص من الشركات وغيرها.
آخر الواصلين للعمل في هذا الجانب الصين التي برزت على الساحة كمستهلك رئيس منذ عام 1992 عندما دخلت السوق العالمية مستوردة. ووفقا لأرقام المتاحة فإن حجم وارداتها بلغ العام الماضي 3.58 مليون برميل يوميا من إجمالي استهلاك بلغ 7.26 مليون. واتجهت الصين إلى إقامة احتياطيات استراتيجية حيث أكملت ملء مخزونين من أصل أربعة كما تقوم باستخدام بعض الناقلات مستفيدة من الرخص الحالي للأسعار.
وسعي الصين للاستفادة من التدهور الحالي للأسعار يتم في إطار استراتيجية عامة لتلبية احتياجاتها لعديد من السلع ومن بينها النفط الخام، ومستفيدة من توفر احتياطيات كبيرة من العملات الصعبة لديها. ويعتقد أن هذه الاحتياطيات سجلت نموا العام الماضي بنحو 70 مليون برميل إلى ما يعادل 34 يوم استهلاك للنفط وذلك حسب الأرقام الرسمية.
ويرى بعض المحللين أنه بنهاية العام بلغ حجم الاحتياطيات الحكومية من النفط نحو 101.9 مليون برميل، وهناك خطط لإضافة 170 مليون برميلا في غضون العامين المقبلين. والموجود في هذه الاحتياطيات يعادل نحو سُبع ما لدى الولايات المتحدة، وهذا ما يشير إلى أن عملية بناء المخزونات تحتاج إلى مرور عدة سنين لاستكمالها.
وهناك أيضا الهند التي برزت كأحد الاقتصادات النامية وبدأت تلتفت إلى بناء احتياطياتها الاستراتيجية كذلك وهي تسير على طريق استكمال ملء مخزوناتها بنحو 37.4 مليون برميل، وهو ما يعادل استهلاك أسبوعين. الجدير بالذكر كذلك أن الأزمة الحالية أثرت في بعض المرافق التخزينية، والمثل الحي أن أكبر مرفق تخزيني في بريطانيا أصبح معروضا للبيع وبعد إعلان الشركة الأمريكية الأم عن تفليسة. وشركة ''سيم لوجستكس'' التي توجد في أوكلاهوما تدير مرافق نفطية يمكنها استيعاب 8.5 مليون برميل يوميا ولديها عدة مرافق لاستيعاب الناقلات الضخمة وحركتها. وقامت الشركة باستثمار مبلغ 50 مليون دولار في مرافقها في ميلفورد هافن منذ عام 2006.
ويساعد على نمو المخزونات تدفق الإمدادات إلى السوق، وتشير الأرقام أن إنتاج الدول الأعضاء في (أوبك) شهد من جانبه ارتفاعا في تموز (يوليو) الماضي وفق مختلف المصادر الثانوية ليصل 28.68 مليون برميل يوميا، أي بزيادة 160 ألف برميل يوميا عما كان عليه في الشهر الأسبق.