قال لـ"الاقتصادية" مختصون ومحللون نفطيون، إن الاستراتيجية النفطية السعودية مميزة للغاية وتراعي الأبعاد الآنية والمستقبلية كافة في الصناعة، حيث حافظت المملكة على انخفاض صادراتها هذا العام - أقل من سبعة ملايين برميل في الأشهر الأخيرة - لمنع حدوث وفرة نفطية كبيرة تؤدى إلى التأثير بشكل سلبي واسع في أسعار النفط مرة أخرى.
وأكد المختصون أهمية تركيز السعودية تعديل أولوياتها للمبيعات من النفط الخام إلى الأسواق الرئيسة المختلفة باللجوء إلى تقليل الصادرات إلى الولايات المتحدة للتأثير في مستوى المخزونات بامتصاص الوفرة القائمة، وفي الوقت نفسه تعزيز وجودها وإمداداتها إلى السوق الصينية الكبيرة.
وقال روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات، إن المخاطر الجيوسياسية تجددت مرة أخرى بتأثيراتها الواسعة في السوق النفطية، وهو ما بث حالة من القلق على استقرار الإمدادات من الشرق الأوسط وأدى إلى صعود الأسعار مجددا.
وأوضح، أنه في المقابل ما زالت المخاوف على النمو الاقتصادي العالمي تلقي بظلال قوية على السوق في ضوء انسداد نسبي في الأفق بشأن تطورات النزاعات التجارية الأمريكية - الصينية، وهو ما دفع منظمة "أوبك" في أحدث تقاريرها إلى الكشف عن توقعات بتباطؤ نمو الطلب على النفط الخام خلال العام المقبل ليسجل النمو نحو 1.1 مليون برميل يوميا.
من جانبه، قال دان بوسكا كبير محللي بنك "يوني كريديت" الدولي، إن "أوبك" وحلفاءها قد يكونون على مقربة من التوافق على تعميق التخفيضات الإنتاجية القائمة حاليا، وذلك بعد صدور بيانات تؤكد نمو العرض، خاصة من خارج "أوبك" بشكل يفوق الطلب، ما يهدد باتساع الفجوة بين العرض والطلب ويحول دون تماسك الأسعار.
وأشار إلى تأكيد "أوبك" أيضا ارتفاع مستوى المخزونات النفطية أعلى من المتوسط في خمسة أعوام في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لافتا إلى أن البيانات الحالية تؤكد أن تحالف المنتجين في "أوبك +" على أعتاب تحديات جديدة، أبرزها اتساع الوفرة في العرض العام المقبل، وهو ما يفرض الحاجة إلى إجراء إضافي، حيث إن الالتزام بمستويات الإنتاج الحالية قد يقود إلى تراجع آخر للسوق، خاصة إذا تصاعدت المواجهات والنزاعات التجارية.
من ناحيتها، أوضحت الدكتورة ناجندا كومندانتوفا كبير محللي المعهد الدولي لتطبيقات الطاقة، أن تطورات السوق متلاحقة والتقلبات السعرية مستمرة، وما يحدث حاليا يمكن القول إنه إلى حد بعيد خارج السيطرة، وهو نتاج تداخل عوامل عديدة، اقتصادية وسياسية، وهي تؤكد أن الاستقرار وإصلاح أوجه الخلل في السوق مسؤولية جماعية لأطراف الصناعة.
وعدت أن تحركات الأسعار صعودا وهبوطا، جاءت في الأساس جراء المخاوف والعوامل النفسية المرتبطة بتطورات وضع الاقتصاد العالمي، مشيرة إلى تأكيد "كوميرتس" البنك الألماني، أنه لا يزال سعر النفط في الوقت الحالي تحت التأثير الأكبر القادم من التوقعات بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، وبالتالي يقع بين المخاوف الاقتصادية والآمال في أن النزاع التجاري قد ينتهي قريبا.
بدوره، ذكر ماركوس كروج كبير محللي شركة "أيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، أنه في ظل المعطيات الاقتصادية الراهنة، لا توجد كثير من العلامات على حدوث انتعاش اقتصادي وشيك في النصف الثاني من العام الجاري، خاصة في ضوء تصاعد تأثير كل من الحرب التجارية والمخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
ولفت إلى أن السعودية تلعب دورا رائدا وقدوة بارزة لبقية المنتجين من خلال عملها الدائم على خفض حجم الصادرات وتعديل أولويات الأسواق التي تتوجه إليها، حيث يتم التركيز على خفض الصادرات إلى السوق الأمريكية، وهي أكثر الأسواق شفافية من أجل الحد من وفرة المخزونات واستعادة التوازن ودعم أسعار النفط، وذلك بالتوازي مع هدف طويل الأجل، هو زيادة مبيعات النفط إلى الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم.
وفيما يخص الأسعار، استهل النفط الخام تعاملات الأسبوع على ارتفاع بسبب هجوم على منشأة نفط سعودية، كما دعم صعود الأسعار أنباء عن تراجع نسبي في التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
ويعزز الأسعار استمرار تحالف المنتجين في جهود ضبط المعروض من خلال الالتزام باتفاق خفض الإنتاج في تحالف "أوبك +"، إضافة إلى تأثير الانخفاضات الطوعية في الصادرات النفطية السعودية والتراجع الحاد في إنتاج كل من فنزويلا وإيران جراء العقوبات الاقتصادية الأمريكية المشددة.
وبحسب "رويترز"، فإنه بحلول الساعة 02:55 بتوقيت جرينتش، ارتفع خام القياس العالمي مزيج برنت 64 سنتا أو نحو 1.1 في المائة إلى 59.28 دولار للبرميل.
وارتفع خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط 55 سنتا أو 1 في المائة إلى 55.42 دولار للبرميل.
وقال إدوارد مويا كبير محللي الأسواق في أواندا في نيويورك، "يستفيد النفط من التفاؤل العام المتمثل في أننا لن نشهد سيناريو الحرب التجارية الرهيبة".
من ناحية أخرى، قال لاري كودلو المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، إن ممثلي الشؤون التجارية في الولايات المتحدة والصين سيجرون محادثات في غضون عشرة أيام، وإنه "إذا نجحت هذه الاجتماعات.. نعتزم دعوة ممثلي الصين للحضور إلى الولايات المتحدة" لدعم إحراز تقدم في المفاوضات من أجل إنهاء الحرب التجارية التي باتت تشكل خطرا محتملا على النمو الاقتصادي العالمي.
من جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 59.13 دولار للبرميل الجمعة الماضي مقابل 58.87 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، إن سعر السلة التى تضم متوسطات أسعار 14 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول ارتفاع عقب انخفاض سابق، كما أن السلة كسبت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 57.98 دولار للبرميل.