قال محللون نفطيون لـ"الاقتصادية"، "إن شركات النفط الكبرى ما زالت متفائلة باستمرار صعود أسعار الخام، التي تتلقى دعما كبيرا من إعلان الولايات المتحدة إلغاء الإعفاءات الممنوحة لثماني دول من مشتري الخام الإيراني على مدار الأشهر الستة الماضية، اعتبارا من الثاني من أيار (مايو) المقبل، وهو ما عزز حالة الثقة باستمرار ضيق السوق وانكماش المعروض خاصة مع رغبة تحالف المنتجين في "أوبك+" في عدم التعجل بزيادة الإنتاج انتظارا لحدوث انتعاش ملموس في مستويات الطلب".
ويتوقع المحللون النفطيون استمرار حالة التقلبات السعرية في الأسواق خلال الأسبوع الجاري بعد أن اختتم الأسبوع الماضي على تراجع 3 في المائة وأوقف مسيرة الارتفاعات المتتالية على مدار نحو ستة أسابيع.
ولفت هؤلاء إلى أن ضغوط المستهلكين تتصاعد من أجل زيادة المعروض وتهدئة وتيرة الأسعار فيما على الأرجح لن تقدم "أوبك" وحلفاؤها على إلغاء اتفاق الخفض أو تخفيفه قبل إجراء المراجعة الدورية للسوق في حزيران (يونيو) المقبل.
وفي هذا الإطار، ترى الدكتورة ناجندا كومندانتوفا كبير محللي المعهد الدولي لتطبيقات الطاقة، أن ارتفاع الأسعار هو السمة الغالبة على السوق حتى إن حدث بعض التقلبات من حين لآخر بسبب عدم الاستقرار الكامل، مشيرة إلى تأكيد "أوبك" أن السوق مزودة بشكل جيد وأن زيادات الإنتاج الجديدة ستكون مرتبطة بنمو مقابل في مستويات الطلب النفطي.
ونوهت لـ"الاقتصادية"، بأن شركات النفط الكبرى – نتيجة التفاؤل باستمرار صعود الأسعار – تخطط لزيادة الإنفاق الاستثماري والرأسمالي بنحو خمسة تريليونات دولار على مدار العقد المقبل، عادّة أن تسارع وتيرة الاستثمار في موارد الطاقة التقليدية سيصطدم بضغوط اتفاق باريس للتغير المناخي في 2015 والجهود الدولية للحد من الانبعاثات الضارة.
من ناحيته، قال لـ"الاقتصادية"، روس كيندي العضو المنتدب لمجموعة "كيو إتش أي" للطاقة، "إن الأسعار أقرب إلى مواصلة التقلبات خلال الأسبوع الجاري مع بدء تنفيذ قرار إلغاء التنازلات الأمريكية، التى تحاول الصين مقاومته إلى جانب إيران، وسيتضح خلال الأيام المقبلة مدى الالتزام والفاعلية في تطبيق القرار، ومدى إمكانية وجود مرونة في التطبيق من الجانب الأمريكي".
وأشار كيندي إلى أن تعويض الإنتاج الإيراني في حال وصوله إلى مستوى الصفر ليس مهمة صعبة خاصة من جانب السعودية والولايات المتحدة وبعض منتجي الخليج، وهناك توافق على اتخاذ الإجراءات المناسبة في التوقيت الملائم لتلبية احتياجات الطلب العالمي والتحوط جيدا لاحتمال خصم الإنتاج الإيراني كاملا من المعروض النفطي.
من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، جوران جيراس مساعد مدير بنك "زد إيه إف" في كرواتيا، أن روسيا لديها رغبة قوية في زيادة الإنتاج وهو ما اتضح في مواقف مسؤولي شركة "روسنفت" الروسية، مشيرا إلى أن إلغاء التنازلات الأمريكية سيدعم رغبة موسكو في زيادة الإنتاج وتبني مبادرة لوقف العمل بتخفيضات الإنتاج خلال اجتماع المنتجين في حزيران (يونيو) المقبل خاصة أن روسيا تقود مجموعة المستقلين من خارج "أوبك".
ويعتقد جيراس أن الشركات الروسية استشعرت بعض القلق على حصصها السوقية التي تنكمش نسبيا بينما تتمدد الحصص السوقية لمنتجي الولايات المتحدة، لافتا إلى أن خصم الإنتاج الإيراني سيؤثر في تقلص المعروض النفطي خلال هذا الربع وربما حتى العام المقبل، ولذا سيعمل المنتجونن في أوبك وخارجها على تقديم إمدادات تعويضية لتأمين احتياجات المستهلكين.
ويقول لـ"الاقتصادية"، ماركوس كروج كبير محللي "إيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، "إن أسعار النفط حققت مستويات قياسية قبل أيام لكنها أنهت الأسبوع على انخفاض بسبب توقعات بعض الدوائر المالية ألا تصل صادرات الخام الإيراني إلى مستوى الصفر، وهو ما جعل السوق في حال تقييم مستمر للأوضاع الراهنة لمدى جدية تطبيقها".
وأشار كروج إلى أن السوق ستستمر في التقلبات بسبب ضبابية المشهد نسبيا، فيما تتعامل دول "أوبك" بحذر شديد مع العودة إلى زيادة الإنتاج بمستويات قياسية وذلك لعدم استنزاف الطاقة الاحتياطية وأيضا لتجنب عودة تخمة المعروض وفائض المخزونات ربما بشكل أوسع.
وهبطت أسعار النفط 3 في المائة في ختام الأسبوع الماضي، حيث أسهمت مبيعات لجني الأرباح بعد أطول سلسلة مكاسب لسوق النفط في عام، في تراجع الأسعار.
وبحسب "رويترز"، أنهت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت جلسة التداول منخفضة 2.20 دولار، أو 3 في المائة، لتبلغ عند التسوية 72.15 دولار للبرميل.
وهبطت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط 1.91 دولار، أو 2.9 في المائة، لتسجل عند التسوية 63.30 دولار للبرميل.
وأنهى برنت الأسبوع مستقرا بعد أربعة أسابيع متتالية من المكاسب، بينما سجل الخام الأمريكي خسارة 1.2 في المائة على مدار الأسبوع مرتدا عن ستة أسابيع متتالية من المكاسب.
وصعدت عقود النفط أكثر من 30 في المائة هذا العام بعد أن خفضت "أوبك" ومنتجون متحالفون مع المنظمة الإمدادات بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا ومع هبوط إنتاج الخام في فنزويلا وإيران بسبب عقوبات أمريكية.
ويوم الخميس الماضي، ارتفع برنت فوق مستوى 75 دولارا للبرميل للمرة الأولى هذا العام بعد أن علقت ألمانيا وبولندا وسلوفاكيا واردات الخام الروسي عبر خط أنابيب رئيس بسبب التلوث.
وقالت موسكو "إن النفط ربما جرى تلويثه عن عمد وإنها تخطط لاستئناف إمدادات الخام عبر خط أنابيب دروجبا إلى أوروبا في غضون أسبوعين".
وسجل عدد حفارات النفط العاملة في الولايات المتحدة هذا الأسبوع أكبر انخفاض منذ الأسبوع المنتهي في الثامن عشر من كانون الثاني (يناير) مع مواصلة شركات الطاقة وقف تشغيل حفارات للأسبوع الثاني على التوالي ولخمسة أشهر متتالية بينما يمضي المنتجون المستقلون قدما في تنفيذ خططهم لخفض الإنفاق على عمليات الحفر الجديدة.
وأفادت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة، في تقريرها الذي يحظى بمتابعة وثيقة، أن "شركات الحفر أوقفت تشغيل 20 حفارا نفطيا في الأسبوع المنتهي في الـ26 من نيسان (أبريل) ليصل إجمالي عدد الحفارات إلى 805".
وتراجع عدد حفارات النفط النشطة في أمريكا، وهو مؤشر أولي للإنتاج مستقبلا، عن مستواه قبل عام عندما كان هناك 825 حفارا قيد التشغيل.
ووفقا لبيكر هيوز، فإن متوسط إجمالي عدد حفارات النفط والغاز النشطة في الولايات المتحدة منذ بداية العام الحالي يبلغ 1036، متجها نحو تسجيل أعلى مستوى سنوي منذ 2014، وتنتج معظم الحفارات النفط والغاز.
وأظهرت بيانات من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن مخزونات النفط الخام التجارية في الولايات المتحدة زادت الأسبوع الماضي بمقدار 5.5 مليون برميل لتصل إلى 460.6 مليون برميل، وهو أعلى مستوى لها منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2017.
وكان محللون شملهم استطلاع لـ"رويترز" قد توقعوا زيادة قدرها 1.3 مليون برميل، وأشارت البيانات إلى أن صافي واردات الولايات المتحدة من النفط الخام ارتفع الأسبوع الماضي بمقدار 877 ألف برميل يوميا إلى 7.1 مليون برميل يوميا، وهو أعلى مستوى للواردات منذ منتصف شباط (فبراير).
ووفقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة، ارتفع إنتاج الخام الأمريكي بمقدار 100 ألف برميل ليعود إلى مستواه القياسي المرتفع البالغ 12.2 مليون برميل يوميا.