يتوقع محللون استمرار التقلبات السعرية للنفط خلال الأسبوع الجاري بعد أن اختتمت تعاملات الأسبوع الماضي على تراجع خام برنت 5.3 في المائة والخام الأمريكي 6.4 في المائة في أول خسارة أسبوعية بعد عدة أسابيع من المكاسب السعرية.
ويرى المحللون أن انحسار المخاوف الجيوسياسية في الشرق الأوسط أدت إلى تراجع الضغوط الصعودية على الأسعار، وتزامن ذلك مع استمرار ارتفاع مستوى المخزونات الأمريكية وتفاؤل السوق بالصفقة التجارية، التي سيتم توقيعها الأربعاء المقبل في واشنطن.
وأضافوا أن الأسعار على الأغلب ستتلقى دعما نسبيا مع الإعلان عن الصفقة التجارية الجديدة بين الولايات المتحدة والصين هذا الأسبوع، ولكن بشكل عام من المتوقع أن تظل أسعار النفط والسلع الأخرى منخفضة بسبب الضغوط الركودية في 2020.
وأوضح المحللون أنه على الرغم من تراجع تهديدات الحرب المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أن الصناعة ما زالت في حالة توتر والمخاطر الجيوسياسية قائمة بقوة، في ضوء احتمالات وقوع اضطرابات مثل حوادث الشحن أو الهجمات على المنشآت النفطية مثلما حدث في العام الماضي.
وفي هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، روس كيندي العضو المنتدب لشركة "كيو إتش أي" لخدمات الطاقة، إن أسعار النفط ارتدت من مستويات قياسية سجلتها سابقا عقب أحداث العراق، ما يؤكد أن عوامل السوق، وهي في الأغلب إيجابية، تدفع نحو مستويات منخفضة في الأسعار بسبب وفرة المعروض وضعف الطلب الموسمي وزيادة المخزونات الأمريكية.
ولفت كيندي إلى أن التقارير والبيانات الدولية تشير إلى أنه من المتوقع أن تظل أسعار النفط منخفضة بشكل عام في 2020 مع احتمال حدوث ارتفاعات مفاجئة ومؤقتة تصل بسعر البرميل إلى 80 دولارا أو 90 دولارا، ولكن من المرجح أن يكون متوسط الأسعار في 2020 عند المستوى ذاته في 2019 أو أقل منه بسبب ضغوط الزيادات الواسعة في الإمدادات النفطية من دول خارج تحالف "أوبك+".
من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، ألكسندر بوجل المستشار والمحلل في شركة "جي بي سي إنرجي" للطاقة، أن تطورات وضع السوق تظهر أن الارتفاعات السعرية كانت نتاج ظروف مؤقتة، وأن التقلبات السعرية ستظل سمة مهيمنة على السوق خلال الأسابيع المقبلة بسبب ضغوط مخاوف الحرب وانقطاع الإمدادات من جانب، وضعف الطلب وتراكم المخزونات من جانب آخر.
وأضاف بوجل أن السوق أقرب إلى حالة غياب الاستقرار بعد أن سجل الخام أكبر خسارة أسبوعية له منذ تموز (يوليو) الماضي في ضوء ضعف احتمال المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، ما يبدد المخاوف من تعطل إمدادات الطاقة في الشرق الأوسط، وهو ما طمأن كبار المستهلكين، الذين يعتمدون على إنتاج "أوبك" وبقية منتجي الشرق الأوسط بشكل رئيس.
من ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، بيتر باخر المحلل الاقتصادي ومختص الشؤون القانونية للطاقة، إن المخاطر الجيوسياسية لها تأثير كبير في السوق خاصة مع صعوبة التنبؤ بتطوراتها، إلا أن مخاطر الشرق الأوسط لم يكن لها تأثير واسع في الأسعار، حيث إن الارتفاع الذي تم تسجيله لم يصمد كثيرا، وتم كبحه على الفور بسبب أن أسواق النفط العالمية تظل مزودة بشكل مريح، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ثورة النفط الصخري الزيتي في الولايات المتحدة.
ونوه باخر إلى أن الأسعار تراجعت على الفور تحت تأثير ضغوط قوية ناجمة عن ارتفاع المخزونات الأمريكية بمقدار 1.16 مليون برميل الأسبوع الماضي، على الرغم من التوقعات السابقة بحدوث انخفاض، كما بلغت مخزونات البنزين أعلى مستوى لها في عشرة أشهر، وهو ما جعل تحالف المنتجين في "أوبك+" لا يطرح للنقاش من الأساس فكرة العدول عن تخفيضات الإنتاج بشكل أعمق، التي تم بدء العمل بها مطلع العام الجديد وتستمر على مدار الربع الأول قبل أن يعاد تقييم أثرها في آذار (مارس) المقبل.
بدورها، توضح لـ"الاقتصادية"، أرفي ناهار، المختصة في شؤون النفط والغاز في شركة "أفريكان ليدرشيب" الدولية، أن المخاوف لا تزال تهيمن على السوق النفطية بسبب الصراع المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران وإن كانت حدة الصراع تتجه إلى الانخفاض، وهو ما يعني مزيدا من تقلبات أسعار النفط في الأمد القصير، مشيرة إلى أن تراجع المخاوف ناجم عن احتفاظ منتجي "أوبك" بكميات هائلة من الطاقة الفائضة بعد خفض الإنتاج خلال معظم الأعوام الثلاثة الماضية، بينما يستفيد من الموقف الإنتاج الأمريكي الذى حافظ على وتيرة التزايد المتسعة.
ولفتت أرفي إلى إصرار الإدارة الأمريكية على مواصلة الضغط على طهران بعقوبات اقتصادية صارمة بسبب الاعتداءات الأخيرة وبرنامجها النووي منوهة إلى ضرورة تعاون جميع الأطراف لاحتواء التوترات المتصاعدة في المنطقة، نظرا لتكلفتها الواسعة على الاقتصاد العالمي وعلى دول الإنتاج بشكل خاص، مشيرة إلى حساسية منطقة الشرق الأوسط، التي توفر نحو ثلث المعروض النفطي في العالم، ما يتطلب توفير أقصى درجات التأمين لها.
وكانت أسعار النفط قد تراجعت دون 65 دولارا للبرميل في ختام الأسبوع الماضي، متكبدا أول خسارة أسبوعية منذ أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، ما محا علاوة المخاطر، التي أضيفت للأسعار خلال الأسبوع الماضي، في الوقت الذي يركز فيه المستثمرون على ارتفاع مخزونات الولايات المتحدة ومؤشرات أخرى على وفرة الإمدادات، لكن الأسواق ما زالت تراقب المخاطر الأطول أجلا للصراع.
وبحسب "رويترز"، تلقت الأسعار الدعم لفترة وجيزة الجمعة الماضية، وانخفض خام القياس العالمي برنت 39 سنتا ليتحدد سعر التسوية عند 64.98 دولار للبرميل، وهبط خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 52 سنتا ليغلق عند 59.04 دولار.
وقال فيل فلين محلل النفط لدى "برايس فيوتشرز جروب" في شيكاغو، إن "مع تراجع إيران هناك إحساس بأن إمدادات النفط آمنة تماما، لكن في الوقت الحالي ومع فرض العقوبات، وهذا التقرير الذي يقول إن سفينة روسية تصرفت بعدوانية تجاه سفينة أمريكية، هذا يسبب القليل من الخوف مجددا في السوق".
وفي الأسبوع الماضي، تكبد برنت خسارة 5.3 في المائة، وتراجع خام غرب تكساس الوسيط 6.4 في المائة، والخامان القياسيان أقل حاليا من المستويات، التي سجلاها في الثالث من كانون الثاني (يناير).
لكن ليس هناك أي تعطل في إنتاج الشرق الأوسط نتيجة لتنامي التوترات وأفادت مؤشرات أخرى الأسبوع الماضي بوفرة الإمدادات.
وخفضت شركات الطاقة الأمريكية عدد الحفارات النفطية العاملة للأسبوع الثالث على التوالي في الوقت، الذي يواصل فيه المنتجون تنفيذ خطط لخفض الإنفاق على أنشطة الحفر الجديدة للعام الثاني على التوالي في 2020.
وقالت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة في تقريرها، الذي يحظى بمتابعة وثيقة، إن شركات الحفر خفضت عدد الحفارات النفطية بمقدار 11 حفارا في الأسبوع الماضي، في أكبر تراجع منذ تشرين الأول (أكتوبر)، ليصل إجمالي عددها إلى 659 حفارا وهو أقل عدد منذ آذار (مارس) 2017، وكان عدد الحفارات العاملة 873 في الأسبوع ذاته قبل عام.
وفي 2019، تراجع عدد الحفارات النفطية، وهو مؤشر مبكر للإنتاج في المستقبل، بواقع 208 حفارات مع قيام شركات التنقيب والإنتاج المستقلة بخفض الإنفاق على أعمال الحفر الجديدة مع سعي المساهمين إلى عوائد أفضل في ظل وضع تنخفض فيه أسعار الطاقة.
ورغم تراجع عدد الحفارات، التي تحفر آبارا جديدة في العام الماضي، فقد واصل إنتاج الولايات المتحدة النفطي الارتفاع لأسباب من بينها أن إنتاجية الحفارات المتبقية- كمية النفط التي تنتجها الآبار الجديدة لكل منصة- زادت إلى مستويات قياسية في معظم الأحواض الصخرية الكبيرة لكن وتيرة نمو الإنتاج تتباطأ.
وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يرتفع إنتاج الولايات المتحدة من الخام إلى 12.3 مليون برميل يوميا في 2019، وأن يزيد إلى 13.2 مليون برميل يوميا في 2020 من المستوى القياسي البالغ عشرة ملايين برميل يوميا في 2018.
ومنذ بداية العام، بلغ إجمالي عدد حفارات النفط والغاز العاملة في الولايات المتحدة في المتوسط 789، وتنتج معظم منصات الحفر النفط والغاز.
وذكرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن مخزونات النفط الخام والبنزين ونواتج التقطير في الولايات المتحدة ارتفعت الأسبوع الماضي.
وزادت مخزونات الخام 1.2 مليون برميل على مدار الأسبوع الماضي إلى 431.1 مليون برميل، بينما توقع المحللون انخفاضها 3.6 مليون برميل.
وانخفضت مخزونات الخام بنقطة التسليم في كاشينج في ولاية أوكلاهوما 821 ألف برميل الأسبوع الماضي، حسبما ذكرته إدارة المعلومات.
وأظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة تراجع استهلاك الخام بمصافي التكرير 386 ألف برميل يوميا، ونزل معدل تشغيل المصافي 1.5 نقطة مئوية في الأسبوع الماضي.
وقالت الإدارة إن مخزونات البنزين صعدت 9.1 مليون برميل إلى 251.6 مليون برميل، في حين توقع المحللون في استطلاع أن ترتفع 2.7 مليون برميل.
ونمت مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، 5.3 مليون برميل إلى 139 مليون برميل، مقابل توقعات لزيادة قدرها 3.9 مليون برميل.
وزاد صافي واردات الولايات المتحدة من النفط 1.78 مليون برميل يوميا الأسبوع الماضي.
وتوقع فاتح بيرول مدير وكالة الطاقة الدولية تباطؤ نمو إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري، مشيرا إلى أنه من المنتظر أن تتلقى الأسواق العالمية إمدادات جيدة في 2020 وأن نمو الطلب قد يظل ضعيفا، ما سيكبح الأسعار.
وقال بيرول "نتوقع نمو الطلب أقل قليلا من مليون برميل يوميا"، مضيفا أن النمو قد يظل ضعيفا، مقارنة بمستوياته التاريخية.
وأضاف أن هناك فائضا مفترضا بمليون برميل يوميا من النفط، ما سيكفل تلقي السوق العالمية إمدادات جيدة.
ويرى بيرول أن "إنتاج غير "أوبك" قوي جدا، ما زلنا نتوقع أن يأتي الإنتاج، ليس من الولايات المتحدة فحسب، بل ومن النرويج وكندا وجيانا ودول أخرى، وبالتالي، يمكنني أن أقول إن الأسواق في رأيي، مزودة جيدة جدا بالنفط، ونتيجة لذلك، نتوقع أن تبقى الأسعار عند 65 دولارا للبرميل".