استهل النفط الخام تعاملات الأسبوع على تسجيل نمو جديد في مستوى الأسعار بفعل تراجعات حادة للدولار الأمريكي، وبتأثير من اقتراب موعد تطبيق اتفاق خفض الإنتاج وتقليص المعروض النفطي العالمي، الذي تشارك فيه 22 دولة منتجة للنفط، منها 11 دولة أعضاء في منظمة أوبك، وذلك اعتبارا من أول يناير المقبل وبحجم خفض يقترب من 1.8 مليون برميل يوميا.
كما تلقت الأسعار دعما من تأجيل صادرات نفطية ليبية جديدة، إلا أن بعض العوامل السلبية ما زالت تضغط على أسعار النفط وفي مقدمتها استمرار وفرة المعروض والمخاوف بشأن عودة انتعاش النفط الصخري الأمريكي بعد تزايد الحفارات النفطية الأمريكية إلى أعلى مستوى في 11 شهرا.
وفي هذا الإطار، قالت لـ "الاقتصادية"مارجريت ماكجورتي؛ المحللة في وكالة بلاتس للمعلومات النفطية، "إن العام المقبل 2017 سيكون عاما مميزا ومختلفا عن الأعوام بالنسبة إلى السوق النفطية، حيث من المتوقع أن ينجح اتفاق خفض الإنتاج في الحد من تخمة المعروض وإعطاء دفعة قوية للسوق نحو استعادة التوازن".
وأوضحت ماكجورتي أن العام المقبل سيكون مختلفا أيضا بالنسبة إلى منتجي النفط الصخري والمصافي الأمريكية التي من المرجح أن تشهد عاما جيدا من الانتعاش وزيادة هامش الأرباح في المصافي النفطية، مشيرة إلى أن الحفارات النفطية واصلت التزايد بمعدلات غير مسبوقة وسجلت أعلى مستوى في 11 شهرا ما يعكس حالة التفاؤل بأن السوق تسير بخطى واثقة ومتسارعة في طريق التعافي والتوازن.
وأشارت إلى أن السوق بدأت عام 2016 على حالة من تخمة المعروض وارتفاع المخزونات، لكن العام الجديد سيكون واقعه مختلفا، حيث ستشهد بداية العام انحسارا جيدا في مستوى المعروض النفطي بعد تقييد الإنتاج وفي نفس الوقت ستشهد السوق ارتفاع مستويات الطلب خاصة الطلب على وقود التدفئة في الولايات المتحدة.
ونوهت ماكجورتي بوجود مؤشرات قوية على نمو الطلب العالمي، خاصة في أمريكا اللاتينية التي تمثل المصدر الرئيسي للطلب بالنسبة إلى المصافي الأمريكية، متوقعة أن سعر البرميل في 2017 سيكون حول 65 دولارا للبرميل.
من جانبه، أوضح لـ "الاقتصادية" سيفين شيميل؛ مدير شركة في جب إندستري الألمانية، أن اتفاق خفض الإنتاج الذي سيدخل حيز التنفيذ خلال أيام قليلة ستكون له تأثيرات جيدة وسريعة في استعادة الاستقرار في سوق النفط الخام، مشيرا إلى أن البعض يحاول التهوين من تأثير الاتفاق، إلا أن هذه التوجهات سلبية وتحاول النيل من اتفاق تاريخي سيكون علامة فارقة في تاريخ سوق الطاقة.
وأضاف، أن "البعض يحاول أن يصور أن خفض الإنتاج سيكون هامشيا وغير مؤثر وسيتركز في الصادرات إلى أوروبا والولايات المتحدة، بينما ستستمر تخمة المعروض والمنافسة الشديدة بين المنتجين في أسواق آسيا باعتبارها مركز ومستقبل الطلب العالمي على النفط الخام".
ونوه بأن آليات خفض الإنتاج في كل دولة متروكة للدولة نفسها، فمثلا في روسيا وهي أكبر من منتج خارج "أوبك" تم الاجتماع مع الشركات الروسية لتدارس حجم خفض كل شركة والحقول المختارة وفقا لحجم مساهمة الشركة في الإنتاج النفطي الروسي، مشيرا إلى أن لجوء بعض المنتجين إلى خفض الصادرات النفطية إلى أوروبا والولايات المتحدة لا يعني أن الاتفاق غير ناجح أو مؤثر.
وأشار إلى وجود لجنة معنية بتقييم ومراقبة خفض الإنتاج تشارك فيها خمس دول منتجة كبرى وهي الكويت وفنزويلا والجزائر من "أوبك" وروسيا وسلطنة عمان من خارج "أوبك"، وهذه الدول ستراقب جيدا تطبيق الاتفاق ودوره في تحقيق التوازن المنشود، موضحا أن الاتفاق نفسه خاضع للمراجعة وإعادة التقييم بعد ستة أشهر وإن لم ينجح في قيادة السوق للتوازن فستجرى إعادة هيكلة وتقييم له من جديد.
من ناحيته، بين لـ "الاقتصادية" ايفليو ستايلوف؛ المستشار الاقتصادي البلغاري في فيينا، أن التنسيق بين كبار المنتجين الذي شهدته السوق أخيرا خاصة بين السعودية وروسيا، ضمان لعدم انهيار الأسعار مرة أخرى وهو الكفيل أيضا بتأمين الإمدادات وعلاج أوجه القصور في السوق لتبقى متوازنة ومستقرة في علاقة العرض بالطلب.
وأشار إلى أن نجاح اتفاق خفض الإنتاج سيؤدي إلى نتائج إيجابية لجميع الأطراف سواء منتجين أو مستهلكين أو شركات، لأن استقرار السوق سيقود إلى نمو اقتصادي جيد لكل الدول، منوها بأن الاتفاق تم بإجماع الآراء وبمشاركة 22 دولة هي من المرات القليلة والنادرة في تاريخ الصناعة حيث نجحت "أوبك" في دمج الدول غير الأعضاء من المنتجين المستقلين في خطة عمل مشتركة للتغلب على الصعوبات والتحديات الراهنة في السوق.
ولفت إلى أن كثيرا من الدول المنتجة في الشرق الأوسط وإفريقيا أبلغت مصافي آسيوية بتقلص الإمدادات، وهو ما يعكس أن الالتزام بالاتفاق سيكون جيدا وصارما من أجل إنجاح منظومة عمل المنتجين معا، بما يؤدي إلى نتائج إيجابية وسريعة في السوق.
من ناحية أخرى فيما يخص الأسعار، صعدت أسعار النفط أمس، حيث عزز ضعف الدولار وتأجيل صادرات النفط الليبي الجديدة المؤشرات في ظل توقعات بتقليص المعروض النفطي بدرجة أكبر في عام 2017.
وجرى تداول خام القياس العالمي مزيج برنت في العقود الآجلة بحلول الساعة 0946 بتوقيت جرينتش بسعر 55.47 دولار للبرميل، بزيادة 26 سنتا عن آخر إغلاق. وزاد خام غرب تكساس الوسيط في العقود الآجلة 30 سنتا إلى 52.20 دولار للبرميل.
وقال محللون "إن هذه الزيادات التي أضافت إلى مكاسب بنحو 2 في المائة يوم الجمعة الماضي، كانت بفضل تأجيل في إمدادات النفط الخام من ليبيا".
وفي نهاية الأسبوع الماضي، قالت جماعة مسؤولة عن حراسة البنية التحتية للنفط في ليبيا، "إنها أعادت فتح خط أنابيب مغلق منذ فترة طويلة ويمتد من حقلي نفط الشرارة والفيل. لكن جماعة أخرى منفصلة منعت استئناف الإنتاج في حقل الفيل". وذلك إضافة إلى تراجع الدولار الأمريكي مجددا مقابل سلة عملات بعد وصوله لأعلى مستوى منذ عام 2002 في الأسبوع الماضي، ويرفع الدولار القوي تكلفة النفط لحائزي العملات الأخرى.
وتوقع البعض استمرار قوة أسعار النفط حتى مطلع العام المقبل بفضل اتفاق بين منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" والمنتجين المستقلين لخفض الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يوميا اعتبارا من كانون الثاني (يناير) المقبل.
وارتفعت أسعار النفط في السوق الأوروبية أمس، لتواصل الصعود لليوم الثالث على التوالي، استنادا إلى تراجع الدولار الأمريكي مقابل سلة من العملات، إضافة إلى اقتراب دخول اتفاق خفض الإنتاج العالمي حيز التنفيذ الفعلي، ويكبح المكاسب مخاوف تسارع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة بعد ارتفاع منصات الحفر لأعلى مستوى في 11 شهرا.
وبحلول الساعة 09:25 بتوقيت جرينتش، ارتفع الخام الأمريكي إلى مستوى 52.20 دولار للبرميل من مستوى الافتتاح 52.13 دولار وسجل أعلى مستوى 52.49 دولار، وأدنى مستوى 51.92 دولار.
وصعد خام برنت إلى مستوى 55.60 دولار للبرميل من مستوى الافتتاح 55.50 دولار، وسجل أعلى مستوى 55.78 دولار وأدنى مستوى 55.24 دولار.
وأنهي النفط الخام الأمريكي "تسليم يناير" تعاملات الجمعة مرتفعا بنسبة 1.9 في المائة، في ثاني مكسب يومي على التوالي، وصعدت عقود برنت "عقود فبراير" بنسبة 2.1 في المائة، بفعل توقف صعود الدولار الأمريكي مقابل سلة من العملات وارتفاع معظم السلع والمعادن المقومة بالعملة الأمريكية.
وتراجع مؤشر الدولار بنسبة 0.2 في المائة، مواصلا ارتداده الهابط لليوم الثاني على التوالي من أعلى مستوى في 14 عاما، مع اتجاه المستثمرين إلى عمليات جني الأرباح قبل عطلات رأس السنة، وهبوط العملة الأمريكية يجعل السلع المقومة بالدولار منخفضة التكلفة بالنسبة إلى مستهلكي العملات الأخرى.