قفزت أسعار النفط أمس مقتربة من أعلى مستوياتها هذا العام إثر انخفاض في مخزونات الخام الأمريكية واحتمال فقد معروض إيراني، ما يزيد المخاوف بشأن التوازن الدقيق بين الاستهلاك والإنتاج.
وبحسب "رويترز"، كانت العقود الآجلة لخام برنت مرتفعة 38 سنتا عند 79.47 دولار للبرميل وهو أعلى مستوى منذ أواخر أيار (مايو) عندما اخترق السعر 80 دولارا.
في المقابل، زادت عقود الخام الأمريكي 92 سنتا إلى 70.14 دولار للبرميل، وبهذا يكون سعر مزيج برنت قد كسب 25.8 دولار في عام، بنسبة ارتفاع 48 في المائة، حينما بلغ سعره في 12 أيلول (سبتمبر) من العام الماضي 53.8 دولار للبرميل.
وقال جوردون جراي مدير أبحاث سوق النفط والغاز في "إتش.إس.بي.سي"، إن "العوامل الأساسية لسوق النفط تدعم على نحو متزايد أسعار الخام، على الأقل عند المستويات الحالية.. وفي حين لا نتوقع صراحة أن يرتفع برنت إلى 100 دولار للبرميل فإننا نلحظ مخاطر حقيقية بأن يحدث هذا. وهناك حاجة بالفعل إلى معروض أعلى بكثير من منتجين مثل السعودية - والمستويات المتدنية من الطاقة الفائضة المتبقية - تجعل المنظومة العالمية منكشفة انكشافا كبيرا على أي تعطيلات كبيرة أخرى".
وكان معهد البترول الأمريكي قال إن مخزونات الخام بالولايات المتحدة تراجعت 8.6 مليون برميل في الأسبوع المنتهي يوم السابع من أيلول (سبتمبر) إلى 395.9 مليون برميل، في حين خفضت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية توقعاتها لإنتاج البلاد من الخام خلال العامين الحالي والمقبل، بينما رفعت توقعاتها لأسعار الخام.
وأضافت إدارة معلومات الطاقة في تقرير النظرة المستقبلية للطاقة قصير الأجل، أن متوسط إنتاج الخام في الولايات المتحدة سيبلغ 10.66 مليون برميل يومياً في العام الحالي بانخفاض 0.2 في المائة عن توقعات الشهر الماضي.
كما قلصت الإدارة الأمريكية تقديرات إنتاج الخام الأمريكي خلال عام 2019 إلى 11.18 مليون برميل يومياً بانخفاض 1.8 في المائة عن التقديرات السابقة.
فيما تتوقع إدارة معلومات الطاقة أن يصل سعر الخام الأمريكي "نايمكس" إلى 67.03 دولار للبرميل هذا العام بزيادة 1.2 في المائة عن تقديرات آب (أغسطس) الماضي على أن يسجل 67.36 دولار للبرميل في العام المقبل وهو ما يمثل ارتفاع 4.7 في المائة عن التوقعات السابقة.
كما رفعت إدارة معلومات الطاقة توقعاتها لسعر خام "برنت" القياسي إلى 72.84 دولار للبرميل لعام 2018، بزيادة 1.5 في المائة عن تقديرات الشهر الماضي.
وخلال العام المقبل، أوضح التقرير أن سعر الخام القياسي سيسجل 73.68 دولار للبرميل بزيادة 4.4 في المائة عن التقديرات السابقة.
إلى ذلك، توقع التقرير الشهري لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أن يتجاوز الطلب على النفط الخام في العام المقبل مستوى 100 مليون برميل يوميا وذلك للمرة الأولى، وسيصل إلى 100.23 مليون برميل يوميا.
وقلصت أوبك مجددا توقعها لنمو الطلب العالمي في 2019 معتبرة أن المخاطر في التوقعات الاقتصادية تميل إلى جانب التراجع، ما يضيف تحديا جديدا لجهود المنظمة من أجل دعم السوق في العام القادم.
وقالت منظمة البلدان المصدرة للبترول إن الطلب العالمي على النفط في العام القادم سيزيد 1.41 مليون برميل يوميا بانخفاض 20 ألف برميل يوميا عن توقع الشهر الماضي لتقلص تكهناتها للمرة الثانية على التوالي.
وأضاف التقرير أن الطلب على النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والتي يبلغ عدد أعضائها 34 دولة، شهد نموًا سليمًا في جميع مناطق المنظمة.
ونوه الى أنه من المتوقع أن يصل الطلب على نفط أوبك في عام 2018 إلى 32.9 مليون برميل يوميا وهو ما يقل بمقدار 0.5 مليون برميل يوميا عن المعدل السابق، مشيرا إلى أنه من المتوقع أن يبلغ الطلب على نفط أوبك في العام المقبل32.1 مليون برميل يوميا، أي أقل بقليل من 0.9 مليون برميل يوميا عن العام السابق.
وأضافت المنظمة أن إنتاج أعضائها الـ15 النفطي زاد في آب (أغسطس) بمقدار 278 ألف برميل يوميا إلى 32.56 مليون برميل يوميا عقب اتفاق حزيران (يونيو) على تخفيف اتفاق خفض المعروض.
وأوضح التقرير أن توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي لا تزال عند 3.8 في المائة لعام 2018، و3.6 في المائة لعام 2019، كما أن النمو الأمريكي سيظل دون تغيير عند 2.9 في المائة في 2018 و2.5 في المائة في عام 2019، كما لا يزال نمو منطقة اليورو عند 2.0 في المائة لعام 2018 و1.9 في المائة لعام 2019.
وأشار إلى أنه تم تعديل نمو الناتج المحلي الإجمالي في اليابان بنسبة 0.1 في المائة ليصل إلى 1.1 في المائة في 2018 و2019، وزيادة توقعات نمو الهند إلى 7.6 في المائة خلال العام الجاري، كما سيسجل النمو الصيني مستوى 6.6 في المائة في 2018، و6.2 في المائة لعام 2019.
ويرى التقرير أن انخفاض الأسعار نسبيا خلال الشهر الماضي جاء بشكل رئيسي نتيجة للمخاوف من استمرار النزاعات التجارية العالمية.
ورجح تقرير أوبك الشهري أن يبلغ نمو الإمدادات النفطية من خارج أوبك في عام 2018 نحو 2.02 مليون برميل يوميا، مضيفا أنه لا تزال أمريكا وكندا وكازاخستان والمملكة المتحدة والبرازيل، المحرك الرئيس للنمو في حين أن المكسيك والنرويج من المتوقع أن تظهر أكبر الانخفاضات، ويقدر إجمالي الإمدادات خارج أوبك حاليا بنحو 59.56 مليون برميل يوميا.
وتوقع التقرير أن ينمو الإمداد النفطي من خارج أوبك في عام 2019 بنسبة 2.15 مليون برميل يوميا، حيث من المتوقع أن تكون أمريكا والبرازيل وكندا والمملكة المتحدة أيضا المحرك الرئيسي للنمو، بينما تظل المكسيك والنرويج تمثل أكبر الانخفاضات.
وراهن التقرير على أن يبلغ متوسط العرض من خارج أوبك 61.71 مليون برميل يوميا خلال هذا العام، وفي 2018 و2019 من المتوقع أن ينمو 0.12 مليون برميل يوميا، و0.11 مليون برميل يوميا، على الترتيب.
ويقدم التقرير مؤشرا جديدا على أن الطلب النفطي السريع الذي ساعد أوبك وحلفاءها على تصريف تخمة المعروض سيتباطأ في 2019، ما يعني ضغطا أقل على المنتجين الآخرين لتعويض فاقد إمدادات فنزويلا وإيران مع بدء تنفيذ العقوبات الأمريكية المجددة.
وأفادت أوبك، أن "التحديات المتنامية في بعض الاقتصادات الناشئة والنامية تميل بالمخاطر الحالية في توقعات النمو الاقتصادي العالمي إلى جانب التراجع.. تصاعد التوترات التجارية وتداعيات مزيد من التشديد النقدي من جانب البنوك المركزية الأربعة الكبيرة مع تنامي مستويات الدين العالمية، جميعها بواعث قلق إضافية".
في سياق متصل، قال لـ "الاقتصادية"، تورستين أندربو الأمين العام الفخري للاتحاد الدولي للغاز، إن نمو الطلب على الغاز الطبيعي يفوق موارد الطاقة التقليدية الأخرى ويساعده على ذلك التقدم المستمر فى مستويات كفاءة الطاقة، مشيرا إلى وجود تقدم تكنولوجي هائل فى قطاع النقل فى المجالين البري والبحري، وسيكون الاعتماد على الغاز الطبيعي بشكل محوري ورئيسي.
ونوه أندربو إلى وجود ارتفاع مستمر فى استثمارات خطوط الأنابيب والبنية التحتية لمشروعات الغاز الطبيعي المسال وهو ما يرفع توقعات عديد من شركات الغاز الدولية بأن يصبح الغاز هو المصدر الأساسي للطاقة بحلول 2026.
ومن جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، ديفيد لديسما المحلل في شركة "ساوث كورت" للطاقة، أن ذروة الطلب على النفط الخام لا يمكن تحديدها بدقة إلا أن بعض التقارير الدولية مثل الصادرة عن شركة "كربون ترايكر" راهنت على أن هذه الذروة قد تحدث في وقت أقرب مما هو متوقع خلال الخمس سنوات المقبلة، وفي المقابل، هناك توقعات أخرى لمنظمات وشركات دولية تؤكد أن الطلب على النفط سينمو بفعل الأسواق الناشئة ويستمر ربما إلى عام 2040.
ويرى لديسما أنه مهما اختلفت التوقعات فإن هناك أمرا مهما يحظى بتوافق الجميع، وهو ضرورة سرعة التحول نحو الطاقة الأنظف وتجنب المخاطر الجيوسياسية في الاعتماد على الطاقة التقليدية، لافتا إلى أنه حتى اقتصاديات الدول الناشئة - والتي ينظر إليها على أنها محور الطلب تأخذ موارد الطاقة المتجددة بعين الاعتبار، وتسعى إلى زيادة الاعتماد عليها.
ومن ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، ماركوس كروج كبير محللي شركة "إيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، إن العقوبات الأمريكية على إيران وسعي الإدارة الأمريكية للهبوط بمستوى صادرات النفط الإيرانية إلى مستوى الصفر يلقي بظلال قوية على الأسواق، ويعمق حالة عدم اليقين وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار واقترابها من مستوى 80 دولارا للبرميل بسبب التخوف من أزمات في المعروض على المدى القصير، ويعزز تلك المخاوف تراجع المخزونات الأمريكية.
وأشار كروج إلى أن المخاوف ستزيد أيضا بالنسبة للمستهلكين مع صعود الأسعار بشكل قياسي، كما يمكن أن يحد الارتفاع كثيرا من مستويات الطلب، ولذا لجأت الولايات المتحدة مجددا إلى حث كبار المنتجين على رفع وتيرة الإنتاج بشكل سريع وسط ترحيب وتجاوب سريع من السعودية وروسيا، ومن المتوقع أن يسفر اجتماع المنتجين فى كانون الأول (ديسمبر) المقبل عن زيادات كبيرة ومؤثرة لتهدئة تلك المخاوف، ودعم التوازن بين العرض والطلب والتغلب على تداعيات انخفاض الإنتاج فى عدد مؤثر من الدول المنتجة.