ارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوى في عدة سنوات أمس مع تهيؤ المتعاملين لاحتمال تجدد العقوبات الأمريكية على إيران، في ظل ضيق الفجوة بالفعل بين العرض والطلب في السوق.
وتخطط الولايات المتحدة لفرض عقوبات جديدة على إيران التي تنتج نحو 4 في المائة من إمدادات النفط العالمية، بعد أن انسحبت من اتفاق جرى التوصل إليه أواخر عام 2015 ويحد من طموحات طهران النووية مقابل رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عنها.
وتلقى الاقتصاد الإيراني ضربة موجعة بعودة العقوبات الاقتصادية التي ستزيح إيران عن مكانتها النفطية في السوق وتهدد حصتها السوقية، فيما لا يزال المعروض النفطي يتجه إلى المزيد من الانكماش بسبب جهود "أوبك" وحلفائها المستقلين في خفض الإنتاج في مقابل استمرار نمو الطلب كما تعجز الإمدادات الأمريكية المتلاحقة عن تعويض النقص الواسع في الإمدادات النفطية من المنتجين التقليديين.
وبحسب "رويترز"، ارتفعت أسعار النفط بقوة بعد الإعلان عن تلك الإجراءات، وبلغت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت أعلى مستوى منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 عند 77.89 دولار للبرميل، بارتفاع 0.9 في المائة عن التسوية السابقة.
كما سجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي أعلى مستوى منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 عند 71.84 دولار للبرميل، قبل أن تتراجع إلى 71.78 دولار للبرميل، لكن هذا لا يزال أعلى من التسوية السابقة بنسبة 0.9 في المائة.
وأفادت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة هبطت بأكثر من المتوقع، وتراجعت أيضا المخزون من البنزين ونواتج التقطير.
وانخفضت مخزونات النفط الخام 2.2 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في الرابع من أيار (مايو)، مقابل توقعات محللين لانخفاض قدره 719 ألف برميل.
وأشارت الإدارة إلى أن مخزونات الخام في مركز التسليم في كاشينج بأوكلاهوما زادت 1.4 مليون برميل، فيما تراجع استهلاك مصافي التكرير من النفط الخام 75 ألف برميل يوميا، بينما انخفضت معدلات تشغيل المصافي 0.7 نقطة مئوية.
وهبطت مخزونات البنزين 2.2 مليون برميل، مقابل توقعات بانخفاض قدره 450 ألف برميل، وتراجعت مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، 3.8 مليون برميل، في حين كان من المتوقع أن تهبط 1.4 مليون برميل.
وانخفض صافي واردات الولايات المتحدة من النفط الخام الأسبوع الماضي 955 ألف برميل يوميا إلى 5.45 مليون برميل.
إلى ذلك، أكد تقرير "فوربس" الأمريكي أن الرئيس دونالد ترمب على قناعة قوية بأن الولايات المتحدة لن تكون بعد طرفا فيما يسمى الاتفاق النووي الإيراني، مشيرا إلى أن القرار يعني أن واشنطن ستفرض قريبا عقوبات أكثر صرامة على إيران.
وأوضح التقرير الدولي أنه نتيجة لذلك أصبح من شبه المؤكد أن تجد إيران صعوبة في بيع نفطها الخام إلى أسواق العالم لافتا إلى أن النفط الخام هو المصدر الرئيسي والحيوي للعملة الأجنبية لإيران وهو ما يعني أن الموقف الأمريكي سيكون حرمانا اقتصاديا قاسيا على طهران.
من جهة أخرى، قال التقرير الأمريكي إن السعودية تسعى حثيثا إلى تنويع اقتصادها بعيدا عن اعتماده الطويل على النفط وفي هذا الصدد تستعد لعملية البيع الجزئي لشركة "أرامكو السعودية" مشيرا إلى أن الانتهاء من هذا الأمر سيقود إلى نجاح إصلاحات اقتصادية أخرى واسعة في البلاد.
وأشار التقرير إلى أن طرح "أرامكو" من الأفضل أن يجيء في ظل سوق نفط قوي مع أسواق مالية مستقرة، لافتا إلى أن تعرض إيران إلى عقوبات يعني أنه سيكون هناك أقل من النفط الإيراني الذي يثقل المعروض في السوق العالمي، وبالتالي ستكون هناك أسعار أعلى للطاقة.
وبحسب التقرير فإن السعودية تلعب منذ زمن طويل دور المنتج القائد داخل منظمة أوبك الذي يمكنه بسهلة رفع أو خفض الإنتاج لمعالجة المشكلات وضمان السوق في حالة استقرار وتوازن متصل.
ورجح التقرير أنه وفقا للحالة الراهنة وبعد القرار الأمريكي، أن تختار السعودية إنتاج مزيد من النفط حيث لا يؤدي العجز الناجم عن العقوبات المفروضة على طهران إلى ارتفاع أسعار النفط الخام إلى درجة عالية حيث يتم تقليص الطلب، مشيرا إلى إن إنتاج المزيد من النفط بسعر أعلى سيعزز الإيرادات ويدعم الاقتصاد السعودي.
في سياق متصل، شدد روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، على أهمية الاتصالات التي يقودها حاليا المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية التي تشمل كبار المنتجين والمستهلكين لتفادي أي آثار سلبية للقرار الأمريكي بشأن إلغاء الاتفاق النووي مع إيران وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية الصارمة.
وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن قادة الصناعة يركزون على حماية السوق من أي هزات عنيفة نتيجة للقرارات والتطورات السياسية المختلفة، مشيرا إلى أن التنسيق السعودي ـــ الروسي الذي يتم على أعلى مستوى، كفيل بتعويض أي نقص في الإمدادات والحفاظ على السوق مستقرة ومتوازنة في علاقة العرض والطلب.
من جانبه، أوضح لـ "الاقتصادية"، جوران جيران مساعد مدير بنك "زد إيه إف" في كرواتيا، أن تعهد السعودية بالحد من تأثير أي نقص في الإمدادات بالتعاون مع بقية المنتجين والمستهلكين في "أوبك" وخارجها تعتبر رسالة مهمة لطمأنة الأسواق من مخاوف عديدة انتشرت بعد إقدام الولايات المتحدة على اتخاذ قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.
وأضاف جيران أن "أوبك" حتى الآن متمسكة باتفاقها بخفض الإنتاج بالتعاون مع المنتجين من خارجها وهي ترى أن مهمة استعادة التوازن الكامل في السوق لم تتحقق بعد، مشيرا إلى أن البعض يذهب في توقعاته إلى أن القرار الأمريكي سيجعل التمسك بخفض الإنتاج لا مبرر له في ضوء توقع تقلص الصادرات الإيرانية بأكثر من مليون برميل يوميا، ومن ثم قد يفاجئ المنتجون السوق خلال اجتماعهم في فيينا في حزيران (يونيو) المقبل بمواقف وقرارات جديدة بشأن الإنتاج.
من ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، آرتوراس فيفراس مدير الاستثمار في "فيكتوريا بنك" في مولدوفا، إن التوتر في الشرق الأوسط والمرشح لمزيد من التصاعد عقب القرار الأمريكي سيؤدي إلى استمرار ارتفاع الأسعار خاصة مع الانهيار المتوقع لصادرات إيران النفطية.
وأشار فيفراس إلى أن الأسعار المرتفعة ستكون إيجابية للغاية للاستثمار ولاقتصادات الدول المنتجة خاصة روسيا التي تعتمد بشكل غالب على صادرات النفط والغاز، لافتا إلى أن وصول الأسعار إلى مستويات مرتفعة بشكل حاد قد يكون له نتائج سلبية ومنها إضعاف الطلب ولذا على المنتجين في اجتماعهم المقبل تحفيز السوق على مزيد من التوازن وضمان بقاء الأسعار عند المستويات الصحية الملائمة للاقتصاد العالمي.