26/09/2018
لغت أسعار النفط أمس، أعلى مستوى في أربع سنوات، بسبب عقوبات أمريكية وشيكة على صادرات إيران من الخام، إضافة إلى إحجام "أوبك" وروسيا عن زيادة الإمدادات العالمية.
وواصلت العقود الآجلة لخام برنت مكاسبها وترتفع أكثر من دولار للبرميل لتسجل أعلى مستوى في الجلسة عند 82.22 دولار وهو أعلى سعر منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، وفقا لـ"رويترز".
ويتجه سعر النفط صوب تسجيل خامس زيادة فصلية على التوالي، في أطول سلسلة من المكاسب منذ أوائل 2017، حين قادت موجة ارتفاع استمرت ستة فصول سعر النفط إلى مستوى قياسي عند 147.50 دولار للبرميل.
وزادت العقود الآجلة للخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط 30 سنتا إلى 72.38 دولار للبرميل قرب أعلى مستوياتها منذ منتصف تموز (يوليو) الماضي.
وتستهدف الولايات المتحدة من الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، صادرات النفط الإيرانية بعقوبات وتضغط واشنطن على الحكومات والشركات في أنحاء العالم للامتثال وخفض المشتريات من طهران.
وقال هاري شلينجوريان مدير استراتيجية أسواق السلع الأولية في بنك بي.إن.بي باريبا الفرنسي متحدثا لمنتدى النفط العالمي الذي نظمته "رويترز" أمس، "ستفقد إيران أحجام تصدير كبيرة، ونظرا لتردد "أوبك+" في زيادة الإنتاج، فالسوق ليست مجهزة لملء الفجوة".
وكان محمد باركيندو الأمين العام لـ"أوبك" قال في مدريد أمس، إن من المهم لـ"أوبك" وشركائها، بمن فيهم روسيا، التعاون لضمان عدم "انزلاقهم من أزمة إلى أخرى".
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية نموا قويا للطلب على النفط بمقدار 1.4 مليون برميل يوميا هذا العام و1.5 مليون برميل يوميا في 2019، وقالت في أحدث تقرير لها إن السوق تشهد شحا في الإمدادات.
إلى ذلك، أكد كوميرتس بنك الألماني الدولي أن ارتفاع الأسعار بشكل قياسي جاء كرد فعل لسوق النفط الخام على تحفظ مجموعة المنتجين في "أوبك" وخارجها على إعلان زيادة في إنتاجها النفطي خلال الاجتماع العاشر للجنة المراقبة الوزارية في الجزائر الأحد الماضي.
وقال تقرير حديث للبنك إن تجاوز أسعار خام برنت مستوى 80 دولارا للبرميل كان أمرا متوقعا. وأشار إلى أن "أوبك+" ما زالت متمسكة بالعمل على هدفها السابق وهو الحفاظ على الالتزام بنسبة 100 في المائة بالتخفيضات الإنتاجية، معتبرة أن هذا الأمر كاف لتعويض السوق عن نقص المعروض من خلال زيادات تدريجية بعد إلغاء التخفيضات الطوعية الزائدة.
من جانبه، قال تقرير "أويل برايس" إن صعود الأسعار جاء حادا اعتبارا من أمس الأول، وهو بداية الأسبوع وأول يوم عقب اجتماع الجزائر الذي قررت فيه مجموعة "أوبك +" عدم القيام بشيء في مواجهة حالة تشديد سوق النفط الخام.
وسلط التقرير الضوء على بيان لـ"أوبك" أعلنت فيه أن لجنة المتابعة الوزارية المشتركة بين منظمة "أوبك" وحلفائها من المنتجين المستقلين ذكرت أنه على الرغم من الشكوك المتزايدة المحيطة بأساسيات السوق بما في ذلك الاقتصاد والطلب والعرض أعربت اللجنة عن ارتياحها بشأن توقعات سوق النفط الحالية مع وجود توازن صحي شامل بين العرض والطلب.
وأشار التقرير إلى قول المهندس خالد الفالح وزير الطاقة السعودي للصحافيين بعد الاجتماع إنه لا يعرف أي شركة لتكرير النفط في العالم تبحث عن النفط ولا تستطيع الحصول عليه.
وحذر التقرير من الخسائر الهائلة في الإمدادات من إيران ناهيك عن الانخفاضات المستمرة في إنتاج فنزويلا، مشيرا إلى تباين التقديرات عن الانقطاعات المحتملة من إيران مع اقتراب موعد العقوبات في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، مرجحا أنها تراوح بين مليون ومليوني برميل يوميا، بينما يقلل آخرون من هذه التوقعات ويرون الخسائر لا تتجاوز 500 ألف برميل يوميا.
ولفت إلى أن هذه الخسائر في الإمدادات مهما اختلفت ولكن المؤكد أنها سوف تؤدي إلى تشديد كبير في سوق النفط، ما يدفع الأسعار إلى أعلى مستوى لها خلال شهرين.
من جهته، قال لـ"الاقتصادية" بيل فارين برايس مدير شركة "بتروليوم بوليسي انتلجنس"، إن ارتفاع أسعار النفط الخام إلى مستوى قياسي هو الأعلى في أربع سنوات ينبئ بعديد من الارتفاعات اللاحقة وهو ما دفع الكثير من المؤسسات المالية إلى توقع عودة قريبة لمستوى 100 دولار للبرميل.
وأشار إلى أن "أوبك" وحلفاءها يكافحون بالفعل من أجل تعويض التراجعات الحادة في إنتاج إيران وفنزويلا ولكن حتى الآن الزيادات محدودة وغير قادرة على بث الثقة وطمأنة المستهلكين على استقرار الإمدادات خاصة أن اجتماع الجزائر خرج دون حسم ملف الزيادات الإنتاجية.
من جانبه، توقع أندرو موريس مدير شركة "بويري" للاستشارات الإدارية، أن تكثف الدول المستهلكة خاصة الولايات المتحدة ضغوطها على المنتجين خلال الفترة المقبلة لكبح جماح الأسعار والمرشحة لمواصلة وتيرة الارتفاعات السريعة ما قد يهدد معدلات النمو ويحجم مستويات العرض خاصة مع ارتفاع الأسعار إلى 82 دولارا للبرميل أو أكثر.
وأكد لـ"الاقتصادية" أن الكثير من التوقعات ترجح خسارة المعروض نحو مليوني برميل يوميا بحلول موعد العقوبات في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل وهو ما يتطلب جهدا تعويضيا أقوى من قبل "أوبك" وحلفائها بقيادة روسيا، مبينا أن قناعة البعض بأن زيادات المنتجين قد تأتي محدودة بسبب حالة الرضا عن الأسعار المرتفعة لدى قطاع مهم من المنتجين وهي التي تعزز الاستثمار في عديد من المشروعات خاصة مشروعات المنبع.
من ناحيته، قال لـ"الاقتصادية" رينهولد جوتير مدير قطاع النفط والغاز في شركة سيمنس العالمية، إن النفط الصخري الأمريكي ورغم قدراته الواسعة في النمو خلال العامين الجاري والمقبل إلا أنه تلقى ضربة قوية تحد كثيرا من قدراته على النمو وهي الاختناقات في خطوط الأنابيب إلى جانب ضعف قوى العمل.
وأشار إلى إنه على الرغم من الموقف الغامض لاجتماع الجزائر إلا أن زيادات واسعة في الإمدادات سوف تحققها كل من السعودية وروسيا في شهري تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) المقبلين دون التعهد بكميات محددة، مشيرا إلى حرص كبار المنتجين على عدم التسرع في استهلاك الطاقات الاحتياطية ما دام السوق لا تستدعي ذلك وتلبي احتياجات المستهلكين على نحو جيد.
وحقق الخام الأمريكي عند تسوية أمس الأول ارتفاعا بنسبة 2.2 في المائة، في ثاني مكسب يومي على التوالي، مسجلا أعلى مستوى في شهرين عند 72.72 دولار للبرميل، وصعدت عقود برنت بنسبة 3.5 في المائة، بأكبر مكسب يومي منذ 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016.
وعلى مدار الأسبوع الماضي حققت أسعار النفط العالمية ارتفاعا بمتوسط 2.5 في المائة، في ثاني مكسب أسبوعي على التوالي، وسط انحسار مخاوف وفرة المعروض بالسوق، خاصة مع تراجع إمدادات إيران، وانخفاض مخزونات الخام التجارية في الولايات المتحدة للأسبوع الخامس على التوالي.
وتواصل الولايات المتحدة الضغط على الحكومات والشركات في جميع أنحاء العالم لخفض ووقف شراء النفط الخام من ِإيران، وذلك قبيل سريان كامل العقوبات الاقتصادية في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، حيث تهدف واشنطن إلى تراجع إمدادات إيران إلى مستوى الصفر وخروجها من السوق تماما.
واستجابت على الفور بعض الدول الكبرى خاصة اليابان وكوريا الجنوبية وأوقفت استيراد النفط الإيراني، وبدأت الهند ثاني أكبر مشتر للنفط الإيراني في خفض مشتريات الخام إلى النصف بداية من الشهر الجاري.
وقال بنك أوف أميركا ميريل لينش في مذكر للعملاء إن صادرات النفط الخام الإيراني انخفضت بمقدار 580 ألف برميل يوميا في الأشهر الثلاثة الماضية.
وعلى حسب معظم المؤسسات الاقتصادية والمالية الكبرى من المتوقع بعد سريان كامل العقوبات الأمريكية تقلص إمدادات إيران ما بين مليون و 1.5 مليون برميل يوميا من السوق.
ومن أجل تعويض النقص المحتمل بالسوق وخفض الأسعار طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من منظمة "أوبك" وروسيا زيادة الإنتاج خلال الفترة المقبلة، وهو الطلب الذي قوابل بالتجاهل من المنتجين خلال اجتماع الجزائر يوم الأحد الماضي.
ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 78.81 دولار للبرميل أمس الأول مقابل 77.08 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 15 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول ارتفاع عقب انخفاض طفيف سابق، كما أن السلة كسبت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي والذي سجلت فيه 76.19 دولار للبرميل.