أكد محللون نفطيون أن تخفيضات السعودية الإضافية والطوعية للإنتاج البالغة 400 ألف برميل ستؤدي إلى تعزيز تعافي أسعار النفط، متوقعين استمرار المكاسب السعرية للخام خلال الأسبوع الجاري، بعد أن أغلقت تعاملات الأسبوع الماضي على صعود بنحو 1 في المائة ومكاسب أسبوعية بنحو 3 في المائة، في الوقت الذي تترقب فيه الأسواق إعلان حصص خفض الإنتاج لتعزيز الشفافية، وسط توقعات بالسيطرة على وفرة المعروض المتوقعة في الربع الأول من العام المقبل.
وتلقت الأسعار دعما كبيرا من قرار المنتجين في "أوبك+" خلال الاجتماع الوزاري الأخير بتعميق تخفيضات الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يوميا اعتبارا من الشهر المقبل ليصل حجم الخفض المطبق إلى 1.7 مليون برميل يوميا ويرتفع إلى 2.1 مليون برميل يوميا بعد إضافة 400 ألف برميل تخفيضات طوعية من جانب السعودية.
ويتوقع المحللون أن يكون مستوى التخفيضات الإنتاجية الجديدة داعما بشكل كبير للسوق ولتعافي أسعار النفط، خاصة أنه سيطبق على مدار الربع الأول من العام المقبل، الذي عادة ما يشهد تباطؤا نسبيا في الطلب بسبب موسم صيانة المصافي في الولايات المتحدة، كما أن عقد اجتماع وزاري مبكر للمنتجين نهاية الربع الأول يعكس حجم المتابعة الدقيقة لتطورات السوق والتقييم المتواصل لخطة خفض المعروض النفطي.
في هذا الإطار، أوضح لـ"الاقتصادية"، روس كيندي العضو المنتدب لشركة "كيو إتش آي" الدولية لخدمات الطاقة، أن السعودية تلعب دورا محوريا وتقود تعاون المنتجين نحو خفض جديد يعجل باستعادة الاستقرار والتوازن في السوق، لافتا إلى أن تنفيذ السعودية خفضا طوعيا وإضافيا بنحو 400 ألف برميل يوميا يدعم تعافي الأسعار، ويضفي مزيدا من الفاعلية على الاتفاق الجديد لخفض الإنتاج، الذي يجيء في ظروف صعبة في السوق وسط تصاعد عدم اليقين بشأن نمو الاقتصاد العالمي.
وأضاف كيندي، أن السعودية –بعدما قدمت المثال الذي يحتذى به من قبل بقية المنتجين– طالبت شركاء الإنتاج بتحقيق أعلى مستوى ممكن الامتثال لحصص خفض الإنتاج الجديدة، والتوقف عن أي تلاعب في بيانات الإنتاج أو التصدير والعمل ضمن جهد جماعي مشترك من أجل توازن السوق واستقرارها وتناميها بشكل جيد.
من جانبه، يقول لـ"الاقتصادية"، ألكسندر بوجل المحلل في شركة "جي بي سي إنرجي" الدولية، "إن الأسعار بدأت بالفعل مسيرة جديدة من المكاسب في نهاية الأسبوع الماضي، مع تأكد الخطوة المقبلة لتحالف المنتجين في "أوبك+"، وستستمر في تحقيق ارتفاعات مرضية يتطلع إليها المنتجون في الأسبوع الجاري"، مشيرا إلى أن "أوبك" ستركز خلال الفترة المقبلة حتى اجتماع آذار (مارس) المقبل على تفعيل عملية ضبط حصص الإنتاج.
وأضاف بوجل، أنه "بموجب الصفقة الجديدة توصل المنتجون إلى قناعة قوية بأهمية وجدوى زيادة خفض الإنتاج في تحالف "أوبك+" من 1.2 مليون برميل إلى 1.7 مليون برميل يوميا، وإذا أخذنا في الحسبان التخفيضات الطوعية التي تقودها السعودية وتشارك فيها دول أخرى ندرك أن السوق على وشك السيطرة بالفعل على وفرة المعروض الواسعة والمتوقعة في الربع الأول من العام المقبل خاصة من جانب دول من خارج إعلان التعاون "أوبك+".
من ناحيته، يرى بيتر باخر المحلل والمختص في الشؤون القانونية للطاقة، أن خطة تقليص المعروض ستحقق كثيرا من النجاح خلال العام المقبل وتدفع الأسعار نحو النمو، "خاصة إذا أخذنا في الحسبان عدة عوامل، منها التخفيض المستمر الطوعي للسعودية الذي جعل متوسط إنتاج المملكة 9.8 مليون برميل يوميا حتى الآن هذا العام، وهناك أيضا التراجعات الحادة في إنتاج كل من إيران وفنزويلا بسبب العقوبات وليبيا بسبب الاضطرابات السياسية، كما أنه لن تتمكن دول أخرى مثل أنجولا وأذربيجان والمكسيك من الحفاظ على إنتاجها".
وأوضح لـ"الاقتصادية"، أن السوق تتطلع إلى إعلان الحصص الجديدة لكل دولة من أجل تعزيز شفافية الأسواق وتوفير بيانات كاملة ودقيقة عن خطة خفض الإنتاج، ما يسهل متابعة ومراقبة الإنتاج في كل دولة للتحقق من الجدية في تنفيذ الصفقة الجديدة، خاصة في ضوء توقعات ببعض التراخي من قبل بعض المنتجين، لافتا إلى أن العبء سيكون كبيرا على اللجنتين الفنية والوزارية لمتابعة اتفاق خفض الإنتاج لتقييم تعامل المنتجين مع حصص الخفض بشكل عام، والخفض الموسع في العام المقبل.
بدورها، تقول لـ"الاقتصادية"، أرفي ناهار المختصة في شؤون النفط والغاز في شركة "أفريكان ليدرشيب" الدولية، "إن الاتفاق الجديد منح أجواء معنوية أفضل للسوق وسيمكن من التغلب على تأثيرات تعثر مفاوضات التجارة، بينما سيؤدي التقدم في مفاوضات التجارة إلى دفع أسعار النفط، ويعضد جهود تحالف "أوبك+" على نحو واسع".
وتوقعت أرفي، أن تحقق روسيا امتثالا جيدا في الأشهر الثلاثة المقبلة لأسباب منها رغبتها في توثيق التعاون والشراكة مع "أوبك"، وبسبب استجابة "أوبك" لها باستبعاد النفط الخفيف جدا الذي يسمى المكثفات من حصة موسكو، حيث ترى أن إنتاج تلك المواد الهيدروكربونية التي يتم استخراجها من حقول الغاز الطبيعي كانت السبب الوحيد وراء ضعف الامتثال لخطة خفض الإنتاج.
وكانت أسعار النفط أنهت الأسبوع الماضي على مكاسب كبيرة، وصعد خام مزيج برنت أكثر من 1 في المائة، بعد انتعاش المعنويات في السوق جراء الإعلان عن تعميق تخفضات الإنتاج.
وبحسب "رويترز"، أنهت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت جلسة التداول مرتفعة 1.6 في المائة إلى 64.38 دولار للبرميل، منهية الأسبوع على مكاسب قدرها 3 في المائة.
وصعدت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط 1.3 في المائة لتغلق عند 59.20 دولار للبرميل، مسجلة مكاسب قدرها 7 في المائة على مدار الأسبوع وهي أكبر زيادة أسبوعية منذ حزيران (يونيو) بعد أن أظهرت بيانات إدارة الطاقة الأمريكية أن مخزونات الخام في الولايات المتحدة هبطت للمرة الأولى في ستة أسابيع.
من جانب آخر، خفضت شركات الطاقة الأمريكية عدد حفارات النفط العاملة لسابع أسبوع على التوالي مع قيام منتجين مستقلين بتقليل الإنفاق على عمليات الحفر الجديدة، رغم أن سلسلة انخفاضات على مدار عام في عدد الحفارات لم تمنع إنتاج النفط في الولايات المتحدة من تسجيل مستويات قياسية جديدة.
وأفادت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة، في تقريرها الأسبوعي، الذي يحظى بمتابعة وثيقة، أن شركات الحفر أوقفت تشغيل خمسة حفارات نفطية في الأسبوع الماضي لينخفض إجمالي عدد الحفارات إلى 663 وهو أدنى مستوى منذ نيسان (أبريل) 2017.
في الأسبوع نفسه قبل عام، كان هناك 877 حفارا نفطيا قيد التشغيل في الولايات المتحدة، ويتجه عدد حفارات النفط إلى تسجيل أول عام من الهبوط منذ 2016.
لكن الانخفاض للعام الحالي، الذي بلغ 222 حتى الآن، أقل كثيرا من الهبوط المسجل في 2015 الذي بلغ 963 حفارا، وفقا لبيانات "بيكر هيوز" التي ترجع إلى 1987.
وتراجع عدد حفارات النفط النشطة، وهو مؤشر أولي للإنتاج مستقبلا، على 12 شهرا متتالية، وهو رقم قياسي، مع قيام شركات الاستكشاف والإنتاج المستقلة بخفض الإنفاق على عمليات الحفر الجديدة، بينما يسعى المساهمون إلى تحسين العوائد وسط بيئة أسعار منخفضة للطاقة. ورغم الانخفاضات في عدد الحفارات النشطة، فإن إنتاج النفط الأمريكي من المنتظر أن يرتفع إلى 12.9 مليون برميل يوميا في 2019 وإلى 13.29 مليون برميل يوميا في 2020، من مستوى قياسي بلغ 11 مليون برميل يوميا في 2018.