لا تزال "أوبك" تتمهل في التعامل مع متغيرات السوق، في ضوء قناعتها القوية بأن السوق مزودة بشكل جيد، وأساسياتها قوية في ضوء بيانات اقتصادية تؤكد استمرار وفرة المعروض وارتفاع مستوى المخزونات النفطية الأمريكية.
ويتأهب المنتجون لاجتماعين حاسمين الأول في جدة في 19 أيار (مايو) المقبل ويضم اللجنة الوزارية المعنية بمراقبة خفض الإنتاج والثاني هو الاجتماع الموسع للمنتجين في "أوبك" وخارجها في 25 حزيران (يونيو) المقبل في فيينا، الذي من المتوقع أن يسفر عن مراجعة متغيرات السوق وتحديد سياسات الإنتاج في المرحلة المقبلة خاصة في النصف الثاني من العام.
وقال لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون، "إن السعودية والإمارات تستطيعان إضافة مليوني برميل يوميا على الفور، لكنهما تفضلان التريث حتى نمو الطلب".
وأوضحوا أن إلغاء التنازلات الأمريكية لمشتري النفط الإيراني سيؤدى بالتأكيد إلى تضييق المعروض على نحو مؤثر، خاصة أنها تأتي بالتوازي مع عقوبات مماثلة على فنزويلا واضطرابات أقل حدة في دول مثل ليبيا وأنجولا.
وأشاروا إلى أن السوق على أبواب ندرة نسبية في النفط الثقيل في مقابل استمرار حالة الوفرة الواسعة في النفط الخفيف التي يقودها الإنتاج الأمريكي.
وقال سيفين شيميل مدير شركة "فب جي أندستري" الألمانية، "إن إنهاء التنازلات الأمريكية الممنوحة لمشتري النفط الإيراني في الثاني من أيار (مايو) المقبل، وضع تجار النفط في حالة من التأهب والترقب للفترة المقبلة".
وأشار إلى أن الجميع على ثقة بقدرة السعودية على تعويض أي انخفاض في المعروض، لكن من الواضح أن هناك رغبة في عدم التعجل وإعطاء فرصة أكبر لتقييم ودراسة وضع السوق وهو ما سيتم بشكل مكثف في الشهرين المقبلين.
وأوضح أن المنتجين استفادوا جيدا من درس الربع الرابع من العام الماضي عندما سارعوا بزيادة الإنتاج بمستويات قياسية سريعة، ما أدى إلى تهاوي الأسعار بشكل حاد وأثر ذلك بشكل كبير في الاستثمار وفي موازنات الدول المنتجة.
ولفت إلى أن هناك حرصا في التعامل مع متغيرات السوق في هذه المرحلة وهو ما اتضح من تصريحات السعودية عن ضرورة حدوث تعاف مقابل ونمو ملحوظ فب مستويات الطلب قبل إقرار أي زيادة جديدة في الإمدادات.
من جانبه، أكد مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، أن الانخفاض في المعروض جراء العقوبات على إيران قد يستغرق عدة شهور حتى يتضح تأثيره في السوق، مشيرا إلى أن الزيادة السريعة من بقية المنتجين قد لا تكون في مصلحة استقرار السوق.
وأوضح أن السعودية والإمارات ستلعبان دورا رئيسا في تزويد السوق وهو ما يعطي طمأنة لكل أطراف الصناعة بأن المخاوف من نقص المعروض قد تكون مبالغا فيها، ولن تحدث في ضوء الضمانات التي قدمها كبار المنتجين في "أوبك" وخارجها.
وذكر أن أسعار النفط الخام الحالية رغم ارتفاعها فإنها لا تقوض النمو الاقتصادي ولا تدمر الطلب بل على العكس تعزز القدرات الإنتاجية والاستثمارية الجديدة، "لذا فإن فتح صنابير الإنتاج بشكل عشوائي ليس في مصلحة أحد وسيؤدي إلى مكاسب محدودة ووقتية للمستهلكين جراء انخفاض الأسعار".
بدوره، قال ردولف هوبر المختص في شؤون الطاقة ومدير أحد المواقع المتخصصة، "إن الطاقات الاحتياطية الجاهزة لـ"أوبك" كبيرة ويمكن للسعودية والإمارات وحدهما إضافة نحو مليوني برميل يوميا وهو ما يفوق بكثير حجم اتفاق خفض الإنتاج لدول "أوبك" وخارجها الذي يبلغ 1.2 مليون برميل يوميا ومطبق منذ مطلع العام الجاري"، لافتا إلى أن أغلب التوقعات تشير إلى عدم وجود تحرك من "أوبك" لتغيير سياسات الإنتاج قبل حزيران (يونيو) المقبل.
وذكر أن الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري يستفيد كثيرا أيضا من ارتفاع الأسعار، حيث تسهل له الأسعار المرتفعة زيادة الإمدادات وهو ما يقلق الجانب الروسي بشكل خاص الذي يفضل في المرحلة المقبلة أن يتم التركيز على حماية الحصص السوقية، متوقعا أن يشهد اجتماع حزيران (يونيو) المقبل بين وزراء "أوبك" وخارجها كثيرا من المحادثات حول أفضل سياسات الإنتاج ومدى جدوى الحفاظ على قرار خفض المعروض النفطي.
من جانبه، قال أندريه يانييف المحلل البلغاري ومختص شؤون الطاقة، "إن أسعار البنزين هي الهاجس الأكبر لدى الأمريكيين خاصة مع اقتراب موسم الرحلات الصيفي أو ما يعرف بموسم القيادة الذي يرتفع فيه الطلب على البنزين، ومن هنا جاءت مطالبات الإدارة الأمريكية بخفض الأسعار، لكن "أوبك" ما زالت على رؤيتها للسوق، وهي ترى أن مستوى سعر البرميل ما بين 70 و80 دولارا للبرميل مستوى جيد للصناعة بشكل عام".
وأشار إلى أن "أوبك" لها استراتيجية ثابتة هي استهداف استقرار السوق وتحسين أساسياتها، حيث إنها قلقة بعض الشيء حاليا من ارتفاع المخزونات على الرغم من أزمة الإنتاج فى فنزويلا وإلغاء التنازلات لمشتري النفط الإيراني، وهو ما يجعلها أكثر هدوءا في تحديد الخطوة المقبلة خاصة أن السوق لا تزال مزودة بشكل جيد حاليا ولعدة شهور مقبلة.
وفيما يخص الأسعار، فإن النفط عوض خسائره أمس، حيث تحول برنت إلى الصعود بعد تراجعه أكثر من دولار للبرميل في وقت سابق.
واستقرت أسعار برنت أمس عند 71.69 دولار للبرميل، في حين خسرت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 24 سنتا أو 0.4 في المائة إلى 63.06 دولار. وانخفض الخامان نحو 3 في المائة في الجلسة السابقة.
وتراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 72.38 دولار للبرميل يوم الجمعة الماضي، مقابل 74.04 دولار للبرميل فى اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" أمس، "إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 14 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول انخفاض عقب عدة ارتفاعات سابقة، كما أن السلة كسبت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 70.83 دولار للبرميل".