تستعد السعودية لتولي الرئاسة الدورية لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" اعتبارا من أول يناير 2017 لمدة عام، وهو العام الذي تحيط به أجواء تفاؤلية واسعة، حتى إن البعض اعتبره عام استعادة التوازن بين العرض والطلب في سوق النفط الخام، وإنهاء حالة تخمة المعروض المزمنة في الأسواق خاصة بعد أن قادت السعودية بالتعاون مع روسيا وبقية دول "أوبك" إلى خطة ناجحة لخفض الإنتاج، أسفرت عن التوصل إلى اتفاقية فيينا لتنفيذ اتفاق الجزائر يوم الأربعاء الماضي.
وتتسلم السعودية الرئاسة من قطر بعد رئاستها المؤتمر العام لـ "أوبك" على مدار العام الحالي، ووفقا لقرار الاجتماع الوزاري ستكون السعودية بديلا عن الإمارات في الرئاسة على مدار العام المقبل، وتتطلع سوق النفط إلى دور أكثر تأثيرا للسعودية خلال فترة قيادة المنظمة، خاصة أنها عمليا المنتج الأكبر بين أعضاء "أوبك".
وكان الاجتماع الوزاري لمنظمة أوبك في دورته 171 قد عقد في أجواء متوترة، وفي ضوء تقلبات سعرية حادة بسبب الشكوك في توافق المنتجين خاصة بعد إلغاء اجتماع لمنتجي "أوبك" والمنتجين من خارجها قبل الاجتماع الوزاري بيوم واحد، إلا أن النهاية كانت سعيدة ولبت طموحات السوق بعد التوافق على خفض إنتاج المنظمة بنحو 1.2 مليون برميل يوميا وبمساهمة من خارج "أوبك" بنحو 600 ألف برميل يوميا، تتحمل روسيا نصفها.
وفى ضوء الاتفاق الجديد، ربحت أسعار النفط على مدار الأيام القليلة الماضية نحو 13 في المائة، وأنهت الأسبوع وهى تسجل أفضل أداء أسبوعي في خمس سنوات واستقرت الأسعار فوق 50 دولارا للبرميل، وسط توقعات بأن تختم العام عند مستوى أعلى من 55 دولارا للبرميل.
وتتطلع السوق إلى اجتماع لاحق آخر شديد الأهمية وهو اجتماع منتجي "أوبك" والمستقلين في فيينا يوم 10 ديسمبر الجاري، لوضع اللمسات النهائية على آليات تنفيذ اتفاقية خفض الإنتاج، بمشاركة أغلب منتجي النفط في العالم سواء في "أوبك" أو خارجها، وهو الاجتماع الذي كان مقترحا عقده في 8 ديسمبر في الدوحة ثم موسكو، قبل أن يستقر الأمر على اختيار فيينا.
وتتحمل منظمة أوبك ووزراء ثلاث دول منتجة هي الكويت والجزائر وفنزويلا عبء مهمة مراقبة تطبيق اتفاق خفض الإنتاج وتقييم التطورات في السوق والتحقق من مدى النجاح في استعادة الاستقرار، تمهيدا لتقييم التجربة قبل عقد الاجتماع الوزاري المقبل لـ "أوبك" في 25 مايو المقبل.
وفى سياق متصل، أكد محمد باركيندو؛ الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، أن قرار "أوبك" التاريخي بخفض الإنتاج خلال الاجتماع الوزاري الأربعاء الماضي، سيساعد دون شك على دفع عملية إعادة التوازن إلى سوق النفط العالمية إلى الأمام.
جاء ذلك خلال لقاء باركيندو مع وزير الاقتصاد والصناعة والتجارة في اليابان يوسوكى تاكاجى والوفد المرافق له في مقر "أوبك" في فيينا، حيث قدم باركيندو شرحا دقيقا للوزير الياباني حول الأحداث والأسباب التي أدت إلى انهيار سوق النفط في منتصف 2014، وكيفية تركيز "أوبك" على العمل بشكل منهجي، منذ ذلك الوقت من أجل إعادة الاستقرار إلى السوق من خلال إجراء مشاورات مكثفة داخل منظمة أوبك، وأيضا مع الدول غير الأعضاء في "أوبك".
وأكد باركيندو أن الاجتماعات الرئيسية السابقة التي عقدت في كل من الدوحة والجزائر، كان لها دور مهم وساعدت على بناء توافق الآراء اللازم للتوصل إلى الاتفاق التاريخي بخفض الإنتاج خلال الاجتماع الوزاري يوم الأربعاء الماضي.
وأشار الأمين العام إلى أن هذا الاتفاق التاريخي لدول "أوبك"، وما ينجم عنها من استقرار متوقع في السوق لن يستفيد منه فقط المنتجون، لكن أيضا سيستفيد منه المستهلكون خاصة الدول الصناعية الكبرى مثل اليابان والولايات المتحدة إلى جانب الدول المستهلكة الأخرى.
ونوه باركيندو بأهمية استمرار تعاون المنتجين والمستهلكين والعمل معا للحفاظ على استمرارية الحوار البناء، ما سيوفر الأساس الضروري للاستقرار في المستقبل ويعزز الاستثمار والنمو الاقتصادي، مضيفا أن "هذا سيكون مكسبا لجميع أصحاب المصلحة المعنيين".
من جانبه، أشاد وزير الاقتصاد والصناعة والتجارة في اليابان يوسوكي تاكاجي بنجاح الدول الأعضاء في منظمة أوبك في التوصل إلى الاتفاق التاريخي الخاص بخفض إنتاج المنظمة خلال الاجتماع الوزراي رقم 171 الأسبوع الماضي، حيث نجح الأعضاء في التوافق على تنفيذ اتفاق الجزائر الذي ينص على خفض إنتاج "أوبك" نحو 1.2 مليون برميل يوميا ليصل إلى سقف 32.5 مليون برميل يوميا اعتبارا من أول يناير 2017 ولمدة ستة أشهر، قابلة للتمديد لمدة ستة أشهر إضافية تبعا للظروف السائدة في السوق.
وقال "إنه من الضروري أن تدعم الدول الصناعية الكبرى اتفاقية فيينا لتنفيذ اتفاق الجزائر التي ستدخل حيز التنفيذ في أول يناير المقبل"، مشيرا إلى أهمية زيادة التقارب العالمي ودعم المصالح المشتركة بين المنتجين والمستهلكين للنفط لاستعادة الاستقرار في سوق النفط على أساس مستدام.
من جانب آخر، تعهدت جمعية منتجي النفط في إفريقيا APPA بتقديم الدعم الكامل لجهود "أوبك" الجارية لخفض الإنتاج، بهدف التغلب على مشكلة الانخفاض في أسعار النفط الخام، التي أثرت في أسواق النفط العالمية منذ منتصف عام 2014.
ونقل تقرير الجمعية عن رئيسها أداما تونكارا، وزير المناجم والبترول والطاقة في كوت ديفوار، تأكيده دعم اتفاق خفض الإنتاج الذي تم التوصل إليه في فيينا، إضافة إلى مساندة جهود "أوبك" لمعالجة انخفاض أسعار النفط، مشيرا إلى تأييد الجمعية لدول "أوبك" في عملية تحسين الأسعار في أسواق النفط ودعم استقرار السوق.
وأشار التقرير إلى أن تأييد الجمعية اتفاقية فيينا ومن قبلها اتفاق الجزائر جاء عن قناعة بالصعوبات التي واجهت سوق النفط في العامين الماضيين، وأدت إلى تأثر كل المنتجين ومنهم المنتجون الأفارقة، ما تطلب التحرك الجماعي الجاد للمنتجين، لدعم الأسعار واستعادة التوازن في الأسواق.
وقال التقرير "إن الاجتماع رقم 52 لـ "الخبراء" في الدول الأعضاء في الجمعية الإفريقية عقد في دولة بنين في أكتوبر الماضي، وأشاد باتفاق الجزائر واعتبره بداية موفقة للتعاون المشترك للمنتجين، وأعرب عن تأييد المنتجين الأفارقة لخطط خفض الإنتاج والتنسيق بين كافة المنتجين".
وأوضح التقرير أن الجمعية الإفريقية تضم 18 دولة منتجة للنفط، منها خمس دول أعضاء في "أوبك"، ليبيا والجزائر ونيجيريا وأنجولا والجابون، وتأسست الجمعية في نيجيريا ومقرها حاليا الكونغو برازافيل، ويوجد بين أعضائها أيضا دول عربية غير أعضاء في "أوبك" مثل مصر والسودان وتأسست عام 1987.
من ناحية أخرى فيما يخص الأسعار في ختام الأسبوع الماضي، ارتفعت أسعار النفط يوم الجمعة لتسجل أفضل أداء أسبوعي لها فيما لا يقل عن خمس سنوات واستقرت فوق 51 دولارا للبرميل، عقب قرار "أوبك" خفض إنتاج الخام للحد من تخمة المعروض العالمي التي تضغط على الأسعار منذ أكثر من عامين.
وبعد الإعلان عن الاتفاق يوم الأربعاء، ركزت السوق على تنفيذ وتأثير أول اتفاق لـ "أوبك" منذ 2008 على خفض الإنتاج الذي ستشارك فيه روسيا وربما منتجون آخرون غير أعضاء في المنظمة.
وتعرضت أسعار النفط لضغوط بفعل بيانات تظهر أن إنتاج النفط في روسيا ارتفع في تشرين الثاني (نوفمبر) إلى أعلى مستوى له بعد الحقبة السوفيتية وأنباء عن أن موسكو تخطط لاستخدام المستوى القياسي لإنتاج الخام الذي بلغته الشهر الماضي كأساس لخفض إنتاجها.
وزاد خام القياس العالمي مزيج برنت في عقود شهر أقرب استحقاق 52 سنتا أو 0.96 في المائة ليبلغ عند التسوية 54.46 دولار للبرميل، وارتفع عقد برنت أكثر من 15 في المائة على مدى الأسبوع ليسجل أكبر مكاسبه الأسبوعية منذ أوائل 2009. وأنهى الخام الأمريكي الجلسة مرتفعا 62 سنتا أو 1.21 في المائة ليبلغ عن التسوية 51.68 دولار للبرميل، ويحقق أكبر مكاسبه الأسبوعية منذ أوائل 2011 بارتفاعه 12 في المائة.
وحصل النفط على الدعم من انخفاض الدولار الذي تراجع مقابل سلة من العملات، لكن متعاملين قالوا "إن عمليات جني الأرباح قبل عطلة نهاية الأسبوع حدت من مكاسب الخام".
وصعدت الأسعار إلى أعلى مستوياتها خلال الجلسة أمس الأول، بعدما قال البيت الأبيض "إن من المتوقع أن يصدق الرئيس الأمريكي باراك أوباما على تشريع يمدد العقوبات المفروضة على إيران لعشر سنوات أخرى ليصبح قانونا".
وقد واصلت شركات الطاقة الأمريكية زيادة أنشطة الحفر النفطية للشهر السابع هذا الأسبوع مع مضيها قدما في خططها الرامية إلى زيادة عدد منصات الحفر في ظل ارتفاع سعر الخام لأعلى مستوى في أكثر من عام.
وقالت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة أمس الأول، "إن شركات الحفر زادت عدد المنصات النفطية بواقع ثلاث منصات في الأسبوع المنتهي في الثاني من كانون الأول (ديسمبر) ليرتفع إجمالي عدد منصات الحفر إلى 477 منصة وهو أعلى مستوى منذ كانون الأول (ديسمبر)، لكنه يظل دون عددها البالغ 545 منصة الذي سجلته قبل عام.
ومنذ أن تعافت أسعار الخام من أدنى مستوياتها في 13 عاما إلى نحو 50 دولارا للبرميل، أضافت الشركات 161 منصة حفر نفطية في 24 أسبوعا من الأسابيع الـ 27 الأخيرة.
وهذا هو التعافي الأكبر في عدد منصات الحفر الذي ترصده "بيكر هيوز" منذ تضرر السوق من تخمة في المعروض استمرت على مدار أكثر من عامين. وتراجع عدد منصات الحفر النفطية من مستوى قياسي بلغ 1609 منصات في تشرين الأول (أكتوبر) 2014 إلى أدنى مستوياته في ست سنوات عند 316 منصة في أيار (مايو) مع هبوط أسعار الخام الأمريكي من فوق 107 دولارات للبرميل في حزيران (يونيو) 2014 إلى قرب 26 دولارا في شباط (فبراير) 2016.