31/12/2008
توقع البنك الدولي في تقرير صدر عنه أمس الأول, تحت عنوان(الآفاق الاقتصادية العالمية 2009 - الآفاق المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)، أن يحدث انخفاض مباشر في تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية الداخلة لمنطقة الشرق الأوسط مع مطلع عام 2009، كنتائج غير مباشرة لتداعيات الأزمة المالية العالمية على اقتصادات الدول النامية.
وقال التقرير إن الآثار المباشرة للأزمة المالية التي شهدتها معظم البلدان النامية في هذه المنطقة حتى الآن طفيفة نسبياً، ويرجع ذلك إلى أن البنوك وشركات الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لم تمتلك حوافظ كبيرة من الأوراق المالية المضمونة برهونات عقارية أقل جودة.
وأضاف التقرير" إلا أن الآثار غير المباشرة تزداد وضوحاً مع ارتفاع هوامش أسعار الفائدة على الديون السيادية، والتدهور الحاد في أسواق أسهم رأس المال. كما انخفض إجمالي تدفقات رؤوس الأموال إلى بلدان المنطقة، وهو أمر مرشح لمزيد من التدهور. وساعدت القفزة التي شهدتها القروض المصرفية من أربعة مليارات دولار إلى 14 مليار دولار في هذا العام حتى آب (أغسطس) 2008 على موازنة الانخفاض في إصدار السندات وأسهم رأس المال بواقع الثلثين تقريباً في هذه الفترة".
وربط التقرير بين إمكانية حدوث انتعاش اقتصادي في 2010، وإمكانية التوصل إلى تسوية سريعة للأزمة المالية الحالية في البلدان المرتفعة الدخل وحدوث انتعاش معتدل في النمو في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، ارتفاع معدل نمو إجمالي الناتج المحلي إلى نسبة 5.2 في المائة، مدفوعاً بعودة معدلات النمو إلى 5.7 في المائة في البلدان ذات الاقتصادات المتنوعة النشاط.
وأوضح البنك الدولي أن المنطقة شهدت تغيراً متعرجاً ارتبط بالأسعار العالمية للسلع الأولية في السنوات الأخيرة ـ من زيادات تدريجية إلى طفرة في أسعار النفط الخام والمواد الغذائية (خاصة الحبوب) وأسعار المواد الخام خلال الفترة بين عام 2005 وحتى منتصف عام 2008 ـ إلى انحسار هذه الموجة بصورة مفاجئة وقوية في النصف الثاني من عام 2008. وعلى الصعيد الإيجابي لدورة السلع الأولية استطاعت البلدان النامية المصدرة للنفط في المنطقة ـ الجزائر، ومصر (رغم أن لديها اقتصاداً أكثر تنوعاً)، وإيران ، وسورية، واليمن ـ أن تحصد 82 مليار دولار من الإيرادات الإضافية على مدى فترة السنوات 2003- 2007، وبلغ مجمل إيراداتها في العام الأخير 130 مليار دولار.
وتابع التقرير" في حين قفزت الإيرادات النفطية في النصف الأول من عام 2008 بنسبة 50 في المائة لتصل إلى 200 مليار دولار تقريباً، فإن آثار الأزمة المالية والتوقعات بتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي بدرجة أكبر دفعت أسعار النفط إلى هبوط حاد من الذروة التي بلغتها عند نحو 150 دولاراً للبرميل في تموز ( يوليو) إلى ما يقترب من 65 دولاراً للبرميل في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2008. ونتيجة لذلك، تشهد بلدان المنطقة المصدرة للنفط حالياً هبوطاً كبيراً في إيرادات الهيدروكربونات، ومعدلات التبادل التجاري، وفوائض الحسابات الجارية، وهو ما سيتجلى بصورة أكثر وضوحاً في عام 2009."
ويتوقف تحقيق الانتعاش في المنطقة في عام 2010 بحسب خبراء البنك الدولي على تحسّن الصادرات وحدوث زيادة معتدلة في الاستثمارات. إلا أن ذلك يعتمد في المقام الأول على تحقيق زيادة بنسبة 1.8 نقطة مئوية في نفقات الأسر لرفع المعدل السنوي إلى 6 في المائة في ضوء انخفاض كل من أسعار السلع الأولية ـ التي ارتفعت في وقت سابق ـ ومعدل تضخم أسعار المستهلكين، ما يفسح المجال لتحقيق استقرار تدريجي ولانتعاش القوة الشرائية للمستهلكين.
وزاد التقرير "ستستمر فوائض الحسابات الجارية في المنطقة في التقلص بشكل عام لتصل إلى نحو 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، مما سيتيح مجموعة جديدة من "الأوضاع الأولية" من المرجح أن تكون منطلقاً للنمو في العقد التالي".
وبين البنك الدولي أن الارتفاع الكبير في الأسعار العالمية للحبوب الغذائية والعلفية (أكثر من 50 في المائة خلال النصف الأول من عام 2008)، وزيادة متوسط أسعار النفط الخام بواقع 42 في المائة في هذا العام، إضافة إلى وصول الطلب المحلي في عديد من اقتصادات المنطقة إلى مستويات محمومة (لا سيما في مصر، وإيران، وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي)، إلى زيادة حادة في تضخم أسعار المستهلكين في مختلف بلدان المنطقة.
ومن هنا يعتقد معدو التقرير أن يستمر التضخم كأحد عوائق النمو في المنطقة، مشيرا إلى أنه رغم أن الاعتماد الواسع النطاق على دعم أسعار المواد الغذائية والوقود يساعد على الحد من الضغوط التضخمية، فإنه يؤدي إلى زيادة كبيرة في أعباء المالية العامة فخطوات كهذه لا تؤدي فحسب إلى تقليص الحيز المتاح في ميزانية بلدان المنطقة لمعالجة الأولويات الأخرى، بل عادة ما تُعتبر آليات مفتقرة إلى الكفاءة بالنسبة للتخفيف من حدة الفقر. وبالمثل، فإن البلدان التي استجابت لارتفاع أسعار المواد الغذائية عبر زيادة الرواتب والأجور لمصلحة فئات مختارة للمساعدة على التخفيف من الآثار السيئة في مستويات المعيشة عليها الآن أن تواجه ارتفاع الآثار التضخمية.