21/05/2009
الإمارات تفاجئ الخليجيين وتقرر الانفراد بسياستها النقدية
قادة وممثلو دول المجلس الذين شاركوا في القمة التشاورية الأخيرة والتي تم خلالها اختيار الرياض مقرا للمجلس النقدي الخليجي.
اعتبر محللون وخبراء اقتصاديون انسحاب الإمارات من اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي ليس نعيا للمشروع، لكنه في الوقت ذاته كان مفاجئا للأوساط الاقتصادية والاجتماعية في دول المجلس باعتباره جاء في وقت باتت فيه الوحدة النقدية على مقربة من مواطني دول المجلس، حيث من المقرر أن يبدأ العمل بها مطلع 2010.
وفي حين شكل الإعلان الإماراتي الذي تلقته دول المجلس صباح أمس عبر وسائل الإعلام، خيبة أمل لدى المواطنين الخليجيين، أكد اقتصاديون أن القرار الإماراتي لن يثني الدول الأربعة الباقية (السعودية, الكويت, البحرين وقطر- علما أن عمان خارج الوحدة منذ بدايتها)، عن المضي قدما في استكمال إجراءات ومتطلبات الوحدة النقدية لتصبح نافذة مع مطلع العام المقبل, وهم بذلك يقيسون على ظهور وحدة اليورو إلى السوق العالمية رغم عدم دخول بريطانيا فيها.
وذكر مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الإماراتيه أمس، أن بلاده قررت أن لا تكون طرفا في اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي، مؤكدا في هذا الصدد أنه تم إخطار الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي رسميا بذلك أمس.
وأضاف المصدر أن الإمارات تتمنى لدول المجلس التي ستنضم إلى هذه الإتفاقية التوفيق والنجاح، لافتا إلى أن الإمارات ماضية في العمل في كل ما من شأنه مصلحة مواطني دول المجلس، وأنها ستواصل القيام بدورها كدولة مؤسسة للمجلس لتحقيق رسالته وأهدافه. وتابع تصريحه قائلا "إن سجل الإمارات في تنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس التعاون لدول الخليج يؤكد بقوة إيمانها بالعمل الخليجي المشترك".
من جانبه، أكد سلطان ناصر السويدي محافظ المصرف المركزي الإماراتي أن السياسة النقدية لبلاده ستستمر في نهجها المنفتح دون أي تغيير، وأن سعر صرف الدرهم سيستمر مربوطا بالدولار الأمريكي.
وفيما لم يذكر بيان الإمارات على وجه الدقة أسباب الانسحاب، أفادت مصادر خليجية مطلعة أنه جاء احتجاجا على عدم اختيارها مقرا للبنك المركزي الخليجي. والمعلوم أن قادة دول مجلس التعاون الخليجي اختاروا في قمتهم التشاورية التي عقدت أخيرا العاصمة السعودية الرياض مقرا للمجلس النقدي الخليجي الذي سيكون بمثابة البنك المركزي، وهي خطوة تعد تتويجيا لتكامل اقتصادي بدأت بوادره منذ عام 2005 من خلال مشاريع الاتحاد الجمركي، إطلاق السوق المشتركة، ومن ثم قرار الوحدة النقدية.
أمام ذلك، عد الاقتصادي السعودي الدكتور إحسان بو حليقة الخطوة التي اتخذتها الإمارات، ثاني أكبر اقتصاد خليجي، بانسحابها من مشروع الوحدة النقدية لم يكن الأمر المطلوب ومفاجئا بالنظر لكونها كانت من بين أكثر دول المجلس حماسا للعملة الخليجية الموحدة وكان لها إسهامات كبيرة في صياغة اتفاقية المجلس النقدي الخليجي، وجاء في الوقت الذي كان فيه الجميع يأمل أن يقوم المجلس النقدي بمشاركة جميع الدول الأعضاء.
وتوقع بو حليقة أن تقابل دول الخليج الخطوة الإماراتية خلال الأيام المقبلة بجهود حقيقية تهدف إلى توضيح الرؤية وإعادة الإمارات إلى عضوية الوحدة النقدية ورأب هذا الصدع والسبب أنها ليست رافضه في الأساس لمبدأ الوحدة. وتابع: "إن هذا الانسحاب واضح أنه على خلفية اختيار مقر مجلس الاتحاد النقدي الخليجي كطرف تحفظ حيث في وقتها لم يكن واضحا ما تداعيات هذا التحفظ وانعكاساته والآن أصبح واضحا وترجم بهذا الانسحاب"، متمنيا أن لا يستمر هذا الوضع ويكون مجرد احتجاج ويزول من خلال التفاهم الذي يعد منهجا راسخا بين دول الخليج أسهم في تجاوزها كثيرا من المسائل الخلافية في السابق.
وشدد بو حليقة على أن هناك الآن مخاوف حقيقية من أن هذا الانسحاب، وحتى مع استمرار مسيرة الاتحاد النقدي من قبل الدول الأعضاء المتبقية، أن يحد من فاعلية المجلس النقدي الخليجي. مضيفا "إننا آملون أن تكون هذه الوحدة والتي تشكل ثامن أكبر تكتل اقتصادي في العالم حسب الناتج المحلي الإجمالي الحالي".
من جانبه، قال الدكتور سليمان السكران (اقتصادي سعودي): القرار الإماراتي جاء في وقت كنا نتطلع فيه إلى مزيد من الوحدة وليس الفرقة، خاصة أن معظم دول العالم تعمل حثيثا على تكوين تكتلات اقتصادية ومالية. وتابع السكران "أتمنى النظر بجدية من قبل الإمارات في سلبيات القرار، مقابل الإيجابيات من الوحدة النقدية فهي تشكل دعما كبيرا لاقتصادات الخليج وتزيد من تنافسيتها على مستوى العالم".
في الوقت ذاته، قال مصدر خليجي إن السعودية والكويت وقطر والبحرين لا تزال ملتزمة بخطة الوحدة النقدية الخليجية وذلك بعد أن أعلنت الإمارات انسحابها من الخطة. وأضاف أن انسحاب الإمارات سيضعف الوحدة النقدية ولكنه ينطوي أيضا على خسارة للإمارات لأنها ستفقد الميزة التنافسية التي يتيحها الانضمام لكتلة موحدة.
من جانبه، قال الاقتصادي السعودي الدكتور علي دقاق رئيس مؤسسة الدقاق للدراسات الاقتصادية في جدة "إن هذا القرار سيبطئ مسيرة الاتحاد النقدي وسيبطئ مسيرة التكامل الاقتصادي الخليجي، لا سيما أن الإمارات تمثل ثاني أكبر اقتصاد خليجي بعد السعودية، إلا أنه اعتبر في الوقت نفسه أن إنسحاب الإمارات ليس نعيا للمشروع لأن الدول الأربع المتبقية يمكن أن تستمر في إجراءاتها لإكمال الوحدة النقدية ويصبح الوضع عندها شبيها بخروج بريطانيا من اليورو". ويعتقد دقاق أن السعودية وقطر والكويت والبحرين قد تمضي قدما في إصدار العملة الموحدة"، مع العلم أن الموعد المحدد لإصدارها هو 2010.
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي الكويتي حجاج بوخضور أن "الانسحاب الإماراتي سيؤثر بالقطع في الوحدة النقدية لأن ثقل الاقتصاد الخليجي سيصبح أقل"، وأضاف "أن الانسحاب لن يقلل من أهمية التكامل الاقتصادي الخليجي، لكنه سيخلق فراغا كبيرا".
وفي السياق ذاته، قال مسؤول في حكومة الإمارات أمس لـ "رويترز" إن انسحاب بلاده من خطة الوحدة النقدية الخليجية سيضعف الاتحاد كما ربط الانسحاب بقرار مجلس التعاون بشأن تسمية مقر البنك المركزي الخليجي. وأضاف "إنها مسألة مبدأ، لكن في الوقت نفسه قدمت الإمارات تنازلا كبيرا وأبدت مرونة بقرارها عدم تعطيل اتفاق الوحدة النقدية بأكمله".
في الوقت نفسه، عد محمد ياسين الرئيس التنفيذي لـ "شعاع للأوراق المالية" بيان الإمارات يمثل أعلى سقف من الاحتجاج على قرار اختيار مقر البنك المركزي، متوقعا في هذا السياق عدم تأثير القرار في الاقتصاد أو أسواق الأسهم.
من جهته، قال سايمون وليامز الخبير الاقتصادي الإقليمي في بنك إتش. إس. بي. سي في دبي "إنها ضربة لمشروع العملة الموحدة، لكنه استدرك بالقول "لا أعتقد أن يشكل الانسحاب تغيرا في نظام العملات أو خلافا حول استمرار ربط العملات بالدولار".
فيما يقول جون سفاكياناكيس كبير الاقتصاديين في البنك السعودي البريطاني "ساب" "قرار الإمارات بالانسحاب كان انفعاليا أكثر من كونه تفكيرا عقلانيا ومن المؤسف أنهم اختاروا الانسحاب بدلا من تحكيم العقل". وأضاف "ينبغي أن يحل التفكير السليم محل التفكير الذاتي. فلن يصل الاتحاد النقدي إلى نهاية تامة، إلا أن ذلك يزيد من تعقد الأمور".
أمام هذه التطورات، أكدت وكالة موديز للتصنيف الائتماني أن قرار الإمارات الانسحاب من خطة الاتحاد النقدي الخليجي لن يؤثر في التصنيف الائتماني للإمارات، وكذلك الدول الأخرى المعنية بالمشروع.
وقال تريستان كوبر المحلل لدى "موديز" في بيان "لن تتأثر التصنيفات
السيادية للإمارات تأثرا مباشرا بقرارها الانسحاب من اتفاق العملة الموحدة. وبالمثل لن تتأثر التصنيفات السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى بأي احتمال لتأجيل مشروع العملة الموحدة أو إلغائه بسبب قرار الإمارات". وأضاف "سيكون قرار الإمارات بالانسحاب من اتفاق العملة الخليجية الموحدة - إن كان نهائيا- لطمة للمشروع نظرا لكونها ثاني أكبر اقتصاد خليجي وأن عمان انسحبت بالفعل من الخطة".
من أبو ظبي، يقول الاقتصادي الإماراتي خلفان الكعبي إن انسحاب بلاده من الوحدة النقدية لم يكن بسبب عدم اختيارها مقرا للبنك المركزي، بل يعود إلى معطيات اقنصادية – حسب الكعبي. ويتابع الاقتصادي الإماراتي أن العالم الآن يمر بمرحلة تختلف عن تلك التي كانت فترة إقرار الوحدة النقدية وبالتالي فإن الإمارات رأت عدم حاجتها إلى الدخول، فضلا عن أن الوحدة النقدية تمثل عنصرا من التكامل الاقتصادي، وبالتالي فأبوظبي انسحبت من الوحدة النقدية وليس من التكامل الخليجي.