18/05/2014
10 شركات تستحوذ على ثلث السوق .. 6 منها مقرها في الولايات المتحدة الأسواق الناشئة تواجه الهيمنة الأمريكية على صناعة الدواء العالمية
كيميائي في أحد معامل شركة "فايزر" الدوائية.
أثارت ضخامة العرض المالي الذي قدمته شركة "فايزر" الأمريكية للصناعات الدوائية، لشراء منافستها شركة الدواء البريطانية – السويدية "أسترا زينيكا"، تساؤلات كثيرة حول القدرات المالية التي تتمتع بها الشركات الكبرى في تلك الصناعة.
فالعرض بلغ 106 مليارات دولار، وعلى الرغم من رفض الجانب البريطاني له حتى الآن، إلا أن الصفقة إذا ما تمت وفقا لهذا المبلغ فستكون أكبر صفقة استحواذ تقوم بها شركة أجنبية لأخرى في بريطانيا في التاريخ.
وتتصف صناعة الدواء العالمية بالتركيز الشديد، فنحو 15 شركة عالمية تهيمن على مقدراتها، والشركات العشر الكبرى تسيطر بمفردها على ثلث السوق العالمية، وتتجاوز مبيعات كل شركة عشرة مليارات دولار سنويا، بمعدل ربح يصل إلى 30 في المائة.
وتحتل الولايات المتحدة الأمريكية مكانة خاصة في هذه الصناعة، فأكبر ست شركات مقرها أمريكا، بينما تتواجد أربع في أوروبا، وسط توقعات بأن تواصل أمريكا وأوروبا واليابان السيطرة على 85 في المائة من صناعة الدواء في هذا القرن.
ويقوم قطاع الأبحاث الدوائية بلعب الدور الأبرز في هذه الصناعة، فمقارنة بكافة قطاعات الأبحاث في الأفرع الصناعية الأخرى، واصل قطاع الأبحاث في الصناعات الدوائية نموه حتى في أوقات الأزمة الاقتصادية، وتنفق أبحاث الدواء في العالم خمسة أضعاف ما ينفق على تطوير صناعة الفضاء والطيران والدفاع سنويا، وأربعة أضعاف ونصف الإنفاق العالمي على الصناعات الكيماوية، ومرتين ونصف ما ينفق لتطوير البرمجيات وخدمات الكمبيوتر.
وتقول الدكتورة هيلن باكسمان المتخصصة في صناعة الدواء والمدير التنفيذي في الرابطة البريطانية للصناعات الدوائية لـ "الاقتصادية"، إن هناك عدداً من العوامل تمثل الدافع الرئيس للتركز الحالي، وما يمكن اعتباره طابعا احتكاريا في هذه الصناعة. فالصناعات الدوائية مكلفة للغاية، سواء في الاستثمارات الأولية -أي عمليات الإنشاء وتأسيس معامل أبحاث ووحدات للتطوير- أو في العملية البحثية لاحقا، كما أن الشركات الدوائية تحتل موقعها بناء على قدرتها على إنتاج أدوية جديدة أكثر فاعلية، وهذه العملية قد تتطلب أبحاثا متواصلة تتراوح من 10-15 عاما، ولذلك عمليات الاستثمار في هذا المجال لكي تكون فعالة ومربحة يجب أن تكون بالمليارات.
وتشير الدكتورة هيلن إلى جانب اقتصادي آخر في شركات الدواء يجعل الطابع الاحتكاري للشركات الكبرى أمرا لا مفر منه على حد وصفها، وهو أن أغلب الشركات الدوائية الكبرى لا يتصف إنتاجها بالتنوع، فهي بالأساس تركز إنتاجها على المنتجات الصيدلانية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك: شركة زينيكا البريطانية – السويدية، فتقريبا 100 في المائة من إيراداتها تأتي من مبيعات الأدوية فقط، وشركتان فقط من أكبر 15 شركة في مجال صناعة الدواء في العالم لديها إيرادات من مبيعات المنتجات الصيدلانية تقل عن 50 في المائة من إجمالي المبيعات، أبرزهم شركة جونسون آند جونسون وهي أكبر شركة دواء في العالم، ونتيجة لقدرتها المالية الضخمة استحدثت أقساما لإنتاج وتطوير منتجات الرعاية الصحية الأخرى.
وتثير قضية تركز معظم كبريات شركات صناعة الدواء العالمية في الولايات المتحدة جدلا بين كبار العاملين في تلك الصناعة، فالبعض يعتبر أن ذلك واقع يجب التعامل معه كما هو، ولا يوجد أي غضاضة فيه، فهذه المكانة لم تأت إلا من خلال امتلاك واشنطن مقومات حقيقية لهذه الهيمنة، فسوق الأدوية في أمريكا هي الأكبر في العالم.
والشركات الأمريكية رائدة في مجال الأبحاث الدوائية، فـ 80 في المائة من الأبحاث العالمية والتطوير في مجال التكنولوجيا الحيوية تجرى على الأراضي الأمريكية، وتشير الأرقام المتاحة إلى أن إنفاق شركات الدواء الأمريكية نحو 85-90 مليار دولار العام الماضي على مجال الأبحاث الدوائية، بينما يبلغ الإنفاق العالمي نحو 140 مليار دولار.
وأوضح الدكتور البريت كريسيل أستاذ الاقتصاد الدولي في مدرسة لندن للاقتصاد، أن العرض الذي قدمته فايزر لشراء زينيكا فجّر بشكل مبالغ فيه وغير اقتصادي المشاعر الوطنية في بريطانيا، بدعوى أن الشركات الأمريكية تريد السيطرة على صناعة الدواء البريطانية، والأمر بعيد تماما عن هذه التصورات، فالسوق الرئيسة في العالم للصناعات الدوائية تتركز في أمريكا، وإلى حد ما اليابان وبعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا وسويسرا وفرنسا، أما في بريطانيا فإنها تمثل 4 في المائة من السوق العالمية، والأمر المثير للاستغراب أن يكون النقاش حول "أين يوجد المقر الرئيس للشركة الأم؟"، الأهم هو أن نقوم بتشجيع شركات الدواء بأن تقوم بأبحاثها لتحقيق اكتشافات دوائية جديدة هنا في معامل الأبحاث البريطانية، علينا أن نتعلم مما قامت به شركات صناعة السيارات الهندية.
ويلقي البعض الضوء على زاوية أخرى لما يعتبره هيمنة أمريكية على صناعة الدواء الدولية، فمنظمة الصحة العالمية تقدر قيمة سوق الدواء العالمية بـ 300 مليار دولار، وتتوقع أن تبلغ 450 مليار دولار في غضون ثلاثة أعوام، إلا أن الاتحاد الدولي لروابط الصناعات الدوائية يقفز بهذا الرقم إلى أكثر من تريليون دولار.
وتكمن القضية في أن الشركات الأمريكية ونتيجة معدلات الربحية الهائلة التي تحققها تتمكن من تمويل عمليات ضخمة للدعاية والإعلان تبلغ قرابة ثلث الإيرادات المحققة من المبيعات، وهذه النسبة تصل تقريبا إلى ضعف ما ينفق على الأبحاث والتطوير، ويمكّن هذا الإنفاق الهائل على الإعلان والدعاية الشركات الأمريكية أن تكون دائما في المقدمة.
ويشير الدكتور روبرت ديسي، الأستاذ المساعد في كلية الصيدلة بجامعة كارديف لـ "الاقتصادية"، إلى أن النمط الجاري من الإنفاق الكثيف على مجال الدعاية للأدوية لدى الشركات الدوائية الأمريكية يوجد حالة من إرهاق الميزانية للشركات المنافسة، خاصة الشركات المتوسطة والصغيرة، التي تقع في حيرة بين رفع ميزانية التطوير لاكتشاف أنواع جديدة من الأدوية واللقاحات أم زيادة مصروفات الدعاية للترويج لما تقوم بإنتاجه.
ويضيف روبرت لـ "الاقتصادية" أن حجم الشركة بمفرده لا يضمن النجاح، ولكن أغلب الشركات الأمريكية العملاقة، تحقق عوائد مالية ضخمة، تمكنها من تحقيق نمو سريع سواء بمفردها أو من خلال دمجها لشركات أصغر كما ترغب فايزر أن تفعل مع زينيكا، وعملية الدمج تمكن الشركات الأمريكية من فتح مجالات جديدة لأنواع من الأدوية لم تكن تنتجها من قبل، والمشكلة تكمن بالأساس في ارتفاع تكلفة إنتاج الدواء.
فوفقا للاتحاد الدولي لروابط الصناعات الدوائية فإن تكلفة إنتاج دواء جديد تبلغ في المتوسط 1.3 مليار دولار، بعد أن كانت لا تتجاوز 138 مليون دولار عام 1975، فالأبحاث في صناعة الدواء من أكثر الأبحاث التي تنتهي في أغلب الأحيان بالإخفاق، ولكن نظرا للقدرات المالية والبحثية الأمريكية فإن واشنطن يظل لها اليد الطولى في هذه الصناعة.
ويواجه التفوق الأمريكي حاليا تحديات لا تأتيه من أوروبا وحدها بل أيضا من الأسواق الناشئة، فبحلول العام المقبل سيبلغ إنفاق الاقتصادات الناشئة على الدواء نحو 28 في المائة من إجمالي الإنفاق الدولي، بينما لم تتجاوز هذه النسبة 12 في المائة عام 2005، وهذه الزيادة ستتواكب مع تراجع نصيب الولايات المتحدة من 41 في المائة إلى 31 في المائة العام المقبل، وانخفاض حصة أوروبا من 27 في المائة عام 2005 إلى 19 في المائة.
ويعتبر البعض أن تزايد معدلات النمو وارتفاع مستويات المعيشة في الأسواق الناشئة يمكنها من تخصيص المزيد من الاستثمارات للصناعات الدوائية، فسوق الأدوية ستبلغ 166 مليار دولار في الصين بحلول عام 2017، ما يجعلها أرضية خصبة للشركات المحلية الراغبة في الاستثمار بهذا المجال، وعلى الرغم من أن الأسواق الإفريقية لا تزال صغيرة نسبيا في هذا المجال، إلا أنه يتوقع بلوغ إنفاقها 30 مليار دولار عام 2016.
وهذا النمو لا يخلو من ملاحظات سلبية لعدد كبير من العاملين في مجال الصناعة الدوائية في الغرب، فالدكتور سميث رادال من الرابطة البريطانية للصناعات الدوائية لـ "الاقتصادية"، يشير إلى مجموعة سلبية من العوامل تساعد على انتعاش الصناعات الدوائية في الأسواق الناشئة.
ويضيف سميث لـ "الاقتصادية" أن تدابير البحوث الدوائية وإجراءات السلامة المطلوبة للصناعات الدوائية في الاقتصادات الناشئة، ضعيفة وغير متكاملة مقارنة بالبلدان المتقدمة، وهذا يجعل عملية تأسيس شركة دواء في بلد مثل الصين، أقل كثيرا في التكلفة مقارنة بالبلدان المتقدمة.
كما أن هناك العديد من الاتهامات بتلقي الأطباء الصينيين رشى، من الشركات المحلية لصناعة الدواء لدفع المرضى لاستهلاك أنواع من الأدوية لم تجر عليها أبحاث كافية لضمان جودتها، وعدم وجود أعراض جانبية لها، وفي إفريقيا هناك اتهامات بأن شركات الدواء تجري أبحاثا للأدوية على الأطفال، دون الحصول على التصاريح اللازمة.
وهذه الملاحظات تدفع البعض للمطالبة بمزيد من تدخل الدولة في الصناعات الدوائية، وعدم تركها في أيدي القطاع الخاص، فبالإضافة إلى أن هذا التدخل سيضمن عدم وقوع انتهاكات، واستكمال كافة الاختبارات والإجراءات اللازمة لضمان فاعلية الدواء، وعدم وجود تابعات سلبية على صحة المريض جراء استخدامه، فإن الأسباب الاقتصادية تكمن في قدرة الدولة على تعبئة رؤوس أموال ضخمة لهذه الصناعة مقارنة بالقطاع الخاص.
إلا أن التجربة التاريخية تشير إلى أنه خلال الـ 100 عام الماضية فإن القطاع الخاص أنتج تقريبا كل الأدوية واللقاحات المتوافرة حاليا في الأسواق، لكن المعارضين يبنون رفضهم دائما على أن معظم الأدوية واللقاحات التي أنتجت خلال الـ 100 عام الماضية بفضل هيمنة القطاع الخاص على هذه الصناعة وابتعاد الدولة عنها.